[1]بينما كان يسوع يمشي بجانب بحر الجليل، مر على جابي الضرائب. ولأنه كان يعمل مع الرومان، تجنَّب الرابيُّون اليهود لاوي. ولكن لدهشة لاوي، قال له يسوع: "اتبعني". رأى الرابيُّون الآخرون جابي ضرائب فقط، أما يسوع فرأى شخصًا يحبه.
لاحقًا، تناول يسوع وجبة مع مجموعة من العشَّارين والخطاة في منزل لاوي. أُصيب الفريسيُّون بالصدمة، كان من المُفترَض أن يكون يسوع قدِّيسًا. لماذا كان يمضي وقته مع الخطاة؟ أجاب يسوع، "لاَ يَحْتَاجُ الأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ بَلِ الْمَرْضَى. لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَارًا بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ"[2].
صدم نموذج حياة يسوع معاصريه. كان الفريسيُّون يُعتبَرون أقدس الناس في أيام يسوع، كانوا يقولون: "نحن مُقدَّسون، لذا نبتعد عن الخطاة". أما يسوع فقال: "أنا مُقدَّس"، لذلك أقضي وقتي مع الخطاة".
فَرِح يسوع بقضاء الوقت مع الخطاة. وإذ تبعوا يسوع، أصبح الخطاة قدِّيسين. قدَّم يسوع نموذجًا للحب المُقدَّس الذي يغيِّر العالم. القداسة هي محبة كاملة لله ومحبة كاملة للناس. القداسة الحقيقيَّة تغيِّر عالمنا.
[1]صلاة لطلب القداسة "يا رب،أجعل مني أداة لنشر سلامك. حيثما تكون هناك كراهية، دعني أنشر الحب؛ حيث يكون هناك جُروح، أزرع الغفران؛ حيث يكون الشك، أزرع الإيمان؛ حيث يكون اليأس، أزرع الرجاء؛ حيث تكون الظلمة، أنشر النور؛ حيث تكون التعاسة، أنشر الفرح.يا سيدي الله،امنحني ألا أسعى كثيرًا لأتعزَّى، بقدر ما أُعزِّي، أن أتفَهَّم، بقدر ما أُفهم؛ أن أُحِب، بقدر ما أُحَب. لأننا نأخذ في العطاء، وفي الصفح ننال الغفران؛ وفي الموت نُولد إلى الحياة الأبديَّة." -القديس فرانسيس الأسيزي
◄ كيف يقيس الناس في عالمك القداسة؟ كيف يُقارَن هذا المعيار بالطريقة التي عاش بها يسوع؟
ماذا اعتقد الناس الذين عاشوا في عالم يسوع عن القداسة؟ كيف كانوا يتوقَّعون أن يعيش الشخص المُقدَّس؟ عندما نرى الإجابة على هذه الأسئلة، سوف نفهم لماذا صُدم الناس بشدَّة من حياة يسوع وتعاليمه.[1]
ما كان يعتقده أهل العالم في زمن يسوع
عرف الناس في أيام يسوع أن الله إله قدُّوس. كانوا يعلمون أن شعب الله يجب أن يكونوا قديسين. يطلب الله القدُّوس من شعبه أن يكونوا قديسين. أرسل الله إسرائيل إلى السبي لأن شعبه لم يكن مُقدَّسًا.
عرف الناس في زمن يسوع أن القداسة تتطلَّب الانفصال عن كل ما هو نجس. تطلَّبت دعوة العهد القديم للقداسة من شعب الله أن يبتعدوا عن كل ما هو خاطئ.
عرف الناس في زمن يسوع وعد الله بأن يكتب عهدًا جديدًا على قلب شعبه. وعد الله أن يعطي شعبه "قلبًا جديدًا" و "روحًا جديدة" تُمكِّنهم من الحفاظ على العهد.[2]كان الناس في أيام يسوع ينتظرون أن يتحقَّق هذا الوعد.
عرف الناس في أيام يسوع أن الله القدُّوس يفي بوعوده، فالله أمين لعهده. على الرغم من أن إسرائيل قد نقضت العهد، إلا أن الله ظل أمينًا. اعتقد الشعب اليهودي أن مجد الله سيعود إلى إسرائيل إذا كان شعبه مقدس.
ما مارسه الناس في زمن يسوع
آمن المتديِّنون في زمن يسوع بهذه المبادئ، لكنهم فشلوا في العيش وِفقًا للنمط الذي رسمه الله بخصوص القداسة الحقيقيَّة، لم تكن لديهم قلوب مُقدَّسة.
وضع قادة الكهنوت إيمانهم في الهيكل، كانوا يعتقدون أنه إذا تم تقديم الذبائح بشكل صحيح، فإن مجد الله سيعود. ولكن كان رد يسوع: "فَاذْهَبُوا وَتَعَلَّمُوا مَا هُوَ: إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لاَ ذَبِيحَةً"[3]. بيَّن يسوع أن الطقوس وحدها لا تكفي.
اعتقد الأسينيون أنه يمكن أن يكونوا مُقدَّسين من خلال العيش بمعزل عن الآخرين. فانتقلوا إلى مجتمعات أسسوها بجوار البحر الميت. لكن كان رد يسوع: "أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ هكَذَا يَكُونُ فَرَحٌ فِي السَّمَاءِ بِخَاطِئٍ وَاحِدٍ يَتُوبُ أَكْثَرَ مِنْ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ بَارًّا لاَ يَحْتَاجُونَ إِلَى تَوْبَةٍ"[4]. "لأَنِّي لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَارًا بَلْ خُطَاةً"[5]. لمس يسوع البُرص، أكل مع الخطاة، أظهر أننا يمكن أن نكون قدِّيسين في عالم خاطئ.
أطاع الفريسيُّون التفاصيل الخارجيَّة للشريعة، لكنهم تجاهلوا النجاسة الداخليَّة. شبَّه يسوع الفريسيِّين بالقبور التي "تَظْهَرُ مِنْ خَارِجٍ جَمِيلَةً، وَهِيَ مِنْ دَاخِل مَمْلُوءَةٌ عِظَامَ أَمْوَاتٍ وَكُلَّ نَجَاسَةٍ. هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا: مِنْ خَارِجٍ تَظْهَرُونَ لِلنَّاسِ أَبْرَارًا، وَلكِنَّكُمْ مِنْ دَاخِل مَشْحُونُونَ رِيَاءً وَإِثْمًا"[6]. أظهر يسوع أن القداسة يجب أن تبدأ من القلب. لا يمكن أن يكون لديك أيدٍ مُقدَّسة إذا لم يكن قلبك مُقدَّسًا.
اتَّفق هؤلاء الناس في زمن يسوع على الطقوس بدلاً من القداسة الحقيقيَّة. فبدلاً من محبة الله، قاسوا القداسة بالقواعد. بدلاً من أن يحبُّوا عالمهم، قامت إسرائيل ببناء أسوار في وجه عالم محتاج. أظهر يسوع أن الشخص المُقدَّس يحب الله ويحب قريبه.
[1]جزء كبير من هذه المادة مبني على كتاب:
Kent Brower, Holiness in the Gospels (Kansas City: Beacon Hill Press, 2005).
عندما نقرأ عن القداسة في العهد القديم، قد نميل إلى أن نقول: "هذه نظريَّة جميلة، ولكن كيف ستبدو في الحياة الواقعيَّة؟". جاء يسوع ليرينا كيف تبدو القداسة في الحياة اليوميَّة. أظهرت سلسلة نسب لوقا أن يسوع كان "ابن آدم، ابن الله"[1]. عندما ننظر إلى يسوع، ابن آدم، نرى النموذج المثالي للشخص المُقدَّس. تُظهِر الأناجيل القداسة في حياة يسوع الناصري.
