لقد كان هذا هو أعظم يوم في حياة موسى.[1]فقد نشأ في قصر فرعون. والتقى ببعض أقوى الرجال في العالم. لكن اليوم، سيلتقي موسى بشخص أعظم من فرعون. سيلتقي بيهوه، إله إبراهيم، وإسحق، ويعقوب.
لقد تكلَّم موسى مع الله عند العليقة المشتعِلة. كما شاهد الله يدمِّر جيش فرعون عند البحر الأحمر. لكن اليوم، سيرى موسى الله عن كثب أكثر مما كان عند العليقة المشتعِلة أو في البحر الأحمر.
اليوم، موسى في محضر يهوه. كان لدى موسى طلب واحد فقط: "أرني مجدك." قال الله لموسى أن هذا مستحيل. "لا تَقْدِرُ أَنْ تَرَى وَجْهِي، لأَنَّ الإِنْسَانَ لاَ يَرَانِي وَيَعِيشُ." لكن الله أعطى موسى نعمة خاصة:
لم ير موسى سوى جزء صغير من مجد الله، ولكن عندما عاد إلى المُخيَّم، كان وجهه يلمع. في كل مرة كان موسى في حضرة الله، كان "جِلْدَهُ يَلْمَعُ [و] كَانَ مُوسَى يَرُدُّ الْبُرْقُعَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى يَدْخُلَ لِيَتَكَلَّمَ مَعَهُ".[3]كان وجه موسى يعكس مجد الله، كان موسى هو الرجل ذو الوجه اللامع.
لقد خُلقنا على صورة الله، لقد خُلقنا لنُظهِر مجد الله. على الرغم من أن الخطيَّة قد أتلفت صورة الله في الإنسان، إلا أن الله يسعى إلى استعادة صورته في كل مؤمن. أن نكون قدِّيسين يعني أن نصبح مثل أبينا السماوي. هدف الله هو استعادة صورته في شعبه.
[1]◄ فَكِّر في شخص مسيحي يُعتبر قدوة في القداسة. ما هي سمات أبينا السماوي التي تراها في حياة هذا الشخص؟
تُظهر أسفار موسى الخمسة أن الله إله قدُّوس. ولأن الله قدُّوس، فهو يدعو شعبه ليكونوا قدِّيسين. لقد خُلقنا لكي نبدو مثل أبينا السماوي. لقد خُلقنا لنكون قدِّيسين. هدف الله هو أن يخلق أولاده على صورته.
أن تكون على صورة شخص ما يعني أن تبدو مثل هذا الشخص. لقد خُلقنا على صورة الله. هذا لا يعني أن الله له وجه مثل وجهنا. بل يعني أن أرواحنا خُلقت لتعكس طبيعة الله. لقد خلقنا لنكون مرآة تعكس صورة الله. كما تعكس المرآة وجه الإنسان، هكذا قد خُلقنا لنعكس صورة الله.
لقد خُلقنا لنكون أنقياء ومُقدَّسين كما أن الله نقي وقدُّوس. أن تكون مُقدَّسًا يعني أن تعكس صورة الله. يأمر الله أولاده، "كونوا قديسين." لماذا؟ "وَتَكُونُونَ قِدِّيسِينَ، لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ".[2]لقد خُلقنا لنكون شعبًا مُقدَّسًا. لقد خُلقنا لنبدو مثل أبينا السماوي.
لقد خُلقنا على صورة الله
تعتبر ذروة قصة الخلق هي خلق الجنس البشري "على شبه الله".[3]كل ما خلقه الله كان حسنًا، لكن الإنسان وحده هو الذي خُلق على صورة الله. خلق الله الإنسان ليكون مشابهًا له. لقد توَّجه الله "بِمَجْدٍ وَبَهَاءٍ".[4]
للإنسان قيمة لانهائية لأننا خُلقنا على صورة الله. يكتب بولس أن الإنسان هو "صُورَةَ اللهِ وَمَجْدَهُ."[5]لقد خُلقنا لنعكس مجد الله.
