كان شعب إسرائيل على استعداد لدخول كنعان. لقد أتى بهم الله عبر الصحراء، وكانوا على بُعد مجرَّد رحلة قصيرة من أرض الموعد. أرسل موسى اثني عشر جاسوسًا لدراسة الأرض. بعد أربعين يومًا، عاد الجواسيس حاملين عنبًا جميلًا وتقارير عن عجائب كنعان. لكنهم قالوا إن الكنعانيين أقوياء ويسكنون في مدن عظيمة. لقد ظهرنا مثل الجنادب مقارنة بهم!
اثنان فقط من الجواسيس-يشوع وكالب- هما اللذين صدقا وعد الله بالنصر. قال كالب: "إِنَّنَا نَصْعَدُ وَنَمْتَلِكُهَا لأَنَّنَا قَادِرُونَ عَلَيْهَا".[1]رأى يشوع وكالب نفس الأرض مثل الجواسيس الآخرين، لقد رأيا مدنًا ذات أسوار ضخمة، وكذلك رأيا محاربين عظماء.
لكن يشوع وكالب رأيا شيئًا لم يره الجواسيس الآخرون - لقد رأيا أن الله الذي أخرج إسرائيل من مصر سيأتي بإسرائيل إلى كنعان، لقد رأيا أن الله الذي دمَّر جيش فرعون سيدمر أسوار أريحا، ورأيا أن إله إبراهيم هو إله موسى. قال الله أن كالب "كَانَتْ مَعَهُ رُوحٌ أُخْرَى، وَقَدِ اتَّبَعَنِي تَمَامًا"[2].
لأنهم لم يُصدِّقوه، حكم الله على الجيل البالغ بالموت في البرِّية. بعد أربعين عامًا، دخلت إسرائيل كنعان، وحان الوقت لتقسيم الأرض. كان كالب يبلغ من العمر أكثر من ثمانين عامًا. لكنه قال ليشوع: "فَلَمْ أَزَلِ الْيَوْمَ مُتَشَدِّدًا كَمَا فِي يَوْمَ أَرْسَلَنِي مُوسَى. .... فَالآنَ أَعْطِنِي هذَا الْجَبَلَ." نعم، كانت هناك مدنًا قويَّة ومحاربين أشدَّاء. ولكن كالب كان واثقًا في وعود الله. سوف "أَطْرُدَهُمْ كَمَا تَكَلَّمَ الرَّبُّ."[3]
ما الذي منح كالب هذه الثقة؟ إنه القلب المُوَحَّد غير المُنقسِم. قال كالب: "وَأَمَّا أَنَا فَاتَّبَعْتُ تَمَامًا الرَّبَّ إِلهِي"[4]. لقد وثق كالب بالله بكل قلبه. كان كالب رجلاً ذا قلب غير مُنقسِم.
تخبرنا الأسفار التاريخيَّة عن فشل إسرائيل المأساوي في أن يكونوا ما دعا الله شعبه ليكونه. تُظهِر الأسفار التاريخيَّة كيف ابتعدت إسرائيل عن خطة الله. دُعيَت إسرائيل لتُمثِّل الله أمام الأُمم الأخرى. وبدلا من ذلك، لجأت إلى الآلهة الزائفة. بسبب فشلها، هُزمَت إسرائيل وسُبيَت، وتحول مجدها إلى عار.
إلى جانب الصور المأساويَّة للخيانة، تُظهِر الأسفار التاريخيَّة أُناسًا قدِّيسين خدموا الله بأمانة. بينما كان الكثيرين في إسرائيل غير مُخلِصين لله (القضاة)، كانت أرملة شابة موآبيَّة أمينة (راعوث). حتى في السبي (2 ملوك)، أطاعت فتاة يهوديَّة صغيرة دعوة الله وأنقذت شعبها (أستير). أطاع هؤلاء الناس الله من كل قلوبهم. لقد كانوا مُقدَّسين.
تُعلِّم الأسفار التاريخيَّة أنه أن تكون مُقدَّسًا يعني أن تخدم الله بولاء تام. القداسة لا تعني الأداء المثالي. القداسة تعني خدمة الله بقلب غير مُنقسِم.