القداسة هي السير مع الله
نرى في يسوع نموذج علاقة الإنسان بالله، أظهرت حياة الصلاة لدى يسوع علاقته الحميمة مع أبيه. كان يسوع ينسحب بانتظام من الجموع ليكون وحده مع أبيه. سعى يسوع في بشريَّته إلى علاقة وثيقة مع أبيه السماوي، لقد سار مع الله.
لعل أعظم صورة عن علاقة يسوع بالآب تظهر في صراخه على الصليب، بينما كان يحمل خطايانا على الصليب: "صَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً: إِيلِي، إِيلِي، لِمَا شَبَقْتَنِي؟ أَيْ: إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟"[2]بينما كان يموت بدلًا منا ويتحمَّل العقاب الصحيح عن خطيَّتنا، شعر يسوع أن أبيه قد تخلَّى عنه.
أظهر يسوع العلاقة الحميمة مع الله، تحقَّقت القداسة التي لمَّح إليها إبراهيم وداود في حياة يسوع الناصري.
القداسة انفصال
أن تكون مُقدَّسًا يعني أن تفرز عن الخطيَّة وتنفصل إلى الله. في بشريَّته، رسم يسوع نموذجًا للانفصال عن الخطيَّة. وهو "لم يعرف خطيَّة"[3]. شهد التلميذ الأقرب إلى يسوع أثناء خدمته الأرضيَّة: "لَيْس فِيهِ خَطِيَّةٌ"[4].
في بشريَّته، كان يسوع نموذج الانفصال إلى الله، فقد عاش في خضوع طوعي للآب. شهد يسوع: "وَالَّذِي أَرْسَلَنِي هُوَ مَعِي، وَلَمْ يَتْرُكْنِي الآبُ وَحْدِي، لأَنِّي فِي كُلِّ حِينٍ أَفْعَلُ مَا يُرْضِيهِ"[5]. لقد انفرز يسوع لأبيه.
القداسة هي صورة الله
أن تكون مُقدَّسًا يعني أن تعكس صورة الله. عندما ننظر إلى يسوع، نرى الصورة الكاملة للآب. "وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا"[6]. عندما طلب فيلبس من يسوع: "أَرِنَا الآبَ"، أجاب يسوع: "اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ"[7]. في يسوع نرى صورة الله الكاملة.
القداسة هي قلب غير مُنقسِم
لدى الشخص المُقدَّس قلب غير مُنقسِم، إنه شخص مُخلِص تمامًا لله. في بستان جثسيماني، صلَّى يسوع: "يَا أَبَتَاهُ، إِنْ شِئْتَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسَ. وَلكِنْ لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ"[8]. استسلم قلب يسوع بالكامل لمشيئة الآب، يُظهر يسوع ما يَعنيه أن يكون لديك قلب غير مُنقسِم.
القداسة هي البر
تتطلب القداسة الحقيقية السلوك المستقيم. يتسم الشخص المُقدَّس بالعدل والرحمة والتواضع. في حياة يسوع، نرى مثالاً كاملاً عن البر.
تظهر الصورة النهائيَّة للعدالة عندما حمل يسوع غضب الله العادل على الصليب. لم ينكر يسوع عدالة عقوبة الخطيَّة. بل، دفع العقوبة نيابة عنا.
أظهر يسوع الرحمة في معاملته للبُرص والنساء والأطفال والفقراء. أظهر الرحمة للمرأة التي ارتكبت الزنا، وزكا، واللص على الصليب. مرارًا وتكرارًا، استجاب يسوع برحمة لأولئك الذين رفضهم الآخرون.
قبل أكثر من 700 سنة من ولادة يسوع، وصف إشعياء تواضع المسيح: "لاَ صُورَةَ لَهُ وَلاَ جَمَالَ فَنَنْظُرَ إِلَيْهِ، وَلاَ مَنْظَرَ فَنَشْتَهِيَهُ"[9]. تنبَّأ إشعياء: "لاَ يَصِيحُ وَلاَ يَرْفَعُ وَلاَ يُسْمِعُ فِي الشَّارِعِ صَوْتَهُ. قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ، وَفَتِيلَةً خَامِدَةً لاَ يُطْفِئُ. إِلَى الأَمَانِ يُخْرِجُ الْحَقَّ"[10].
أظهر يسوع إرساليَّة العدل والرحمة والتواضع التي جاء ليتمِّمها في عظته العامة الأولى. في مجمع الناصرة، قرأ نبوة إشعياء عن العبد القادم:
تنبأ إشعياء بـ "سنة فضل الرب" زمن العدل لجميع الناس. أعلن يسوع أنه جاء ليحقِّق هذا الوعد: "إِنَّهُ الْيَوْمَ قَدْ تَمَّ هذَا الْمَكْتُوبُ فِي مَسَامِعِكُمْ"[12]. قدَّمت خدمة يسوع على الأرض نموذجًا للبر.
في الدرس السابع، رأينا أنه أن تكون مُقدَّسًا يعني أن تحب الله محبة غير مُنقسِمة. أن تكون مُقدَّسًا يعني أيضًا أن تحب القريب. أعطى يسوع هاتين الوصيَّتين: "أحب الله" و "أحب قريبك" بصفتهما خلاصة الناموس كله.[1]
يجلب الحب الحقيقي لله دائمًا الحب للآخرين. إن أحببنا الله، فسنُحِب الناس الذين يحبهم الله. ليست القداسة هي العزلة أبدًا؛ بل أن نحيا حياة مُقدَّسة في علاقة مع قريبنا. القداسة هي محبة كاملة لله ومحبة كاملة للآخرين، لا يمكن فصل الحب الكامل لله عن محبة القريب.
وقد عبَّر يسوع عن هذا على هذا النحو: "الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِي فَعَلْتُمْ"[2]. ربط يوحنا محبتنا لله بمحبتنا للقريب:
الخطيَّة في جذورها هي التمركُز حول الذات. في الجنَّة، وعد الشيطان حواء بأنها يمكن أن "تكون مثل الله"[4]. في بابل، كان الإنسان عازمًا على "نَصْنَع لأَنْفُسِنَا اسْمًا"[5]. على عكس رغبة الله، طلبت إسرائيل ملكاً لتكون "مثل كل الأمم"[6]. في كل حالة، الخطيَّة هي تمركُز حول الذات.
إذا كانت الخطيَّة هي التمحور حول الذات، فإن القداسة (عكس الخطيَّة) ستشمل التمركُز حول الآخر. إذا دفعتنا الخطيَّة إلى السعي وراء منفعتنا، فإن القداسة ستدفعنا إلى السعي وراء خير الآخرين. إذا كانت الخطيَّة هي حب الذات، فإن القداسة هي محبة الآخرين، فأن تكون مُقدَّسًا يعني أن تحب الآخرين. الوصيَّة الأكثر تكرارًا في العهد الجديد هي وصيَّة المحبة، حيث تتكرَّر ما لا يقل عن خمس وخمسين مرَّة.
علَّم يسوع أن القداسة هي المحبة والتعاطف مع الآخرين. أظهر يسوع أن الشخص المُقدَّس سوف يجتذب الخطاة إلى الله القدُّوس من خلال حياة المحبة المُقدَّسة.