لقد تضرَّرت صورة الله في الإنسان في السقوط
أفسدت الخطيَّة صورة الله في الإنسان. في تكوين 1، خُلق الإنسان "على شبه الله." في تكوين 6، "إِذْ كَانَ كُلُّ بَشَرٍ قَدْ أَفْسَدَ طَرِيقَهُ عَلَى الأَرْضِ".[6]لقد ابتعد الإنسان عن خطَّة الله لدرجة أن "كُلَّ تَصَوُّرِ أَفْكَارِ قَلْبِهِ إِنَّمَا هُوَ شِرِّيرٌ كُلَّ يَوْمٍ".[7]
لقد تحوَّل المجد الذي أُعطي للإنسان عند الخلق إلى عار. يصوِّر بولس بصورة حيَّة ما فقده الإنسان بالتحوُّل بعيدًا عن الله إلى الآلهة الباطلة. بسبب السقوط، "أَبْدَلُوا مَجْدَ اللهِ الَّذِي لاَ يَفْنَى بِشِبْهِ صُورَةِ ..." ونتيجة لذلك:
كل هذا كان نتيجة للسقوط. فبسبب الخطيَّة، تحوَّل مجد الإنسان إلى عار. لقد فسدت صورة الله. لم يعد الإنسان يشبه خالقه.
استرداد صورة الله في شعبه
ولكن، لم يترك الله الإنسان وشأنه. كانت الذبائح وسيلة لدفع عقوبة الخطيَّة واستعادة العلاقة بين الله والإنسان. لكن قصد الله كان أعمق من دفع عقوبة خطايانا. يسعى الله إلى تقديس الإنسان لأنه قدُّوس.
هدف الله هو تشكيلنا على صورته.[9]وعندما تُستعاد صورته فينا، يُمحى عار الخطية ونُظهر مجد الله مرَّة أخرى. هذا هو أحد الموضوعات الرئيسيَّة في الكتاب المُقدَّس:
لقد خُلقنا على صورة الله (تكوين 1-2).
من خلال الخطيَّة، تضرَّرت صورة الله في الإنسان (تكوين 3).
بداية من الوعد بالمسيا في تكوين 3: 15 وانتهاءً ببلوغ الذروة في السماء، يستعيد الله صورته في الإنسان.
لقد وعدنا يوحنا أننا إذا ثبتنا فيه، "يَكُونُ لَنَا ثِقَةٌ، وَلاَ نَخْجَلُ مِنْهُ فِي مَجِيئِهِ."[10]وإذ نتغيَّر إلى صورته، نستعيد المجد الذي فقدناه في السقوط. فيُمحى عارنا، ونواجه مجيئه بثقة. وإذ ننمو على صورة الله، نتقدَّس. فكما أن الله قدوس، هكذا يجعل شعبه أيضًا مقدسًا.
لقد دُعيت إسرائيل لإظهار صورة الله
دعا الله إسرائيل ليكونوا شعبًا مُقدَّسًا. كان هدفه هو استعادة صورته في إسرائيل. اختار الله إسرائيل كممثله الخاص لدى البِلدان الأخرى. لقد ميَّز إسرائيل بصفتهم شعبه المختار الذي سيُظهر طبيعته المُقدَّسة للأُمم الأخرى.
دعا الله إسرائيل لتكون "مملكة كهنة." "وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ لِي مَمْلَكَةَ كَهَنَةٍ وَأُمَّةً مُقَدَّسَةً."[11]كانت وظيفة الكاهن هي أن يمثل الله أمام الشعب. كانت مُهمَّة إسرائيل هي تمثيل الله أمام جميع الأمم، دعا الله إسرائيل لإظهار طبيعته المُقدَّسة للأمم الأخرى. ولإنجاز هذه المهمة، كان على إسرائيل أن تكون مُقدَّسة.
عندما كانت إسرائيل أمينة لله، كانت تعكس طبيعة الله المُقدَّسة، كانت تصبح مرآة تعكس قداسة الله. وعندما التفَّت إسرائيل إلى الأصنام، عكست طبيعة الأوثان الخاطئة. أصبحت مرآة تعكس خطيَّة الأصنام. عندما فشلت إسرائيل في التشبُّه بالله، فشلت في إرساليتها في العالم.
الكنيسة مدعوَّة لإظهار صورة الله
في العهد الجديد، الكنيسة مدعوَّة لتكون شعب الله المُقدَّس، الكنيسة مدعوَّة لتكون "كهنوتًا" يمثل الله أمام العالم.