استخدمت الترجمات القديمة للعهد القديم كلمة "كامل" لترجمة الكلمة العبريَّة شاليم. تحتوي كلمة شاليم على فكرة "يكون كاملًا". أن تكون مثاليًّا يعني أن تكون كاملًا. أن تكون مُقدَّسًا يعني أن تنتمي بالكامل لله.
ترتبط كلمة شاليم بالكلمة العبريَّة التي تعني سلام، وهي كلمة شالوم. أن تكون كاملاً أمام الله يعني أن تكون في سلام معه ("مُخلِص تمامًا للرب").[1]أن يكون لديك "قلب كامل" يعني أن يكون لديك قلب "تام" أو "غير مُنقسِم،" له ولاء واحد فقط. دعونا نلقي نظرة على بعض الأمثلة لكلمة "الكمال" أو "غير مُنقسِم" في الأسفار التاريخيَّة.
جيش له هدف موَحَّد
بعد موت شاول، توَّجت الأسباط الشماليَّة إيشبوشث ملكًا بينما تبع يهوذا داود. مضت سنتان من الحرب الأهليَّة قاد فيها داود يهوذا ضد الأسباط الشماليَّة. بعد عامين، قُتل إيشبوشث على يد قادة جيشه، واتَّحد الجيش لتتويج داود ملكًا على كل إسرائيل، أصبحت الأمة الآن موحَّدة تحت ملك واحد.
جاء الجيش "بِقَلْبٍ تَامٍّ (شاليم) إِلَى حَبْرُونَ لِيُمَلِّكُوا دَاوُدَ". تستخدم الترجمات القديمة عبارة "بقلب كامل."[3]"الكمال" لا يعني أن أحدًا في الجيش لم يخطئ. لكنه يعني أن الأُمَّة كانت "مُخلِصة تمامًا" لداود. كانوا مُتَّحدين تحت ملك واحد. في هذه الآية، شاليم ليست مصطلحًا دينيًا. بل هي مصطلح سياسي. شاليم تعني أن يكون لديك ولاء كامل للملك.
مذبح بحجارة غير مقطوعة
عندما وصلت إسرائيل إلى أرض الموعد، بنى يشوع مذبحًا على جبل عيبال. بنى يشوع المذبح "حِجَارَة صَحِيحَةٍ لَمْ يَرْفَعْ أَحَدٌ عَلَيْهَا حَدِيدًا." (يشوع 8: 31). "صَحِيحَةٍ" هي نفس كلمة "كامل" أو "تام". أن تكون شاليم يجب أن تكون غير مُنقسِم
قلب غير مُنقسِم
عند تدشين الهيكل، دعا سليمان شعب إسرائيل لخدمة الله بقلوب غير مُنقسِمة.
هذه هي نفس الكلمة المُستخدَمة لوصف الجيش الموَحَّد تحت قيادة داود، إنها نفس الكلمة المُستخدَمة لوصف الأحجار الصحيحة. دعا سليمان إسرائيل إلى الإخلاص الكامل لله. إذا كان لشعب إسرائيل هذا القلب غير المُنقسِم، فإنهم سوف "يسِيرُونَ فِي فَرَائِضِهِ وَتَحْفَظُونَ وَصَايَاهُ". الشخص الذي يملك قلب غير مُنقسِم يطيع الله عن طيب خاطر.
[1]يُظهِر تاريخ ملوك إسرائيل أن الله يدعو شعبه لخدمته بقلوب غير مُنقسِمة. يبحث الله عن شعب مُقدَّس، يبحث الله عن قلوب غير منقسمة.