تتطلَّب منا طاعة أمر الله بأن "نكون قدِّيسين، لأني أنا الرب إلهك قدُّوس" أن نحب قريبنا. أظهر يسوع حبًا كاملًا للآخرين وعلَّم أتباعه أن يحبُّوا الآخرين تمامًا.
أظهر يسوع محبة كاملة للآخرين
في وقت مُبكِّر من خدمة يسوع، أرسل يوحنا المعمدان أتباعه ليسألوه: "أَنْتَ هُوَ الآتِي أَمْ نَنْتَظِرُ آخَرَ؟"[7]كان الفريسي ليتوقع من يسوع أن يرد بالإشارة إلى حياته المُنفصِلة وتعليمه الحكيم، ولكن بدلًا من ذلك، أشار يسوع إلى خدمته للآخرين بمحبة:
توضِّح دراسة معجزات يسوع محبته الكاملة للآخرين. طلب قائد مئة روماني من يسوع أن يشفي عبده. معظم الرابيِّين اليهود كانوا ليرفضوا طلبه. لكن، لم يشف يسوع العبد فحسب، بل امتدح إيمان هذا الأُممي.[9]
حتى عندما جلبت معجزاته المقاومة، تصرَّف يسوع بدافع المحبة. عندما أتت إليه امرأة منحنية شفاها في يوم السبت. على الرغم من عدم وجود شيء في الناموس يمنع هذا الشفاء، إلا أن الفريسيين لم يسمحوا بالشفاء في يوم السبت. وبسبب المحبة، جازف يسوع بأن يتعرَّض لغضب القادة الدينيين.[10]
أظهر يسوع المحبة حتى لأولئك الذين كانوا يتألَّمون نتيجة أفعالهم الخاطئة. أظهر يسوع محبته لامرأة سامريَّة عاشت حياة غير أخلاقيَّة.[11]كما حمى امرأة أُمسكت متلبِّسة بالزنا. لم ينكر يسوع خطيتها؛ لكنه أمرها "اذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضًا"[12]. عرف يسوع أن القداسة تتطلَّب الانفصال عن الخطيَّة، لكنه عرف أيضًا أن الحب الكامل أقوى من قوة الخطيَّة.
قبل ساعات من موته، أظهر يسوع محبته للآخرين. رافق ملخس- خادم رئيس الكهنة- سيدهُ لاعتقال يسوع في بستان جثسيماني. وعندما قطع سمعان بطرس أذن ملخس، وبَّخ يسوع بطرس وشفى ملخس.[13]أظهر يسوع معنى أن تحب عدوَك.
عندما عُلِّق يسوع على الصليب، طلب اللص منه الرحمة. كان هذا السارق يستحق الموت، لقد كان مجرمًا عنيفًا. وعد يسوع- الذي كان يتألَّم ليس من أجل خطاياه، ولكن من أجل خطايا الآخرين- لصًّا يحتضِر بالرحمة.[14]على الرغم من عذابه، أحب يسوع رجلًا يبدو أنه لا يمكن أن يحبه أحد.
علَّم يسوع أتباعه أن يحبوا الآخرين تمامًا
علَّم يسوع أتباعه معنى المحبة الكاملة. أظهر يسوع أن الحب الكامل هو معيار الحياة في ملكوت السماوات.
تُعَد الوصيَّة التي تقول: "فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ". مركز الموعظة على الجبل. تتبع هذه الوصيَّة سلسلة من أمثلة الحب الموجَّه للآخرين. أن "تكون كاملًا، كما أن أباك السماوي كامل" يعني أن تعيش حياة محبة غير مُنقسِمة تجاه الآخرين.
لو كانت القداسة لا تعني أكثر من الانفصال عن الخطيَّة الخارجيَّة، لكان الفريسيُّون هم أقدس الناس، كانوا يُسمُّون "المُنفصِلون". ولكن، طالب يسوع بأكثر من انفصال الفريسيين. "إِنَّكُمْ إِنْ لَمْ يَزِدْ بِرُّكُمْ عَلَى الْكَتَبَةِ وَالْفَرِّيسِيِّينَ لَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّماوَاتِ"[16].
على عكس بر الفريسيين الكاذب، أظهر يسوع أن مواطني ملكوته هم أشخاص محبُّون. السلوك الخارجي الذي لا تقابله قداسة داخليَّة هو نفاق وليس قداسة، يجب أن تكون لدينا قلوب مُقدَّسة وأيد مُقدَّسة.
يتخطَّى الشخص الذي يتمتَّع بالحب الكامل مرحلة طاعة الوصيَّة التي تقول: "لا تقتل". يسعى الحب إلى المصالحة مع الأخ الذي أُسيئ إليه. يتخطَّى الرجل الذي يتمتَّع بالحب الكامل طاعة الوصيَّة التي تقول: "لا تزن". يرفض الحب حتى النظر إلى امرأة لإشباع الرغبات الأنانيَّة.
الرجل ذو الحب الكامل لا يبحث عن عذر للطلاق، فهو يحب زوجته بما يكفي لتحقيق أفضل ما في صالحها. الشخص الذي يتمتَّع بالحب الكامل يتحدَّث عن الحقيقة دون ثغرات. الشخص الذي يتمتَّع بالحب الكامل لا يسعى إلى الانتقام.
أن تحب كما يحب الله يعني أن تحب عدوَّك. لم يقلِّل يسوع من مطالب القداسة، بل رفع مطالب القداسة. "يَجِبُ أَنْ يَفوقَ بِركَ" بر الكتبة والفريسيين الخارجي.[18]بدلًا من الاكتفاء بالسلوك الخارجي وحده، يغيِّر الله القلب. عندما تحب كما يحب الله، فأنت "كامل، كما أن أباك السماوي كامل".
علَّم يسوع المحبة الكاملة في مثل السامري الصالح.[19]
لم يرِد الناموسي مواجهة مطالب الحب. فبحث عن عذر لتجنُّب الاضطرار إلى وضع عقيدته في موضِع التنفيذ. "وَأَمَّا هُوَ فَإِذْ أَرَادَ أَنْ يُبَرِّرَ نَفْسَهُ، قَاَلَ لِيَسُوعَ: وَمَنْ هُوَ قَرِيبِي؟" أجاب يسوع بمثل السامري الصالح.
علَّم يسوع أننا مسؤولون عن محبة قريبنا ليس بالكلمات فحسب، بل بالأفعال. مِثل السامري الصالح، يبحث المسيحي الذي يحب محبة كاملة عن فرصة لخدمة الآخرين، حتى الأعداء. إذا أحببنا قريبنا، فسنبحث عن فرص للخدمة. سأل يعقوب:
في ليلة القبض عليه، علَّم يسوع أحد أعظم الدروس التي علَّمها عن المحبة الكاملة. عندما تناولوا عشاء الفصح، بدأ التلاميذ يتجادلون حول من منهم هو الأعظم.
أجاب يسوع: "لأَنْ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ: أَلَّذِي يَتَّكِئُ أَمِ الَّذِي يَخْدُمُ؟ أَلَيْسَ الَّذِي يَتَّكِئُ؟ وَلكِنِّي أَنَا بَيْنَكُمْ كَالَّذِي يَخْدُمُ"[22]. ثم أخذ منشفة وبدأ في غسل أقدام التلاميذ، وهي وظيفة خادم. جثا يسوع على ركبتيه وغسل أرجل كل رجل في الغرفة - حتى رجلي يهوذا.