مثلما اختار الله إسرائيل لإظهار صورته للأمم، اختار الكنيسة "لتخبر الآخرين كيف دعانا الله من الظلمة إلى نوره العظيم"، اختار الله الكنيسة لتمثل طبيعته لمن لا يعرفونه. ولتقوم بذلك، يجب أن تعكس الكنيسة صورة الله. ولتنجز مُهمَّتها، يجب أن تكون الكنيسة مُقدَّسة.
عندما تكون الكنيسة وفيَّة لله، تبدو مثل الله. فتعكس طبيعة الله المُقدَّسة. عندما تتحوَّل الكنيسة إلى أصنام الشعبيَّة والثروة والسُلطة، تبدو مثل أصنامها؛ فتعكس طبيعة آلهتها الباطلة الخاطئة. عندما تفشل الكنيسة في أن تبدو مثل الله، فإنها تفشل في إرساليتها في العالم.
استرداد صورة الله في كل مؤمن
لقد خُلقنا لنبدو مثل أبينا السماوي. لقد خُلقنا على صورة الله، لكن هذه الصورة تضرَّرت في السقوط. لا تزال صورة الله موجودة،[13]لكن الخطية تُخفيها.
تخيَّل شخصًا ينقُب في الصين ويجد زُهرية أثريَّة جميلة. في البداية، لن تبدو جميلة؛ حيث ستكون مغطاة بالتراب والوحل. قد يقول أحد المتفرِّجين، "ارمها بعيدًا، فلا قيمة لها!" لكن الخبير يعرف أنه تحت التراب يوجد كنز جميل.
لقد تضرَّرت صورة الله في الإنسان في السقوط. تغطَّت صورة الله بقذارة ووحل الخطيَّة، لكن الله يستعيد صورته فينا. "لأَنَّ الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابْنِهِ."[14]مثلما يبدو يسوع مثل أبيه، علينا نحن أيضًا أن نبدو مثل أبينا. القداسة هي "شبه الله". القداسة هي استعادة صورة الله في الإنسان.
يعد تمثال Pieta[15]للفنان مايكل أنجلو أحد أشهر المنحوتات في إيطاليا. في عام 1972، أخذ رجل مختل عقليًّا مطرقة وحطَّم التمثال. عمل الفنانون لعدَّة أشهُر على إصلاح الضرر. ونظرًا لقيمة هذا التمثال، فقد عملوا بعناية لاستعادة الصورة الأصليَّة اليوم، لا يمكنك أن ترى أين تضرَّر التمثال. فقد أعاد الفنانون البييتا (Pieta) إلى جماله الأصلي.
في السقوط، أفسدت الخطيَّة أعظم خليقة الله، أفسدت الخطيَّة صورة الله في الإنسان. ولأن الإنسان له قيمة عند الله، فقد بدأ في استعادة صورته فينا. منذ السقوط وحتى الآن، كان الله يعمل بالنعمة ليعيد البشريَّة إلى جمالها الأصلي. هدف الله هو أن يعيد لنا صورته الجميلة.
كثير من الناس لديهم فهم غير كامل للإنجيل. مفهومهم عن الإنجيل هو:
كنت مذنبًا.
فخلَّصني الله.
الآن يمكنني الذهاب إلى السماء.
هذه أخبار سارة - لكنها ليست الإنجيل بالكامل! تقِرَّ بشارة الإنجيل بقصد الله الأبدي:
كنت مذنبًا.
فخلَّصني الله.
والآن يسترد الله صورته فيّ.
في السماء: "سأكون مثله، لأنني سأراه كما هو".[16]قصد الله لشعبه سوف يتحقَّق.
[17]أليس هذا رائعًا؟ لقد خلَّصك الله ليجعلك تشبهه. هذا هو جمال حياة القداسة. كشعب مُقدَّس، فإننا نُسترَد إلى صورة الله.
خلَّص الله شعب إسرائيل من مصر لكي يعيش بينهم في علاقة حب. لم يحرر الله إسرائيل لكي يعيشوا مثل الكنعانيين. لقد حررهم لكي يصبحوا مثله.
وبنفس الطريقة، نحن نخلص لنعيش في علاقة حميمة مع الله ونتغيَّر إلى صورته. خلصنا الله من خطايانا حتى نصبح قدِّيسين لأنه قدوس. لقد خُلقنا لنعكس مجده.