الملك سليمان: قلب مُنقسِم
عند تدشين الهيكل، دعا سليمان إسرائيل لعبادة الله بقلوب غير مُنقسِمة. للأسف، لم يتبع سليمان نصيحته الشخصيَّة. "وَكَانَ فِي زَمَانِ شَيْخُوخَةِ سُلَيْمَانَ أَنَّ نِسَاءَهُ أَمَلْنَ قَلْبَهُ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى، وَلَمْ يَكُنْ قَلْبُهُ كَامِلاً (شاليم) مَعَ الرَّبِّ إِلهِهِ كَقَلْبِ دَاوُدَ أَبِيهِ."[2]
كان قلب سليمان مُنقسِمًا. أراد أن يعبُد إله إسرائيل بينما يعبُد آلهة أخرى. لا يمكنك أن تكون مُخلصًا ليهوه والآلهة الأخرى. لا يقول كاتب سفر الملوك الأول أن سليمان تخلَّى عن عبادة يهوه، استمر سليمان في تقديم الذبائح في الهيكل، لكن قلبه كان مُنقسِمًا، حاول أن يخدم الله بقلب منقسم.
الملك داود: قلب غير مُنقسِم
في 1 ملوك 11: 4، نقرأ وجهة نظر الله عن قلبي داود وسليمان. كان قلب داود غير مُنقسِم، أما قلب سليمان فكان مُنقسِمًا. من منظور إنساني، قد نعتبر أن زنا داود وقتله أسوأ بكثير من ارتداد سليمان. لماذا يقول كاتب الملوك أن قلب داود كان "مخلصًا تمامًا" للرب؟
يكمن الفرق في رد فعل داود من جهة الخطيَّة. عندما واجه النبيُ ناثان داودَ، تاب داود على الفور، لم يدافع داود عن نفسه، وإنما، اعترف لله، "إِلَيْكَ وَحْدَكَ أَخْطَأْتُ، وَالشَّرَّ قُدَّامَ عَيْنَيْكَ صَنَعْتُ"[3]. عبد داود الله بقلب غير مُنقسِم، كان قلبه شاليم، كان قلبه غير مُنقسِم.
يوضح المزمور 86 جوع داود لقلب غير مُنقسِم. في المزمور 86، يصلِّي داود للخلاص من الأعداء الذين يحاولون قتله. في منتصف هذه الصلاة، صرخ داود: "وَحِّد قَلْبِي لِخَوْفِ اسْمِكَ."[4]يصلِّي داود طالبًا قلبًا غير مُنقسِم. سعى داود لخدمة الله بقلب كامل.
الملك آسا: قلب مُنقسِم
اعتلى آسا عرش يهوذا عام 910 قبل الميلاد. كان ملتزمًا بيهوه؛ فهدم مذابح الآلهة المزيَّفة. هدم المرتفعات التي كانت تُستخدَم لعبادة الأوثان. عندما هاجم الجنرال الأثيوبي زارح يهوذا بجيش ضخم، صرخ آسا إلى الله من أجل النجاة:
استجاب الله صلاة آسا. "فَضَرَبَ الرَّبُّ الْكُوشِيِّينَ أَمَامَ آسَا وَأَمَامَ يَهُوذَا."[6]وضع آسا ثقته الكاملة في الله، وأعطاه الله نصراً عظيماً.
مرَّ عشرون عامًا، وواجه آسا امتحانًا جديدًا. هذه المرة، هدَّد بعشا، ملك الأسباط الشماليَّة يهوذا. وبسبب خوفه قرَّر آسا إقامة تحالف عسكري مع أُمَّة أُخرى، فوقَّع معاهدة مع بن هدد حاكم سوريا. وبدلاً من الوثوق بالله وحده، وضع آسا ثقته في حاكم وثني.
ورَدًّا على ذلك، ذكَّر النبي حناني آسا بانتصاره السابق على جيش الإثيوبيين الضخم. وذكَّر آسا أنه عندما "فَمِن أَجْلِ أَنَّكَ اسْتَنَدْتَ عَلَى الرَّبِّ دَفَعَهُمْ لِيَدِكَ". لماذا فعل الله هذا؟ لأن "لأَنَّ عَيْنَيِ الرَّبِّ تَجُولاَنِ فِي كُلِّ الأَرْضِ لِيَتَشَدَّدَ مَعَ الَّذِينَ قُلُوبُهُمْ كَامِلَةٌ (شاليم) نَحْوَهُ"[7].