وعندما انتهى، سأل يسوع: "أَتَفْهَمُونَ مَا قَدْ صَنَعْتُ بِكُمْ؟" لقد أراد تعليم هؤلاء التلاميذ الباحثين عن المكانة درسًا مهمًا:
علَّم يسوع في الساعات الأخيرة التي قضاها مع تلاميذه أن المحبة الكاملة متواضعة، المحبة الكاملة لا تبحث عن مكانة؛ المحبة الكاملة تبحث عن فرص للخدمة. القداسة هي المحبة الكاملة.
قال يسوع: "فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ"[1]. لكن يرُد كثير من الناس قائلين: "لا أحد كامل!" ولكن، لا يمكننا تجاهل وصيَّة يسوع "كونوا كاملين". ماذا كان يعني؟ هل يمكن للمسيحيين العاديين أن يطيعوا أمر يسوع؟
ماذا يعني أن تكون "كاملًا"؟
هناك شيئان يساعداننا على فهم قصد يسوع. أولاً، انظر إلى تعريف الكلمة اليونانيَّة المُترجَمة "كامل" في متى 5: 48. تعني كلمة تيليوس "أن تكون كاملًا". تأتي كلمة تيليوس من اسم يعني "الهدف" أو "الغرض"، أن تكون كاملًا يعني أن تصل إلى الهدف.
يُظهر العهد القديم أن الإنسان الكامل لديه قلب غير مُنقسِم تجاه الله. تستمر هذه الفكرة في العهد الجديد. هدف الله بالنسبة لشعبه هو "الحب الكامل" الحب بقلب غير مُنقسِم. هل الأداء المثالي هذا ممكن بقوتنا؟ لا. هل الحب الكامل غير المُنقسِم لله ممكن؟ يقول يسوع: "نعم".
ثانيًا، انظر إلى سياق متى 5: 48. تُظهِر الآيات قبل وبعد متى 5: 48 أن الكمال يعني أن تحب الله والقريب محبة كاملة. تُلخِّص وصيَّة يسوع حياة المحبة تجاه الله والقريب.
تتبع الوصيَّة "فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ" أمثلة على المحبة تجاه القريب في متى 5: 21-47. بدلًا من القتل والزنا والطلاق ونقض العهود والانتقام، يعيش القدِّيسون بمحبة. آخر هذه الوصايا هو "أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ"[2]. يقدِّم الناس المُقدَّسون محبة لأولئك الذين يسعون إلى إلحاق الأذى بهم. أن تكون كاملًا يعني أن تحب كما يحب الله.
مباشرة بعد هذه الوصيَّة، أعطى يسوع أمثلة عن معنى أن تحب الله حقًا في متى 6: 1-18. يعطي المنافقون للفقراء لينالوا التكريم من الناس؛ أما أولئك الذين يحبُّون الله محبة كاملة فيعطونهم حتى يراهم "أبوكم الذي يرى في الخفاء".
المنافقون "يحبون الوقوف والصلاة في المجامع وفي زوايا الشوارع حتى يراها الآخرون". أما من يحبون الله محبة كاملة "فَادْخُلْ إِلَى مِخْدَعِكَ وَأَغْلِقْ بَابَكَ، وَصَلِّ إِلَى أَبِيكَ الَّذِي فِي الْخَفَاءِ". يصوم المنافقون لإثارة إعجاب الآخرين؛ "فَإِنَّهُمْ يُغَيِّرُونَ وُجُوهَهُمْ لِكَيْ يَظْهَرُوا لِلنَّاسِ صَائِمِينَ". أما الذين يحبون الله محبة كاملة فيريدون أن يراهم فقط "أَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ".
أمَر بولس المؤمنين في كولوسي أن يعيشوا حياة مُقدَّسة، ووصف حياة المحبة والمغفرة:
ذروة هذه القائمة هي الحب. "وَعَلَى جَمِيعِ هذِهِ الْبَسُوا الْمَحَبَّةَ الَّتِي هِيَ رِبَاطُ الْكَمَالِ"[4]. أن تكون كاملاً يعني أن "تلبس المحبة". عندما قال يسوع "كونوا كاملين" أوصانا أن "نلبس" محبة الله والقريب. الحب الكامل هو الحب بقلب غير مُنقسِم.
ما مدى كمال الحب الكامل؟
في العرف الشائع، نستخدم أحيانًا كلمة "الكمال" بالمعنى المطلق. نستخدم كلمة "كامل" لتعني شيئًا لا يمكن تحسينه أو زيادته. إذا فكَّرنا في "الكمال" على أنه مستوى مطلق من الإنجاز، فسنقيس القداسة بأعمالنا. ومثل الفريسيين، سننظر إلى القداسة على أنها عصا قياس.
يأخذ الكثير من الناس هذا النهج بالنسبة للحياة المُقدَّسة. مثل الفريسيين، لديهم قائمة للتحقُّق منها. إذا تم وضع علامة على كل البنود، فستكون الحياة "كاملة".
"هل أحفظ الوصايا؟"
"هل أرتدي الملابس المناسبة؟"
"هل أقول الكلمات الصحيحة؟"
في الكتاب المُقدَّس، كلمة "كامل" ليست مُطلقة. فهي لا ترفُض المزيد من النمو. كان أيوب "كاملًا"[5]لكنه نما في علاقته مع الله من خلال التجارب التي تحمَّلها.
في الكتاب المُقدَّس، أن تكون "كاملًا" يعني "أن تكتمِل" في كل مرحلة من مراحل النمو. كتب كاتب العبرانيين إلى المسيحيين الذين لم يكونوا كاملين بالنسبة لمرحلة نموَّهم. لقد فشلوا في النمو إلى النضج الروحي.
لا يشير كاتب العبرانيين إلى أن المؤمنين الناضجين (أو الكاملين) لم يعودوا بحاجة إلى طعام روحي! إنه يدفعهم نحو النضج، بحيث يمكنهم أن يأكلوا الطعام الروحي المناسب لسنُّهم الروحي. أن نكون كاملين يعني أن نكون ناضجين بشكل صحيح بالنسبة لمرحلة الاختبار المسيحي التي وصلنا إليها، أن نكون كاملين يعني أننا مكتمِلون وأصحَّاء؛ نحن ما يريدنا الله أن نكون.
بدلًا من عصا القياس، نجد أن الصورة الكتابيَّة لـ "الكمال" هي الدائرة.الدائرة شكل كامل. لا يمكن جعلها دائريَّة أكثر. ومع ذلك، يمكن جعل الدائرة الكاملة أكبر؛ يمكن أن تنمو الدائرة المثاليَّة وتتوسَّع. إنها دائرة مثاليَّة، لكنها لا تزال تنمو.
يمتلئ الشخص المُقدَّس بالحب الكامل لله ولقريبه. وبينما ننضُج، تزداد قدرتنا على الحب، الدائرة تتوسَّع. بينما ننضُج، تزداد محبتنا "أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ فِي الْمَعْرِفَةِ وَفِي كُلِّ فَهْمٍ"[7]. في كل مرحلة من مراحل النمو، يقول الله: "هذا الشخص يحبني محبة كاملة، إنه شخص مُقدَّس".
يفهم الشخص الذي سار مع الله أربعين عامًا كيفيَّة إظهار المحبة لجاره أكثر من الشخص الذي سار مع الله لمدَّة عام. لكن يستطيع كلاهما أن يحب قريبه من قلب غير مُنقسِم، كلاهما يمكن أن يُظهِر محبة كاملة.