[1]صلاة لطلب القداسة "يا رب، اجعل روحي تعكس صورتك، أنت وحدكلتسطع فيَّ، لكي ما يرى الناس محبتك، ونعمتك ..." -بلانش ماري كيلي
[17]"إن الدليل الذي لا تخطئه عين على وجود الروح القدس في حياة الإنسان هو الشبه العائلي الواضح بينه وبين يسوع المسيح، والتحرر من كل ما لا يشبهه. -أوزوالد تشامبرز
القداسة في الممارسة: القداسة والشخصيَّة
يعتقد بعض الناس أن الشخص المُقدَّس سيكون له نوع معيَّن من الشخصيَّات. فَكِّر في إجابتك عن السؤال الوارد في بداية هذا الدرس: "فَكِّر في مسيحي يُعتبَر قدوة في القداسة. ما هي خصائص أبينا السماوي التي تراها في حياة هذا الشخص؟" هل وصفتها في المقام الأول من حيث سمات الشخصية؟ كثيرا ما نفعل ذلك!
ولكن، عندما نقرأ العهد الجديد، نرى أن جميع أنواع الشخصيَّات تم تمثيلها في يوم الخمسين، كل أنواع الناس امتلأت بالروح. بعد يوم الخمسين، لم يتحوَّل التلاميذ فجأة إلى نوع مختلف من الأشخاص، بل عمل الله من خلال شخصيَّاتهم الطبيعيَّة لتحقيق مقاصده بطريقة جديدة.
لم يصبح توما فجأة شخصًا مشرقًا ومتفائلًا. حتى وفاته، ربما كان توما هادئًا ومتأمِّلًا. لم يصبح سمعان بطرس فجأة شخصًا هادئًا يجلس في الزاوية دون أن يلاحظه أحد. حتى بعد يوم الخمسين، كان بطرس ليقول بثقة، "كَلاَّ يَا رَبُّ!"[1]
خلق الله كل واحد منَّا بشخصيَّة فريدة، والتقديس لا يقضي على هذه الخصائص. وإنما، بينما نُسلِّم أنفسنا لله، تتألَّق صورته من خلال شخصيَّتنا.
هل من الممكن أن تتألَّق صورة الله من خلال شخصيَّتنا؟
كيف سيبدو هذا في الحياة اليومية؟ الشخص المنافس غير المتحفِّظ "من النوع أ" والذي استسلم بالكامل لله سوف يستمر في كونه شخصيَّة "من النوع أ". وسيظل الشخص الخجول الذي يتجنَّب الناس خجولًا. ومع ذلك، في كلتا الحالتين، يسمح الشخص المُقدَّس لله بأن "يصنفر الحواف الخشنة" في شخصيَّته عندما يرى منطقة لا تعكس صورة الله.
اسمحوا لي أن أقدِّم مثالًا على ذلك. كان القس جريج والقس مارك من الشخصيَّات القوية، كلاهما كان لديهما قناعات قوية. وكان كلاهما "متحدِّثين" جيدين ويمكنهما المجادلة بشكل جيد. وكان كلاهما في مناصب قياديَّة. وبسبب قناعاتهما القوية، أحيانًا ما كان الرجلان يسيئان للآخرين بكلماتهم.
لقد عَرِفت القس جريج قرب نهاية حياته. قال لي: "أنا لا أعتذر أبدًا. لا يهم ما يعتقده الناس حول ما أقوله. إنها غلطتهم إذا أساءوا فهمي. أعلم أن قلبي على حق!" على الرغم من أن قلب جريج ربما كان صادقًا، إلا أن كلماته كثيرًا ما جرحت الناس في الكنائس التي رعاها. لم يتعلَّم قط أن يترك صورة الله تتألَّق من خلال شخصيَّته.
كان القس مارك أيضا قائدًا قويًّا. ومع ذلك، تعلَّم القس مارك ما يعنيه أن يعكس صورة الله. فتعلَّم أن يقول: "أنا آسف، لقد قلت ذلك بشدَّة زائدة." تعلم أن يُظهِر الرحمة مع العدل. قال أعضاء كنيسة القس مارك: "لقد عاملنا راعينا مثل يسوع".
القداسة لا تغيِّر نوع شخصيَّتك، بل تجعلك القداسة حسَّاسًا لصوت الروح القدس عندما يقول الروح: "عليك أن تعتذر، لقد كنت عنيفًا جدًا".