عندما كان آسا قبلًا يثق بالله تمامًا، أعطاه الله نصراً عظيماً. لكن الآن كان آسا يعتمد على حاكم سوري. ولأن آسا لم يعد يثق بالله وحده، فلن ينقذه الله من الخطر بعد الآن. حذَّر حناني من أن آسا سيخوض حروبا طوال الفترة المُتبقية من حكمه.
كانت السنوات الأخيرة من حكم آسا مجرَّد ظل للوعد المشرق الذي تمتَّع به في سنواته الأولى. في وقت متأخر من حياته، مرض آسا، لكنه "فِي مَرَضِهِ أَيْضًا لَمْ يَطْلُبِ الرَّبَّ"[8].
كان عهد آسا أفضل من العديد من الملوك الآخرين. لم يتخلَّ آسا أبدًا عن عبادة يهوه، لكن قلبه لم يكن موحَّدًا تجاه الله. لقد فشل في الثقة بالله تمامًا. لهذا السبب، لم يصل آسا إلى أفضل ما لدى الله.
تُعَد حياة آسا دليلًا قويًا على خطورة اِنقسام القلب. في القصة الأولى، وثق آسا بالله تمامًا. في القصة الثانية، استمر في الخدمة كقائد لشعب الله، لكن قلبه لم يكن كاملاً. فبدلاً من الثقة الكاملة بالله، وقَّع معاهدة مع عدو الله، كان لدى آسا قلب مُنقسِم.
الملك أمصيا: قلب مُنقسِم
يُظهِر أمصيا خطورة انقسام القلب. بدأ ملك أمصيا بداية واعدة عظيمة: "وَعَمِلَ مَا هُوَ مُسْتَقِيمٌ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ."[9]مثل آسا، بدأ أمصيا بشكل جيد.
ومع ذلك، يحذِّر كل من الملوك وأخبار الأيام من الخطر. يقول كاتب الملوك إن أمصيا فعل الصواب: "وَلكِنْ لَيْسَ كَدَاوُدَ أَبِيهِ." يقول كاتب أخبار الأيام أن أمصيا فعل الصواب "ولكن ليس بقلب كامل". حيث لم يُزِل "المرتفعات". لهذا السبب، استمرَّ الناس في تقديم الذبائح لآلهة باطلة. فالقائد ذي القلب المُنقسِم سيقود الأُمَّة إلى المشاكل.
ومثل آسا، وجد أمصيا أن خدمة الله بقلب مُنقسِم تجلِب المتاعب. على الرغم من أن حُكم أمصيا بدأ بشكل جيِّد، إلا أنه عبد فيما بعد آلهة أَدوم. في دينونته، سمح الله للمملكة الشماليَّة بهزيمة أمصيا. لم تكتَمِل صورة بدايات مُلك أمصيا أبدًا لأن قلبه كان مُنقسِمًا، لم يكن قلب أمصيا كاملًا.
[1]صلاة لطلب القداسة "ليتني أموت عن ذاتي حتى أعيش فيك؛ ليتني أُخلى من ذاتي حتى أثبت فيك؛ ليتني أكون لا شيء بالنسبة لنفسي لكي ما أكون الكل بالنسبة لك." -إيراسموس
اتَّبع هؤلاء القادة الدينيين بعناية القوانين الطقسيَّة، لكنهم لم يتبعوا القانون الداخلي الأكثر أهميَّة. أدان يسوع تديُّنهم الباطل. "الَّذِينَ يُصَفُّونَ عَنِ الْبَعُوضَةِ (أنتم حريصون بشأن الأشياء الصغيرة)، وَيَبْلَعُونَ الْجَمَلَ (وتتجاهلون المشاكل الكبيرة)". القداسة تبدأ من القلب.
إذا فكَّرنا في المظهر الخارجي فقط، يمكننا أن نقول:
"أنا مُقدَّس لأنني لا أرتدي _______________."
"أنا مُقدَّس لأنني لا أذهب _______________."
"أنا مُقدَّس لأنني لا أشاهد _______________."