عندما ترسم طفلة تبلغ من العمر خمس سنوات صورة لوالدها، يقول لها: "شكرًا لك! هذا رسم مثالي!" طبعًا هو لا يقصد أن عملها الفني لا يمكن أن يكون أفضل من ذلك. في سن الخامسة عشر، سترسم نفس هذه الطفلة صورة أفضل بكثير.
"انه مثالي!" تعني: "هذه الصورة أتت من قلب مُحِب. هذا مناسب بالنسبة لمرحلة نضجها".
الحب الكامل ليس معيارًا للأداء. الحب الكامل هو الحب الكامل لله وللآخرين، الحب الكامل هو اتباع مثال حياة يسوع، الذي جاء ليعلن الحب الكامل في الحياة اليوميَّة.
هل الحب الكامل ممكن للمؤمنين العاديين؟
صَرَّح البيوريتان في القرن السابع عشر بمبدأ هام في تفسير الكتاب المُقدَّس. قالوا إن الوصايا الكتابيَّة هي "وعود مستَتِرة". وكان قصد البيوريتان أن الوصيَّة الكتابيَّة هي وعد مُقَنَّع. الوصيَّة الكتابيَّة تتضمَّن في طيَّاتها وعدًا كتابيًّا. إذا أمر الله بشيء، فسيجعل الطاعة مُمكِنة. ما يطلبه الله من شعبه، سيفعله في شعبه.
تخيَّل أبًا أرضيًا يعطي ابنه أمرًا مستحيلًا. "يا بني، إذا كنت تريد إرضائي، فيجب عليك الجري لمسافة ميل في دقيقتين". لبُرهة، قد يحاول الابن تحقيق هذا الهدف، لكن توقعات والده مستحيلة. في النهاية، سيصاب الابن بالإحباط أو حتى يشعُر بالمرارة. هل هذا أب صالح؟ كلا.
لكن الله أب صالح، لا يحبط أولاده بأوامر مستحيلة. عندما يأمرنا يسوع قائلًا "كونوا كاملين كما أن أباكم السماوي كامل"، فإنه سيُمكِّننا من طاعة وصيَّته.
تُبيِّن الموعظة على الجبل الحياة في ملكوت الله. ليس هذا ناموسًا جديدًا يجلب عبوديَّة أكبر من الناموس القديم، ليست هذه مجموعة من المُثُل التي لا يمكن الوصول إليها لتُظهِر لنا كم نحن بعيدون عن تلبية مطالب الله. إنها صورة للحياة اليوميَّة في ملكوت الله. لم يقل يسوع في أي موضع: "هذه هي وصيتي، لكن لا يمكنك أن تُطيع!" ولكن قال يسوع: "هذا ما يجب أن تكون عليه".
إذا نظرنا إلى وصيَّة يسوع بعيون القدرة البشريَّة، فهذا مستحيل. بالقوة البشريَّة، لا يمكننا أن نتمِّم وصيَّة الله بأن نكون كاملين. بالقوة البشريَّة، لا يمكننا أن "تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك". ولكن، يمكننا بقوة الله أن نطيع وصايا الله. الحب الكامل ممكن بنعمة الله.
عندما قال الشاب: "هذِه كُلُّهَا حَفِظْتُهَا مُنْذُ حَدَاثَتِي"، أضاف يسوع وصيَّة أخرى: "إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ كَامِلاً فَاذْهَبْ وَبعْ أَمْلاَكَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي". أن تكون كاملاً يعني أن تحب يسوع أكثر من المُمتلكات.
"فَلَمَّا سَمِعَ الشَّابُّ الْكَلِمَةَ مَضَى حَزِينًا، لأَنَّهُ كَانَ ذَا أَمْوَال كَثِيرَةٍ". الشاب الغني لم يحب قريبه محبة كاملة؛ فلم يبع مُمتلكاته ويعطيها للفقراء. كما لم يحب الله بالتمام؛ فلم يغادر المنزل ليتبع يسوع. كان لهذا الشاب قلب مُنقسِم. لقد أراد الله، لكنه أراد أيضًا "مُمتلكاته الكثيرة".
بالقوَّة البشريَّة، المحبة الكاملة لله والقريب أمر مستحيل. ولكن "عِنْدَ اللهِ كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ". الأب المُحِب لا يحبط أولاده بوصايا لا يمكن أن تتحقَّق، وصايا الكتاب المُقدَّس مصحوبة بنعمة لطاعة الوصايا. "كونوا كاملين كما أن أبوكم السماوي كامل" ليس نادٍ ناموسي لدفع المسيحيين إلى اليأس، إنه وعد كريم بأن الله يمكن أن يفعل فينا ما لا يمكننا أن نفعله نحن في أنفسنا.
هل من الممكن أن نطيع وصيَّة يسوع بأن نكون كاملين؟ بحسب الموعظة على الجبل، الجواب هو "نعم!" بفرح. أن تكون كاملًا في ملكوت الله يعني أن يكون لديك قلب من الحب الكامل، أن تكون كاملاً في ملكوت الله يعني أن يكون لديك حب عازم لله وللقريب. هل هذا ممكن؟ بحسب يسوع، الحب الكامل ممكن وضروري، فالحب الكامل هو قصد الله لشعبه.
يقول هوانغ: "أحب الله من كل قلبي، وأحب معظم الناس، لكني لا أستطيع أن أحب السود، أعتقد أن كل السود كسالى".
رد صديق هوانغ: "لكن على المسيحيين أن يحبُّوا الجميع! لا يقدر المسيحيون أن يحكموا على الآخرين ظلما". أجاب هوانغ: "لا أعتقد أن الله يهتم بأشياء صغيرة كهذه. أليس من الطبيعي تجنُّب الأشخاص الذين يختلفون عنا؟"
يقول الله: "يتعامل القدِّيسون مع جميع الناس - بما فيهم الَّذين يختلفون عنَّا - بالرحمة والعطف".
أحد مقاييس شخصيَّتك هو كيف تعامل أولئك الَّذين لا يستطيعون فعل أي شيء من أجلك. من السهل إظهار الاحترام والتكريم للأشخاص الذين يؤهِّلهم وضعهم لمكافأتنا بالمال أو الوظائف أو السُلطة. أما المحبة فتكرم أولئك الذين لا يستطيعون أن يفعلوا شيئًا لنا: الفقراء وكبار السن والأطفال وغيرهم ممن ليس لديهم مركز عال. يؤثِّر "ناموس الحب الملكي" على كيفيَّة تعاملنا مع الجميع. الحب يُتمِّم الناموس.
المحبة تُتمِّم الناموس
يُعد موضوع الحب الكامل محوَر رسالة حياة القداسة. في الدرس السابع، رأينا أن محبة الله هي أكثر من مجرَّد عاطفة، محبة الله تُغيِّر مركز حياتنا، حيث يصبح ما نريده الآن هو أن نرضي الله أكثر مما نريد أن نرضي أنفسنا. وبنفس الطريقة، تنقِل محبة القريب تركيزنا من على الذات إلى الآخرين.
كل مسيحي مديون بدين الحب. يؤكِّد لنا بولس أننا إذا أوفينا بواجب المحبة، فسنكون قد أوفينا بجميع التزامات الناموس الأُخرى. إذا كنا نحب الآخرين، فلن نرتكب الزنى أو القتل أو السرقة أو الطمع، إلخ. سوف تتحقَّق التزامات الناموس عندما نحب القريب كأنفسنا.