إذا كانت لديك شخصيَّة تتجنَّب عيون الجماهير، فلن تجعلك القداسة شخصًا مُنفتحًا يحب الأضواء. ومع ذلك، فإن القداسة تجعلك على استعداد لتنحية تردُّدك جانبًا عندما يقول الله: "أريدك أن تخرج وتقود في هذا الموقف".
يقدم إيفريت كاتيل (Everett Cattell)، ثلاثة أمثلة توضح كيف يحب إبليس أن يحرف ميولنا الطبيعيَّة إلى شيء يشوِّه صورة الله في حياتنا.[2]
مثال 1: الأكل
إن الجوع شهوة طبيعيَّة. من الممكن أن تأكل "لمجد الله"[3].لا ينبغي لأحد أن يبحث عن خبرة روحيَّة تقضي على الشعور بالجوع.
لكن عند كثير من الناس، أفسد الشيطان هذه الشهوة الطبيعيَّة وحوَّلها إلى شراهة، بدلاً من الأكل لإشباع حاجة طبيعيَّة وعاديَّة، يصبح الأكل وسيلة لإرضاء الشهوة الأنانية.
لا يكمُن حل الشراهة في القضاء على متعة الأكل، الحل هو ضبط النفس الذي يمنع الشهيَّة الطبيعيَّة من الانجراف إلى شيء خطير، بل وخاطئ.
مثال 2: الحساسية
ثم يعطي إيفريت كاتيل مثالاً أكثر صعوبة. أي شخص لديه مشاعر طبيعيَّة لديه درجة من الحساسية للأذى والمعاناة، هذا طبيعي وليس خطية. ومع ذلك، إذا سمحنا لهذه الحساسية أن تنمو لتصبح شفقة على الذات، فإنها تصبح موقفًا أنانيًّا يُحِد من قدرتنا على خدمة الله بفعالية وأن نعكس صورته للآخرين.
مرة أخرى، لا يكمُن الحل في القضاء على كل الحساسية العاطفية وأن تصبح قاسيًا تجاه كلمات وأفعال الآخرين. وإنما يجب أن نتعلَّم تسليم هذه الحساسية إلى الله والسماح له بتوجيه استجابتنا للأذى والتحكم فيها.
مثال 3: اللسان
ربما يكون هذا المثال هو الأكثر صعوبة. يجب علينا جميعًا استخدام اللسان. لا يمكننا أن نصلي، "يا الله، من فضلك اقتلع لساني." ولكن، لا يمكن السماح للسان بالخروج عن السيطرة.
يعطي كاتيل مثالاً عن مُبَشِّر غالبًا ما كان مُحقًا في آرائه، ولكنه آذى الآخرين بكلماته القوية. وفي مؤتمر روحي، قال شيئًا جرح الكثير من الأشخاص الذين كانوا حاضرين. في تلك الليلة، بَكَّت الله المُبَشِّر لأن لسانه قد جرح الآخرين.
صلَّى المُبَشِّر ثم ذهب إلى اجتماع الصباح. قال للأشخاص الحاضرين في الاجتماع: "لو كانت مشكلتي تتعلَّق بالخمور، لكان الأمر سهلاً، كنت سألقي بالخمور بعيدًا وينتهي الأمر. لكن مشكلتي هي لساني، لا أستطيع أن أقطعه لمجد الله، لكني كَرَّست لساني لله، وأنا على ثقة من أن الروح القدس سيساعدني في أن أستخدمه لمجده".
يشير القس كاتيل إلى خطأين في مشاكل مثل اللسان:
أن نقول: "أنا خاطئ ولا أستطيع التَحكُّم في لساني. سوف أستمر في ارتكاب الخطيَّة بلساني لأن نعمة الله ليست قوية بما يكفي لعلاج مشكلتي."
أن نقول: "لقد صلَّيت أن يُقدِّسني الله. لذلك، سوف يتحكَّم هو في لساني. لست بحاجة لفعل أي شيء لتهذيب نفسي. سوف أثق بالله فقط."