عندما ندَّعي أننا مُقدَّسون بسبب ما نفعله أو ما لا نفعله، فقد نصبح مثل الفرِّيسيين. قال يسوع عن الفرِّيسي الذي صلى قائلًا، "اَللّهُمَّ أَنَا أَشْكُرُكَ أَنِّي لَسْتُ مِثْلَ بَاقِي النَّاسِ الْخَاطِفِينَ الظَّالِمِينَ الزُّنَاةِ، وَلاَ مِثْلَ هذَا الْعَشَّارِ. أَصُومُ مَرَّتَيْنِ فِي الأُسْبُوعِ، وَأُعَشِّرُ كُلَّ مَا أَقْتَنِيهِ"[2]. عرَّف هذا الفرِّيسي القداسة بأفعاله: "أنا لا أخدع، لا أظلم، أصوم؛ أنا أعطي العشور". لقد ادَّعى أنه مُقدَّس، لكن قلبه لم يكن مُقدَّسًا.
كان الفرِّيسيون يفتخرون بانفصالهم عن العالم، لكن قلوبهم لم تكن مُقدَّسة. قال يسوع، "لأَنَّكُمْ تُشْبِهُونَ قُبُورًا مُبَيَّضَةً تَظْهَرُ مِنْ خَارِجٍ جَمِيلَةً، وَهِيَ مِنْ دَاخِل مَمْلُوءَةٌ عِظَامَ أَمْوَاتٍ وَكُلَّ نَجَاسَةٍ"[3]. ظاهريًا كان الفرِّيسيون منفصلين، أما في الداخل، كانوا خطاة.
◄ أيهما يبدو أسهل في القياس - المَظهَر الخارجي أم القداسة الداخليَّة؟ أيُهما أسهل في تزييفه - المظهر الخارجي أم القداسة الداخليَّة؟ أيُهما نميل للتأكيد عليه أكثر - المَظهَر الخارجي أم القداسة الداخليَّة؟
مثال من حزقيا
كانت قوانين الانفصال مهمة لتعليم الشعب أن الله يطلب شعبًا مُقدَّسًا. لكن الله كان يهتم بقلوب شعبه أكثر من اهتمامه بالطقوس.
توضِّح قصة من نهضة حزقيا هذا المبدأ. بعد تطهير الهيكل، أعاد حزقيا عيد الفصح، ودعا الأُمَّة "للمجيء إلى بيت الرب في أورشليم لعمل عيد الفصح للرب إله إسرائيل". سافر رسل حزقيا عبر إسرائيل ودعوا الأُمَّة إلى هذا الاحتفال. في كثير من الأماكن: "فَكَانُوا يَضْحَكُونَ عَلَيْهِمْ وَيَهْزَأُونَ بِهِمْ. إِلاَّ إِنَّ قَوْمًا مِنْ أَشِيرَ وَمَنَسَّى وَزَبُولُونَ تَوَاضَعُوا وَأَتَوْا إِلَى أُورُشَلِيمَ."[4]
عندما بدأوا في ذبح حِملان الفصح: "كَانَ كَثِيرُونَ فِي الْجَمَاعَةِ لَمْ يَتَقَدَّسُوا" لأنه كان قد مر على الأُمَّة وقت طويل دون أن يقوموا بالعبادة في الهيكل، فكان الناس غير طاهرين وغير مستعدِّين للاحتفال بعيد الفصح. ماذا كان على الكهنة أن يفعلوا؟ سمح الله للشعب أن يحتفل بعيد الفصح لأن قلوبهم كانت تطلب الله، على الرغم من أنهم لم يكونوا طاهرين بعد.
كان الله يبحث عن قلوب غير مُنقسِمة. حتى عندما لم يتمكَّن الناس من اتباع طقوس الانفصال، بحث الله عن القلوب المُنفصِلة لتطلب الله.
يخصِّص الشعب المُقدَّس قلوبهم لله
دائما ما تبدأ القداسة بالله؛ كل شيء مُقدَّس هو خاص بالله، قدَّس الله السبت، والأرض عند العلِّيقة المُشتعِلة، وبِكر إسرائيل، والخيمة، والمذبح، واللاويين، طالب الله بهذه الأشياء لنفسه. لقد تقدَّست هذه كلها بحضور الله.