في الأصحاحات الختاميَّة من رسالة بولس إلى أهل رومية، يوضِّح بولس كيف أن المحبة تُتمِّم الناموس. أولئك الذين امتلأوا من محبة الله:
يخدمون جسد المسيح بدلاً من أنفسهم (رومية 12: 3-5)
يكرهون الشر ويتمسَّكون بالصلاح (رومية 12: 9)
يتنافسون في تقديم الإكرام للآخرين (رومية ١٠:١٢)
يعتنون باحتياجات الآخرين (رومية 12: 13)
يعيشون بسلام مع الآخرين، حتى مع أعدائِهم (رومية ١2: ١4-٢١)
يخضعون للسُلطات الحاكمة (رومية 13: 1-7)
يحترمون قناعات المؤمنين الآخرين (رومية 14: 1-23)
يخدمون احتياجات جيرانهم كما فعل المسيح (رومية 15: 1-3)
تُغيِّر محبة الله توجُّه قلوبنا من الذات إلى الله. يُغيِّر حبَّنا لقريبنا توجُّه قلوبنا من الذات إلى الآخرين. كل من هذين يُعتَبَر جزءً مما يعنيه أن تكون شخصًا مُقدَّسًا.
لَخَّص جون ويسلي معنى الكمال المسيحي:
الحب هو أعلى هبة من الله. الحب المتواضِع، اللطيف، الصبور. كل الرؤى والإعلانات والمواهب هي أشياء صغيرة مقارنةً بالحب. لا شيء أعلى في الدين؛ إذا كنت تبحث عن أي شيء سوى المزيد من الحب، فأنت تنظر بعيدًا عن الهدف، وتبتعد عن الطريق الملَكي.
وعندما تسأل الآخرين: "هل نُلتم هذه البركة أو تلك؟" إذا كنت تقصد أي شيء سوى المزيد من الحب، فأنت تقصد خطأ؛ أنت تقودهم بعيدًا عن الطريق وتضعهم على أثر زائف. ثَبِّت هذا في قلبك، أنه منذ اللحظة التي خلَّصك فيها الله من كل خطيَّة، يجب ألا تهدف إلى أكثر من ذلك، ولكن المزيد من هذا الحب الموصوف في 1 كورنثوس 13. لا يمكنك أن تستهدف ما هو أعلى من هذا.[3]
محبة قريبنا المسيحي
هناك مجالان يُظهران كيف تبدو المحبة الكاملة بالنسبة للمسيحيين الآخرين.
المحبة تحترم قناعات المسيحيين الآخرين
بينما كان بولس يكتب إلى المسيحيين في كورنثوس، تناول مسألة الحرية المسيحيَّة. كيف أَرُد على مؤمن آخر قد يتأذَّى روحيًا من حريتي؟ كتب بولس إلى المسيحيين "الأقوياء" الذين قالوا: "نحن نعلم أن الأصنام لا شيء، وأن تناول الطعام الذي تم تقديمه للأوثان لا يعني شيئًا بالنسبة لنا". أجاب بولس:
كان بولس ليتخلى عن أكل اللحوم بقيَّة حياته بدلًا من التسبُّب في جعل أخ مسيحي أضعف يقع. الحب الكامل يعني أنه يهتم بخلاص أخ مسيحي آخر أكثر من اهتمامه بحقوقه. يقول بولس لاحقًا: "بَلْ نَتَحَمَّلُ كُلَّ شَيْءٍ لِئَلاَّ نَجْعَلَ عَائِقًا لإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ"[5].
قال أهل كورنثوس: "نحن أحرار في أن نفعل ما نريد أن نفعله، ليس علينا مراعاة احتياجات أي مؤمن آخر". أما بولس فقال: "أنا حر في خدمة احتياجات المؤمنين الآخرين، أنا لست مستعبدًا لرغباتي وحقوقي، أنا حر في أن أحب الآخرين". هذه هي المحبة الكاملة التي يريد الله أن يعطيها لكل مسيحي.
◄ اقرأ رومية ١٤.
في الكنيسة في روما، كان هناك مسيحيون "ضعفاء" يأكلون الخضروات فقط. ربما كان هؤلاء من المسيحيين اليهود الذين استمرُّوا في اتِّباع قوانين الطعام اليهوديَّة ولم يرغبوا في المخاطرة بتناول الأطعمة غير الطاهرة. كان هناك أيضًا مسيحيون "أقوياء" لديهم معرفة أكبر وعرفوا أن قوانين الطعام لم تعد ملزِمة للمسيحيين.
أظهر بولس لكل مجموعة معنى أن تحب كما أحب المسيح. يجب ألا يحكُم المسيحي "الضعيف" على من يأكل اللحم. فالمحبة لا تحكُم.
لكن يجب على المسيحي "القوي" ألا يحتقر المسيحي الضعيف وألا يمارس حريَّته بطريقة تقوض إيمان الضعيف. بدلًا من ذلك، على المسيحي القوي أن يتخلَّى عن حقوقه لتجنُّب الإضرار بإيمان المؤمن الأضعف. لماذا؟ من أجل المحبة:
هذا هو معنى أن تحب قريبك المسيحي. علينا أن نحب كما أحب المسيح. فقد بذل حياته من أجل هذا الأخ الأضعف. يقول بولس إنه بالتأكيد يمكننا التخلِّي عن حقنا في أكل اللحوم.
◄ ناقِش موضوعًا يختلف فيه المؤمنون المخلصون والأتقياء. ينبغي أن تكون هذه الأمور مجالات لا تتعلَّق بتعليم كتابي واضح؛ بل هي مجالات تتعلَّق بقناعات مختلفة. طبق مبادئ بولس من رومية 14 على هذه المسألة. كيف يجب على كل مجموعة - المسيحيين "الضعفاء" و "الأقوياء" - تناول هذا المجال.
المحبة تهتم بالمسيحي الذي يقع في الخطيَّة
جان شخص مسيحي تعرَّض للغش في صفقة تجاريَّة من قِبَل أحد رِفاقه في الكنيسة. باع إيفان لجان سيارة مُستعمَلة، مع العلم أن السيارة تعاني من مشاكل ميكانيكيَّة خطيرة. كذب إيفان على جان: "لقد فحص الميكانيكي هذه السيارة، إنها في حالة رائعة، يمكنك أن تثق بي، أنا مسيحي".
بعد يومين من شراء السيارة، عَلِم جان أن ناقل الحركة في السيارة كان سيِّئًا - وأن إيفان كان على عِلم بهذه المشكلة.
◄ ماذا يجب أن يفعل جان؟
هل أجبت بـ "على جان أن يحذِّر الجميع من أن إيفان غير أمين"؟ هل أجبت بـ "يجب على جان ألا يقول شيئًا يضايق رفيقه المسيحي"؟ دعونا نُلقي نظرة على إجابة يسوع.
◄ اقرأ متى ١٨: ١٥- ١٧.
ذكَر يسوع أربع خطوات تُظهِر كيف تتعامل المحبة الكاملة مع الرفيق المسيحي الذي يقع في الخطيَّة. من فضلك انتبه أن هذا المثال يتعلَّق بالسلوك الخاطئ. لا يتناول الرب يسوع هنا الخلافات الشخصيَّة في الرأي. لا يقول يسوع: "اذهب، تدخَّل في مشاكل الآخرين". لكن يتطرَّق يسوع هنا إلى موقف يخطئ فيه أخ مسيحي في حق مسيحي آخر. انظر إلى الخطوات:
(1) يجب أن أذهب إلى هذا الأخ على انفراد. المحبة الكاملة "لا تَفْرَحُ بِالإِثْمِ"[7]. إنها لا تبحث عن فرصة لإذاعة أنباء الخطأ. بل، يحاول الشخص المُحِب معالجة المشكلة بهدوء وبشكل شخصي. الشخص المُحِب يخاطب أخاه الذي "انْسَبَقَ ... فَأُخِذَ فِي زَلَّةٍ مَا ... بِرُوحِ الْوَدَاعَةِ"[8]. الهدف هو استرداد الأخ وليس الانتقام. ولكن إذا لم تكن هناك توبة ...