يقول الموقف الصحيح: "لقد سلَّمت قلبي - ولساني - لله. قلبي نقي، لكنني أعلم أنه لا يزال يتعيَّن عليَّ ضبط استخدام لساني. يجب أن آخذ وقتًا في التفكير قبل أن أتحدَّث، يجب أن آخذ وقتًا للصلاة قبل أن أتحدَّث. وإذا تحدثت بتسرع، يجب أن أتواضع وأتوب". سوف يسارع الشخص المقدس إلى الذهاب إلى أخ أساء إليه بتوبة واتضاع.[4]
◄ ما هي منطقة الخطر بالنسبة لك؟ فَكِّر في الشهوات الطبيعيَّة التي يمكن أن تؤدي إلى المواقف أو السلوكيَّات الخاطئة. أذكر مثالًا عن الطريقة التي تتسبَّب بها هذه الشهوة في حدوث المشكلات من وقت لآخر. ثم أذكر مثالاً عن كيف ساعدك الله في ضبط هذه الشهوة.
كيف يشكِّل الله شخصية الشخص المُقدَّس؟
بينما نسعى إلى أن نعكس صورة الله في حياتنا، يعمل الله بطرق عديدة لتشكيلنا لنصبح الشخص الذي يريدنا أن نكونه. مثل عالم الآثار الذي يجد زُهرية نادرة في الصين ويصقلها بعناية حتى تلمع، يصقل الله أولاده بعناية حتى نلمع ونعكس صورته.
ما هي بعض الطرق التي يشكِّل بها الله شعبه على صورته؟ في بداية هذا الدرس رأينا كيف عكس موسى صورة الله. يمنحنا النظر إلى حياة موسى بعض الأمثلة عن كيفيَّة تشكيل الله لنا على صورته.
في بداية حياته، لم يعكس موسى دائمًا صورة الله؛ لقد جعله مزاجه يقتل رجلاً، مما هدَّد بجعله غير مفيد في ملكوت الله.[5]ومع ذلك، شكَّل الله موسى ليصبح رجلًا "حَلِيمًا جِدًّا أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ الَّذِينَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ."[6]كان موسى يُحبَط بسرعة،[7]لكن الله جعله رجلاً مُخلصًا حتى يقود شعبه أربعين عامًا في الصحراء. كيف غيَّر الله شخصيَّة موسى؟
(1) يستخدم الله كلمته لتشكيل أولاده على صورته.
من أكثر الأدوات التي يستخدمها الله فعالية هي كلمته. عندما نخزن كلمة الله في قلوبنا، يستخدمها لإرشادنا.[8]عندما تلقَّى موسى شريعة الله مباشرة من يد الله، شكَّلت مفاهيمه وشخصيَّته.
الناس المُقدَّسون هم شعب الكلمة. إنهم يعلمون أنهم سيرون طبيعة الله في كلمة الله. إنهم يعلمون أنهم في كلمة الله سوف يتعلَّمون كيف يجب أن تعكس شخصيَّتهم شخصيَّة الله. لا أعرف أي مسيحي عظيم في التاريخ لم يكن تلميذًا للكلمة.
(2) يستخدم الله الظروف الصعبة ليشكِّل أولاده على صورته.
قضى موسى أربعين سنة في الصحراء بسبب قتله للمصري. لا بد أنه فكَّر مرات عديدة، "لقد أضعت فرصتي. لم يعد يمكنني أن أفعل أكثر من رعاية الأغنام". لكن الله استخدم الأربعين سنة هذه ليشكِّل موسى ليجعل منه قائدًا.
من أكثر الآيات المشجِّعة في حياة بطرس عندما تنبَّأ يسوع بفشله في المحاكمة. حذَّر يسوع بطرس: "هُوَذَا الشَّيْطَانُ طَلَبَكُمْ لِكَيْ يُغَرْبِلَكُمْ كَالْحِنْطَةِ! ..."، ثم شجع بطرس بقوله: "وَلكِنِّي طَلَبْتُ مِنْ أَجْلِكَ لِكَيْ لاَ يَفْنَى إِيمَانُكَ." ثم، وعد أنه بسبب فشل بطرس (المؤقت)، سيأتي الله بالخير: "وَأَنْتَ مَتَى رَجَعْتَ ثَبِّتْ إِخْوَتَكَ."[9]لقد استخدم الله حتى الظروف المدمِّرة المتمثِّلة في فشل بطرس في جعل بطرس أكثر فعالية.
يثق القدِّيسون في عناية الله في الظروف الصعبة، إنهم يؤمنون برومية 8: 28 لأنهم يسعون إلى أن يعيشوا رومية 8: 29. يعد الله: "وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ، الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ." ثم يخبرنا عن "القصد" الذي يحققه الله في حياة ابنه: "لأَنَّ الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابْنِهِ."