تبدأ القداسة بالله، ولكن الله يدعونا إلى تكريس أنفسنا له. إذا قرأنا فقط الآيات التي يقول فيها الله "سأقدِّسكم" فقد نقرِّر أن التقديس هو عمل من أعمال الله فقط. ولكن، يُظهِر الكتاب المُقدَّس أن القداسة تتطلَّب استجابة من الإنسان.
يعطي خروج 19 مثالاً عن هذا. أمر الله موسى: "اذْهَبْ إِلَى الشَّعْبِ وَقَدِّسْهُمُ." "فَانْحَدَرَ مُوسَى ... وَقَدَّسَ الشَّعْبَ". خصَّص موسى الشعب لمقاصد الله. قال الله لاحقًا: "وَلْيَتَقَدَّسْ أَيْضًا الْكَهَنَةُ الَّذِينَ يَقْتَرِبُونَ إِلَى الرَّبِّ"[6]. أُمر الكهنة أن يخصِّصوا أنفسهم لأهداف الله، كان عليهم أن يكونوا مُقدَّسين، كان عليهم أن ينفصلوا إلى الله.
يتضمَّن القلب غير المجزَّأ جانبين:
يعد الله أن يقوم بتجنيب شعبه: "أَنِّي أَنَا الرَّبُّ الَّذِي يُقَدِّسُكُمْ"[7]. الله هو الذي يجعل شعبه مُقدَّسًا.
يأمر الله شعبه أن يُميِّزوا أنفسهم: "فَتَتَقَدَّسُونَ وَتَكُونُونَ قِدِّيسِينَ، لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ."[8]
[9]نحن نكَرِّس أنفسنا استجابة لنعمة الله. يكرِّس الشعب المُقدَّس نفسه عن طيب خاطر لله. إنهم يعطون أنفسهم دون تحفُّظ لله.
في اللاويين 20، يلي الوصية "فَتَتَقَدَّسُونَ" الوعد، "أَنِّي أَنَا الرَّبُّ الَّذِي يُقَدِّسُكُمْ." إنها نفس الكلمة العبريَة في كلتا الآيتين. يمكن ترجمتها على النحو التالي: "خصِّصوا وافرزوا أنفسكم…. أنا الرب الذي يفرزكم"[10].
يشمل التقديس كلًا من عمل الله واستجابتنا نحن، نحن لا نُصبِح قدِّيسين بجهودنا الخاصة، لكننا لا نقول أيضًا: "إذا أراد الله أن أكون قدِّيسًا، فسوف يجعلني مُقدَّسًا بدون استجابة مني." نحن نستجيب لنعمة الله بتكريس أنفسنا له، يتطلَّب القلب غير المُنقسِم التكريس الكامل.
القداسة تنبُع من الله وحده. ولكن، يدعونا الله أن نسلِّم أنفسنا له. نحن نتقدَّس عندما نستسلم لدعوة الله. كتب بولس: "فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِرَأْفَةِ اللهِ أَنْ تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ، عِبَادَتَكُمُ الْعَقْلِيَّةَ"[11]. دعانا بولس إلى تسليم أنفسنا بالكامل لمقاصد الله. لأن الله يعِدنا بأنه سوف يجعلنا مُقدَّسين، يجب أن نسلِّم أنفسنا له. فالقداسة هي في الوقت نفسه وصية ("فَتَتَقَدَّسُونَ") ووعد ("أَنَا الرَّبُّ الَّذِي يُقَدِّسُكُمْ").
يقول الشعب المُقدَّس "نعم" بالكامل لله
تُظهِر حياة سليمان وآسا وأمصيا مخاطر القلب المُنقسِم. القلب المُنقسِم ليس هو قصد الله لشعبه. القلب المُقدَّس هو قلب غير مُنقسِم. إذن، ماذا يعني أن يكون لديك قلب غير مُنقسِم؟ ماذا يعني أن يكون لديك قلب شاليم أو "كامل"؟
المسيحيون مدعوون لأن يكونوا خدام الله. وظيفة الخادم هي أن يفعل ما يطلبه منه سيِّده. لا يسأل العبد الصالح: "أهذا ما أختاره؟" العبد الصالح يفعل عن طيب خاطر ما يأمر به سيده. وظيفة الخادم هي أن يقول "نعم" كاملة وبدون تَحَفُّظ.