(2) يجب أن أصحب معي شاهدًا أو اثنين من القادة الروحيين. مرة أُخرى، الهدف هو الاسترداد. يجب أن يكون هؤلاء الشهود قادة روحيين في الكنيسة بحيث يمكنهم تقديم المشورة الجيِّدة وتحقيق الإصلاح.[9]وإذا لم تكن هناك توبة ...
(3) يجب أن تتدخَّل شركة الكنيسة في هذه الخطيَّة. لا يزال الهدف هو الاسترداد، ليس الهدف هو الانتقام أو الإذلال العلني. يجب أن يكون الهدف من التأديب الكنسي هو الدفع إلى التوبة واسترداد الأخ. إذا تمرَّد هذا الشخص ورفض التوبة ...
(4) يجب على الكنيسة تأديب العضو المُذنِب. كان في الكنيسة في كورنثوس عضو مُذنِب بارتكاب خطيَّة جنسيَّة مروِّعة. أمَر بولس الكنيسة بتأديب هذا الرجل: "فَاعْزِلُوا الْخَبِيثَ مِنْ بَيْنِكُمْ"[10]. لا يمكننا أن نتجاهل الخطيَّة في جسد المسيح.
ولكن، يُرجى ملاحظة كلمات يسوع: "فَلْيَكُنْ عِنْدَكَ كَالْوَثَنِيِّ وَالْعَشَّارِ"[11]. كيف يفترِض بالمسيحيين أن يعاملوا الوثنيين وجُباة الضرائب؟ بمحبة. حتى هنا، الهدف هو الاسترداد. في 2 كورنثوس، تحدَّث بولس عن موقف المؤمن الذي أدَّبته الكنيسة وتاب. قال بولس:
في كورنثوس الأولى، تساهلت الكنيسة مع الخطيَّة العلنيَّة ولم ترغب في تأديب الخاطئ. فذكَّرهم بولس بأن محبتنا لله تتطلَّب منا تأديب الذين يخطئون في حق جسد المسيح.
في كورنثوس الثانية، قامت الكنيسة بتأديب شخص أخطأ، ولكن عندما تاب هذا الشخص، لم ترغب الكنيسة في أن تغفر له! فذكَّرهم بولس أن محبة القريب تتطلَّب أن نغفر لمن يتوب.
يجب أن يكون الهدف من التأديب الكنسي هو التوبة والاسترداد دائمًا، فالحب الكامل لا يسعى للانتقام.
محبة القريب غير المؤمن
كيف نُظهِر الحب الكامل لغير المؤمنين، وخاصة أولئك الذين يكرهوننا لأننا مسيحيون؟ قال يسوع:
عندما تحب أولئك الذين يضطهدونك، فأنت "كامل كما أن أبوك السماوي كامل"، الشعب المُقدَّس يحب كما يحب أبونا السماوي، هذا ما يعنيه أن تكون كاملًا.
القدِّيسون "يُظهرون محبَّتهم للآخرين، ليس فقط تجاه رفقائهم المؤمنين، بل وتجاه أيضًا غير المؤمنين، والذين يقاوموننا، والذين ينخرطون في الأعمال الخاطئة. علينا أن نتعامل مع أولئك الذين يقاوموننا بلُطف ورِفق وصبر وتواضع. نهى الله عن إثارة الفتنة والانتقام والتهديد أو استعمال العنف كوسيلة لحل الخلاف الشخصي أو تحقيق العدالة الشخصيَّة. على الرغم من أن الله يأمرنا بأن نكره الأفعال الآثمة، إلا أننا يجب أن نحب ونصلِّي من أجل أي شخص يشارك في مثل هذا السلوك"[14].
عاش المسيحيُّون دائمًا في عالم يقاوم الإنجيل. دعا بولس المسيحيين في روما إلى احترام السُلطات ودفع ضرائبهم - لحكومة كانت تقتل المسيحيين وكانت ستقتل بولس قريبًا.
أوصى بطرس المسيحيين "أَكْرِمُوا الْجَمِيعَ. أَحِبُّوا الإِخْوَةَ. خَافُوا اللهَ. أَكْرِمُوا الْمَلِكَ"[15]. مرة أخرى، كان هذا إمبراطورًا شريرًا سيقوم بإعدام بطرس قريبًا. لكن بطرس كان مصممًا على أن المسيحيين يجب أن يحبوا أعداءهم. بمحبتنا حتى لأعدائنا، نشهد لحق الإنجيل. "لأَنَّ هكَذَا هِيَ مَشِيئَةُ اللهِ: أَنْ تَفْعَلُوا الْخَيْرَ فَتُسَكِّتُوا جَهَالَةَ النَّاسِ الأَغْبِيَاءِ"[16].
جوشوا قس نيجيري في منطقة ما بشمال نيجيريا حيث تعرَّض المسيحيون لهجوم شرس من قِبَل مُسلَّحين إسلاميين. قام الجنود الإسلاميين بإحراق الكنائس وقتل المسيحيين وخطف الفتيات لبيعهن كعبيد. في المرة الأخيرة التي زرت فيها نيجيريا، أراني جوشوا صورًا لجثث أعضاء من كنيسته قُتِلوا على أيدي مهاجمين إسلاميين.
ثم أراني جوشوا صورًا لرد فعل كنيسته على هذه الهجمات، قامت كنيسته ببناء مدرسة في قرية مُسلمة، وحفروا بئرا لتوفير المياه الصالحة للشرب للقرية؛ كما وفَّروا كراسي مُتحرِّكة لضحايا شلل الأطفال من المسلمين؛ ويقومون ببناء عيادة طبيَّة لهذه القرية؛ إنهم يُظهرون المحبة لعدوهم.
قال القس جوشوا: "كثير من المسلمين يأتون إلى المسيح لأنهم يرون محبة الله من خلال المسيحيين؛ نحن لا نكسبهم بالسلاح والانتقام؛ نحن نربحهم بأن نعيش متى 5: 43-48". هذا هو نِتاج الحب الكامل الذي نعيشه في عالمنا اليوم.
◄ ما هي أكبر التحديات التي تواجه محبة القريب غير المؤمن في عالمك؟ اكتب بعض الخطوات العمليَّة لإظهار الحب تجاه غير المؤمنين في مجتمعك.
كتب الأديب الروسي ليو تولستوي قصة قصيرة توضِّح معنى أن تعيش حياة المحبة الكاملة. كان مارتن صانع أحذية فقير يحب الله بعمق.[17]وذات ليلة، نام مارتن بينما كان يقرأ في الكتاب المُقدَّس. حَلِم أن يسوع قال: "غدًا سأزور متجرك".
في اليوم التالي، راقب مارتن الطريق منتظرًا يسوع. جاء أشخاص آخرون إلى متجر مارتن، لكن يسوع لم يزره. وقف جندي عجوز يرتجف من البرد. فدعا مارتن الجندي إلى متجره لتناول الشاي الساخن. مرَّت امرأة فقيرة بجوار المتجر، في محاولة لتدفئة طفلها. فأحضر مارتن لها حساء وبطانيَّة للطفل. لاحقًا، اشترى مارتن طعامًا لمراهق جائع.