ليس كل ما يحدث لشخص مُقدَّس هو خير! لكن كل ما يحدث "يعمل معًا" لتحقيق قصد الله الصالح – وهو تشكيلنا على صورة ابنه.
(3) يستخدم الله الناس لتشكيل أولاده على صورته.
قد تكون هذه هي الطريقة الأكثر صعوبة بين الثلاث طرق. يستخدم الله الناس - غالبًا ما يكونون صعبين - لتشكيلنا على صورته. عندما كان موسى على وشك أن يتعب من مسؤوليَّات القيادة الثقيلة، استخدم الله حماه يثرون (الذي لم يكن حتى إسرائيليًا) ليعطي لموسى النصيحة التي جعلته أكثر فاعلية.[10]
يمكننا أن ننظر مرة أخرى إلى سمعان بطرس، من خلال تفاعله مع يوحنا، ولاحقًا من خلال المواجهات التي واجه فيها بولس، لقد تم تشكيل بطرس أكثر فأكثر على صورة الله، فقد "قاومه بولس في وجهه" عندما فشل بطرس في الارتقاء إلى مستوى الدروس التي علمه إياها الروح عن الأكل مع الأمم.[11]بصفته كبير الرسل، لا بد أن هذا كان محرجًا لبطرس. فقد كان يتبع المسيح بينما كان بولس لا يزال يقتل المسيحيين! لكن بطرس سمح لله أن يعمل من خلال بولس ليقرِّبه مما أراد الله لبطرس أن يكونه.
يسمح الناس المُقدَّسون لله بأن يعمل من خلال أشخاص آخرين لتشكيل شخصيَّتهم على صورته. يقول سفر الأمثال: "الْحَدِيدُ بِالْحَدِيدِ يُحَدَّدُ، وَالإِنْسَانُ يُحَدِّدُ وَجْهَ صَاحِبِهِ."[12]يتم شحذ نصل الفأس الحاد عن طريق سنّ الفأس على الفولاذ. بنفس الطريقة، عندما يتفاعل الناس مع بعضهم البعض، يتم صقل مهاراتهم.
إن حياة القداسة هي أكثر من لحظة متأزِّمة تمُر لمرَّة واحدة، إنه تحوُّل يومي إلى صورة الله. عندما نخضع لعمل الله في حياتنا، فإنه يشكِّلنا تدريجيًّا على صورته. هذه هي حياة القداسة العمليَّة.
لا يقتصر القلب المُقدَّس على الرعاة أو المرسلين. يريد الله أن يغيِّر كل مسيحي إلى صورته. أظهر فرانك كروسلي صورة الله في الحياة العادية. لم يكن فرانك كروسلي واعظًا، بل كان صاحب شركة كروسلي للمحرِّكات (Crossley Engines). لم يسكن في مغارة مختبئًا من التجارب، بل عاش في مانشستر، وهي مدينة صناعيَّة كبيرة.
كان فرانك كروسلي رجل أعمال ثريًّا في القرن التاسع عشر بإنجلترا. بعد فترة وجيزة من اهتدائه، سمع كروسلي فتاة صغيرة من جيش الخلاص تشهد عن قوَّة الروح القدس المغيِّرة. قال كروسلي لزوجته: "أريد أن أعرف الله مثلما تعرفه تلك الفتاة". عاد في الليلة التالية وبدأ يسعى ليكون لديه قلبًا نقيًّا.
بعد أن طهَّر الله قلبه بالإيمان، أراد كروسلي أن يفعل ما هو أكثر من جني المال، فقرَّر أن يصبح واعظًا. فاتَّصل بالجنرال ويليام بوث من جيش الخلاص، لكن بوث نصح السيد كروسلي بحكمة بمواصلة عمله كرجل أعمال. كان الجنرال بوث يعتقد أن فرانك كروسلي سيكون أكثر فعالية في خدمة الله من خلال عمله.
سأل السيد كروسلي: "كيف يمكنني إظهار صورة الله في حياتي اليوميَّة؟ كيف سيتعامل يسوع مع موظفيَّ؟" فنقل مصنعه إلى أفقر قسم في المدينة لمساعدة المحتاجين، وعامل عُمَّاله كإخوة مسيحيين.