وبنفس الطريقة، فإن الشخص الذي يخدم الله بقلب غير مُنقسِم يرد عن طيب خاطر بـ "نعم" لدعوة الله. هذا قلب غير مُنقسِم. دعا موسى إسرائيل لعبادة الله بقلوب غير مُنقسِمة:
[13]بينما كانت طالبة جامعيَّة، كتبت إليزابيث إليوت (Elisabeth Elliot)، في مُذكِّراتها، "يا رب، لقد قلت "نعم" الأبديَّة. لا تدعني أنظر إلى الوراء أبدًا بعد أن وضعت يدي على المحراث. اجعل طريق الصليب مُستقيمًا أمامي. أمنحني محبة، حتى لا يكون هناك مجال لفكر أو خطوة ضالة"[14]. كان لدى إليوت قلبًا غير منقسم؛ لقد كانت كاملة في نظر الله.
في السنوات التي أعقبت هذه الصلاة، واجهت إليزابيث إليوت العديد من التحديات. قُتِل زوجها، جيم إليوت (Jim Elliot)، عام 1956 أثناء محاولته تبشير قبيلة هواوراني في الإكوادور. أصبحت إليزابيث فيما بعد مُبشِّرة لمن قتلوا زوجها. فقط الشخص الذي قال "نعم الأبدية" هو الذي يمكنه أن يذهب كمُبشِّر لقتلة شريك حياته.
يخدم الشخص المُقدَّس الله بقلب غير مُنقسِم، يقول الشخص المُقدَّس "نعم أبدية" لله. وهذا يعني الاستسلام الكامل لله. عندما يعرف الشخص المُقدَّس مشيئة الله، فإنه يطيع عن طيب خاطر، فقلبه غير مُنقسِم، إنه مِلك لله بالكامل. يقول الشخص المُقدَّس "نعم" لله في لحظة استسلام كامل.
يستمر الشخص المُقدَّس في قول "نعم" يوميًا. بعد أن قالت إليزابيث إليوت "نعم الأبدية" استمرَّت في مواجهة مواقف تتطلَّب قرارات. كانت هناك مرَّات عديدة قالت فيها مرة أخرى: "نعم، يا رب." يعتقد بعض المسيحيين أن عبارة "نعم مرة واحدة" ستزيل جميع اختبارات التزامك المستقبليَّة. الاستسلام مرة واحدة أمر مهم، لكن الشيطان سيستمر في اختبار التزامك. مرارًا وتكرارًا، ستستمر في أن تقول: "نعم، يا رب. حياتي مِلك لك." هذه هي "نعم" حياة القداسة مُستمرَّة.
[9]يمكن أن يستخدمنا الله فقط بعد أن نسمح له بأن يُظهِر لنا المناطق العميقة والخفيَّة في شخصيَّاتنا. نحن حتى لا ندرك الغيرة، الكسل، أو الكبرياء الموجودين فينا عندما نراها. لكن يسوع سيكشف لنا كل ما تمسَّكنا به في دواخِلنا قبل أن تبدأ نعمته في العمل." -أوزوالد تشامبرز
[14]Elisabeth Elliot, Passion and Purity (Old Tappan: Fleming H. Revell Co., 1984), 25
لقد وجد السر - جورج مولر
كان جورج مولر[1](George Muller)[2]مسيحيًّا عظيمًا في القرن التاسع عشر. قام ببناء خمسة دور أيتام كبيرة ورعاية أكثر من 10000 يتيم. جمع مولر ملايين الدولارات لدعم دور الأيتام ولدعم المُبشِّرين الآخرين. بحلول وقت وفاته، كان مولر قد وَفَّر التعليم لـ 122000 طفل، ووزَّع ما يقرب من 2000000 كتابًا مُقدَّسا، وأكثر من 100 مليون كتاب وكتيب. وقد فعل كل هذا دون أن يطلب المال من أي شخص. لقد عقد العزم على طلب المساعدة من الله فقط.