أصيب مارتن بخيبة أمل لأن يسوع لم يأت، لكنه قال: "لقد كان مجرَّد حلم، كان من السخف بالنسبة لي أن أعتقد أن يسوع سيأتي إلى متجر أحذية."
في تلك الليلة، بينما كان مارتن يقرأ كتابه المُقدَّس، نام مرة أُخرى. حلم أنه رأى أشخاصًا يقفون في محلِّه. قال الجندي: "يا مارتن، هل تعرفني؟ أنا يسوع!" قالت المرأة التي لديها طفل: "مارتن، أنا يسوع". قال المراهق الجائع "أنا يسوع". استيقظ مارتن وبدأ يقرأ:
في القرن الثاني، أُطلِق على مجموعة من المسيحيين اسم "المقامرون" لأنهم خاطروا بحياتهم لرعاية أولئك الذين يموتون من الأمراض المُعدية. قام المقامرون بزيارة السُجناء ورعاية المرضى وإنقاذ الأطفال الذين تخلَّى عنهم والديهم، أظهر المقامرون محبة كاملة.
في عام 252 م، تفشَّى وباء الطاعون في قرطاج. رفض الأطباء زيارة المرضى؛ وألقت العائلات جثث الموتى في الشوارع. كانت المدينة في حالة من الفوضى. دعا كبريانوس-أسقف قرطاج-الجماعة معًا. ذكَّرهم بأن المسيحيين مدعوون ليكونوا أُناسًا ذوي محبة كاملة. ودفن مسيحيو قرطاج الموتى وقاموا برعاية المرضى وأنقذوا المدينة من الدمار. لقد كانوا أُناسًا يتمتَّعون بمحبة كاملة؛ كانوا "كاملين" لأن أباهم الذي في السماء كامل.
كانت إستر آهن كيم (Esther Ahn Kim) مُعلِّمة موسيقى عاشت في كوريا خلال سنوات الاحتلال الياباني ابتداء من عام 1937.[1]طلب اليابانيون من كل مواطن أن يسجد عند ضريح آلهة الشمس في جبل نامسان. في عام 1939، أُمِرَت إستير بالسجود للضريح. كانت عقوبة رفض السجود هي السجن والتعذيب.
قال بعض المسيحيين: "سننحني خارجيًّا، لكننا سنعبد المسيح في قلوبنا". قرَّرت إستير أنها لا تستطيع أن تسجد لإله زائف؛ لقد أحبَّت الله بقلب غير مُنقسِم. في ذلك اليوم، رفضت السجود.
في أواخر عام 1939، بعد عدَّة أشهر من الاختباء، تم القبض على إستر آن كيم. لقد أمضت تلك الأشهر في الاستعداد للسجن؛ صامت وصلَّت، وحفظت آيات من الكتاب المُقدَّس، وأعدت عقلها وجسدها لتحمُّل الألم.
أمضت كيم ست سنوات في السجن. تعرَّضت للتعذيب مرات كثيرة لكنها بقيت وفيَّة لأنها أحبَّت الله. لكن كيم علِمت أنها دُعيت أيضًا لتحب قريبها. في السجن، بدأت إستر بالصلاة كل صباح: "يا الله، من تريد أن تحب من خلالي اليوم؟" ذات مرة أعطت حصَّتها الغذائيَّة لعدَّة أيام لامرأة حُكِم عليها بالإعدام لقتل زوجها. ومن خلال حب إستر كيم، جاءت هذه السيدة للمسيح قبل موتها.
اختبرت إستر آن كيم ما سعى إليه توماس تشيشولم في ترنيمته: "أوه! كم أَوَد أن أكون مثلك ... مُحتمِلًا بوداعة العار القاسي، وعلى استعداد للتألُّم، وإنقاذ الآخرين".
[1]Adapted from Esther Ahn Kim, If I Perish (Chicago: Moody Press, 1977).
أوه! كم أَوَد أن أكون مثلك - توماس تشيشولم
أوه! كم أَوَد أن أكون مثلك أيها الفادي المبارك،
هذا هو شوقي وصلاتي الدائمين.
سأخسر بكل سرور كل كنوز الأرض،
يا يسوع، حتى ألبس شبهك بالكامل.
أوه! كم أَوَد أن أكون مثلك، مليئًا بالرحمة،
مُحِبًا، مُتسامِحًا، رقيقًا، وطيبًا،
مُساعِدًا للعاجزين، مُشجِّعًا للواهنين،
باحثًا عن الخاطئ التائه حتى أجده.
أوه! كم أَوَد أن أكون مثلك، مُتواضع الروح،
مُقدَّسًا وغير مؤذ، صبورًا وشجاعًا؛
مُحتمِلًا بوداعة العار القاسي،
على استعداد للمعاناة، لإنقاذ الآخرين.
أوه! كم أَوَد أن أكون مثلك، أوه! كم أَوَد أن أكون مثلك،
أيها الفادي المبارك، طاهرًا مثلك.
تعال في حلاوتك، تعال في مِلئك.
اختم صورتك في أعماق قلبي.
مراجعة الدرس 8
(1) آمن الناس في زمن يسوع بما علَّمه العهد القديم عن القداسة. ومع ذلك، فقد فشلوا في العيش وِفقًا للنمط الإلهي الذي رسمه الله للشعب المُقدَّس.
(2) يظهر النموذج الكامل للقداسة في حياة يسوع الناصري؛ لقد اتَّبع كل مبادئ القداسة المُستمَدَّة من العهد القديم.
(3) أن نحب قريبنا محبة كاملة يعني أن نحب كما أحب يسوع - بتواضع وتضحِية.
(4) أن تكون كاملًا يعني أن تكون مُكتملِاً. أن تكون كاملاً لا يعني أنه لا يوجد المزيد من النمو.
(5) الوصيَّة هي "وعد مقَنَّع". ما يوصي به الله يجعله مُمكِنًا، القداسة لا تتحقَّق بالقوة البشريَّة، بل بنعمة الله.
(6) المحبة تُتمِّم الناموس، عندما نحب إذ يدعونا الله إلى المحبة، فإننا سنُلَبِّي مُتطلَّبات الناموس.
تكليفات خاصة بالدرس
(1) قم بإعداد عِظة حول "أحبب عدوَّك في القرن الحادي والعشرين". استخدم متى 5: 43-48 ليكون نص العِظة. أِظهر ما يعنيه أن تحب عدوَّك في عالمنا. تأكَّد من تضمين رسالة الإنجيل (الأخبار السارة) الخاصة بما فعله الله من خلال المسيح ليجعل محبة عدوَّك أمرًا ممكنًا.
(2) اِبدأ الفصل الدراسي التالي باقتباس متى 5: 43-48.
SGC exists to equip rising Christian leaders around the world by providing free, high-quality theological resources. We gladly grant permission for you to print and distribute our courses under these simple guidelines:
No Changes – Course content must not be altered in any way.
No Profit Sales – Printed copies may not be sold for profit.
Free Use for Ministry – Churches, schools, and other training ministries may freely print and distribute copies—even if they charge tuition.
No Unauthorized Translations – Please contact us before translating any course into another language.
All materials remain the copyrighted property of Shepherds Global Classroom. We simply ask that you honor the integrity of the content and mission.