أظهر فرانك كروسلي قلبًا مُقدَّسًا من خلال توجُّه يشبه المسيح. ويومًا بعد يوم، كان السيد كروسلي يعكس صورة الله في معاملته للآخرين. التقى رجل أعمال منافس ذات مرة مع السيد كروسلي بشأن عقد صعب. قال هذا الرجل فيما بعد، "لقد عاملني السيد كروسلي بالطريقة نفسها التي كان يسوع المسيح سيعاملني بها". رأى زميل العمل هذا صورة الله في فرانك كروسلي.
بالنسبة لفرانك كروسلي، لم يكن السؤال الأهم هو: "كيف يمكنني كسب المزيد من المال؟" كان السؤال الأهم، "هل أبدو مثل أبي السماوي؟" لهذا السبب، أظهر السيد كروسلي صورة الله لمن حوله. هذه هي القداسة.
من لي بقلب يسبِّح إلهي - تشارلز ويسلي
من لي بقلب يسبِّح إلهي.
قلب من الخطية قد تحرَّر
قلب يشعر بدمك دائمًا
الذي سال مجَّانًا تمامًا لأجلي.
قلب مستسلم، خاضع، وديع،
عرش فاديَّ العظيم،
حيث يُسمع المسيح وحده يتكلَّم،
حيث يملك يسوع وحده.
قلب متواضع، بسيط، تائب،
مؤمن وصادق ونظيف،
الذي لا الحياة ولا الموت يمكن أن يفرِّقه
عن المسيح الساكن فيه.
قلب مُتجدِّد من جهة كل فكر
ومليء بالحب الإلهي كامل وسليم ونقي وجيِّد- نسخة من قلبك يا رب.
مراجعة الدرس 3
(1) أن تكون مُقدَّسًا يعني أن تعكس صورة الله.
(2) تضرَّرت صورة الله في البشر بسبب السقوط.
(3) من الموضوعات المركزيَّة في الكتاب المُقدَّس استعادة صورة الله في الإنسان.
(4) إن قصد الله الأبدي هو أن يعيدنا إلى صورته.
(5) عندما كانت إسرائيل مُخلِصة لله، أظهرت صورته للأمم.
(6) عندما تكون الكنيسة مُخلِصة لله، فإننا نظهر صورته للعالم من حولنا.
(7) أفسدت الخطيَّة صورة الله فينا. لكن يعمل الله في حياة كل مؤمن ليجعلنا مثله أكثر فأكثر.
(8) أخبار الإنجيل السارة هي:
لقد كنت خاطئًا.
ثم خلَّصني الله.
الله يسترد صورته فيّ.
في السماء سأكون مثله لأنني سأراه كما هو.
(9) يعمل الله على تشكيل أولاده على صورته. فبغض النظر عن شخصيَّاتنا، الله يريد أن يُظهِر نفسه من خلالنا. يستخدم الله كلمته وظروف الحياة والأشخاص الآخرين لتشكيلنا على صورته.
تكليفات خاصة بالدرس
(1) اُكتب مقالًا من 2-3 صفحات حول موضوع: "صورة الله فيّ". أجب عن أربعة أسئلة:
إذا نظر أفراد عائلتي إليّ، فهل سيَرون صورة الله فيّ؟
ما الذي سيرى أفراد عائلتي أنه لا يبدو مثل صورة الله فيّ؟
ما هي الخطوات العمليَّة الثلاث التي يمكنني اتَّخاذها لكي أعكس صورة الله في حياتي؟
ما هي الظروف أو من هم الأشخاص الذين يستخدمهم الله ليُشكِّلني على صورته الآن؟
(2) اِبدأ الفصل الدراسي التالي باقتباس 2 كورنثوس 3: 17-18.
SGC exists to equip rising Christian leaders around the world by providing free, high-quality theological resources. We gladly grant permission for you to print and distribute our courses under these simple guidelines:
No Changes – Course content must not be altered in any way.
No Profit Sales – Printed copies may not be sold for profit.
Free Use for Ministry – Churches, schools, and other training ministries may freely print and distribute copies—even if they charge tuition.
No Unauthorized Translations – Please contact us before translating any course into another language.
All materials remain the copyrighted property of Shepherds Global Classroom. We simply ask that you honor the integrity of the content and mission.