عندما دعا الله مولر لبناء دور للأيتام، كان لدى مولر خمسون سنتًا في جيبه! استجاب مولر لدعوة الله بالاعتماد الكامل على تدبير الله. لم يكن لدى مولر سوى خمسين سنتًا - لكنه أعطاها لله ووثق في أن الله سيقوم بالباقي كله. وشهد مولر لاحقًا أن الأيتام لم تَفتهُم أي وجبة؛ لقد دبَّر الله كل احتياج.
عاش مولر حياة شرِّيرة عندما كان شابًا، حتى أنه قضى بعض الوقت في السجن في سن السادسة عشرة. ومع ذلك، في سن العشرين، سلَّم جورج مولر حياته للمسيح. على مدى السنوات العديدة التالية، اختبر مولر فترات انتصار روحي، ولكنه أيضًا أدرك وجود نواح من الصراع. أخيرًا، في سن الرابعة والعشرين، وصل مولر إلى مرحلة استسلام كامل وتام للقلب. "سلَّمتُ نفسي بالكامل للرب."
في السبعين من عمره، بدأ مولر السفر إلى الخارج للتبشير. بين سن السبعين والسبعة والثمانين، سافر إلى اثنين وأربعين دولة ووعظ لأكثر من ثلاثة ملايين شخص.
في أواخر حياته، سُئِل جورج مولر عن سر حياة خدمته. أجاب: "كان هناك يوم مت فيه عن ذاتي (آرائي ورغباتي)، وعن استحسان العالم أو رفضه، وحتى عن استحسان أو لوم أصدقائي. منذُ ذلك الحين، اهتممت فقط برضا الله." كان لدى جورج مولر قلب غير مُنقسِم، كان كاملًا في عينيَّ الله.
[1]Adapted from Roger Steer, Spiritual Secrets of George Muller (PA: OMF Books, 1985) and J. Gilchrist Lawson, Deeper Experiences of Famous Christians (Anderson: Warner Press, 1911).
(1) أن تكون مُقدَّسًا يعني أن يكون لديك قلب غير مُنقسِم.
(2) الكلمة العبريَّة شاليم تعني "غير مُنقسِم". ترتبط هذه الكلمة بكلمة شالوم، والتي تعني "السلام". أن يكون لديك قلب "كامل" أو "غير مُنقسِم" يعني أن يكون لديك قلب يتمتَّع بولاء واحد فقط.
(3) يُظهِر سليمان وآسا وأمصيا خطورة انقسام القلب. فشل كل واحد منهم في إرضاء الله تمامًا لأن قلوبهم كانت مُنقسِمة.
(4) تبدأ القداسة من القلب. أدان يسوع أولئك الذين يهتمُّون بالطقوس الخارجيَّة بدون قلب نقي.
(5) يجب أن نُكرِّس أنفسنا بالكامل لله. الله هو الذي يُقدِّس شعبه. يدعو الله شعبه إلى تكريس أنفسهم استجابةً لنعمته.
(6) يقول القديسون "نعم" كاملة لله. مثل الخادم المُخلص، يقولون نعم لسيدهم.
(7) بعد أن قلنا "نعم الأبديَّة" يجب أن نستمر في قول "نعم" يوميًا.
تكليفات خاصة بالدرس
(1) قم بإعداد عظة عن "العيش بقلب غير مُنقسِم." يمكنك إنشاء المخطَّط التفصيلي الخاص بك، أو يمكنك اِستخدام المخطَّط التفصيلي التالي:
أ. مثال كتابي لقلب مُنقسِم
ب- أخطار العيش بقلب مُنقسِم
ج- علاج القلب المُنقسِم
(2) اِبدأ الفصل الدراسي التالي باقتباس مزمور 86: 11-12.
SGC exists to equip rising Christian leaders around the world by providing free, high-quality theological resources. We gladly grant permission for you to print and distribute our courses under these simple guidelines:
No Changes – Course content must not be altered in any way.
No Profit Sales – Printed copies may not be sold for profit.
Free Use for Ministry – Churches, schools, and other training ministries may freely print and distribute copies—even if they charge tuition.
No Unauthorized Translations – Please contact us before translating any course into another language.
All materials remain the copyrighted property of Shepherds Global Classroom. We simply ask that you honor the integrity of the content and mission.