فقد أيوب كل شيء، حيث ذهبت ثروته، وقُتل أولاده في العاصفة، ودُمِّرَت صحَّته، كان يجلس على كومة من الرماد يكشط القروح المَفتوحة بقطعة من الفخَّار المَكسور، قالت له زوجته أن يلعن الله ويموت، اتَّهمه أصدقاؤه بارتكاب خطايا فظيعة، أولئك الذين كانوا يكرمونه في الماضي يسخرون منه الآن.
في مُعاناته، لم يصلِّ أيوب: "يا الله، أرجع ثروتي" أو حتى "يا الله، اشف جسدي". بل، صرخ: "مَنْ يُعْطِينِي أَنْ أَجِدَهُ، فَآتِيَ إِلَى كُرْسِيِّهِ"[1]. بكي أيوب لأنه لم يستطيع أن يجد الإله الذي كان يعرفه بشكل وثيق للغاية. "هأَنَذَا أَذْهَبُ شَرْقًا فَلَيْسَ هُوَ هُنَاكَ، وَغَرْبًا فَلاَ أَشْعُرُ بِهِ. شِمَالاً حَيْثُ عَمَلُهُ فَلاَ أَنْظُرُهُ. يَتَعَطَّفُ الْجَنُوبَ فَلاَ أَرَاهُ."[2]
يتذكَّر أيوب الأيام حيثُ كان "رِضَا اللهِ عَلَى خَيْمَتِي"[3]لكن الآن:
هذه صرخة رجل يشعر بالخيانة من أقرب أصدقائه، إنها صرخة رجل أحب الله.
لم تنتهِ قصة أيوب باليأس. بعد أن تكلَّم الله من الزوبعة، أجاب أيوب: "بِسَمْعِ الأُذُنِ قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ، وَالآنَ رَأَتْكَ عَيْنِي."[5]لم يتعز أيوب بعودة ممتلكاته أو صحَّته أو حتى عائلته، ولكن بعودة حضور الله، تعزَّى أيوب عندما رأى الله. كان أيوب رجلًا مُقدَّسا، لقد أحب أيوب الله.
[1]◄ ما معنى أن تُحِب الله؟ كيف ستؤثِّر محبة الله حقًا على أولوياتك بالنسبة لوقتك وأموالك؟ كيف ستؤثِّر محبة الله على نظرتك لوصاياه؟
يكرِّر سفر أيوب والمزامير رسالة رأيناها في أسفار موسى الخمسة: القداسة هي العلاقة مع الله، نحن مُقدَّسون فقط لأننا نعيش في علاقة مع الله. أن تكون مُقدَّسا يعني أن تحب الله تمامًا.
كان أخنوخ ونوح وإبراهيم قدِّيسين لأنهم ساروا مع الله. وبنفس الطريقة، كان أيوب وداود مُقدَّسين لأنهما سارا مع الله. يروي سفر أيوب قصة رجل أحب الله بشدَّة. يحتوي سفر المزامير على صلوات وترانيم لرجل كان أعظم فرح لديه هو الشركة الحميمة مع الله.
الشعب المُقدَّس يتهلَّل بالله
يتهلَّل القدِّيسون بالله. حيثُ يجدون فيه أعمق أفراحهم. الرغبة المُسيطِرة لدى الشخص المُقدَّس هي أن يُسِر الله.
بالنسبة لأولئك الذين يقيسون القداسة من خلال قائمة "افعل ولا تفعل،" يبدو هذا بسيطًا. يعتقد الكثير من الناس أن القداسة هي مجرد واجب وليست مُتعة. يُبيِّن الكتاب المُقدَّس أن القدِّيسين يسعَدون بالله. لم يرغب أيوب في شيء أكثر من استعادة علاقته مع الله. شهد داود عن فرح العلاقة الحميمة مع الله، فقد وجد أعمق أفراحه في الله.
كنت أُدرِّس في مدينة لم تَكن مياه الشرب آمنة فيها. وذات يوم حار، نسيتُ أن أحمل مرشح المياه الخاص بي. بحلول الوقت الذي أنهيت فيه الفصل، لم يكن لدي سوى فكرة واحدة: "أنا بحاجة إلى الماء!" لو أعطيتني خيارًا أن آخذ 100 دولار أو كوبًا من الماء النظيف، لكُنت اخترت الماء. عندما كنت عطشانًا حقًا، كان الماء أكثر أهميَّة من أي شيء آخر.
في تلك الليلة، سألت نفسي: "هل أعطش إلى الله بقدر عطشي للماء اليوم؟ هل يُهمني هو أكثر من أي شيء آخر في هذا العالم؟"
عطش داود إلى الله. "كَمَا يَشْتَاقُ الإِيَّلُ إِلَى جَدَاوِلِ الْمِيَاهِ، هكَذَا تَشْتَاقُ نَفْسِي إِلَيْكَ يَا اللهُ. عَطِشَتْ نَفْسِي إِلَى اللهِ، إِلَى الإِلهِ الْحَيِّ. مَتَى أَجِيءُ وَأَتَرَاءَى قُدَّامَ اللهِ؟"[2]شبَّه داود رغبته في الله بعطش أيل يجري. أعظم رغبة لدى الإيل العطشان هي الماء، وأعظم رغبة لدى الشخص المُقدَّس هي العلاقة الحميمة مع الله. الشخص المُقدَّس "يجوع ويعطش إلى البرِّ"[3].
تُقارِن المزامير بين مسرَّات الخطاة ومسرَّات الشخص المُقدَّس. يفرح الخطاة بالحرب. حيث يستمتعون بالكذب. ويحبُّون الشتم.[4]على النقيض من ذلك، يجد القدِّيسون "ملء الفرح" في مَحضر الله. إنهم يحبُّون "مَحَلَّ بَيْتِكَ وَمَوْضِعَ مَسْكَنِ مَجْدِكَ"[5]. قال كاتب المزمور: "مَعَكَ لاَ أُرِيدُ شَيْئًا فِي الأَرْضِ"[6].يجد الناس المُقدَّسون فرحتهم العميقة في الله.
يُظهِر المزمور 63 جمال التأمُّل في الله؛ كان داود هاربًا من شاول، كانت حياته في خطر. في حالة كهذه، فيم ستفكِّر؟ سأُجرِّب أن "أتأمَّل" في الخطر. يقول داود: "إِذَا ذَكَرْتُكَ عَلَى فِرَاشِي، فِي السُّهْدِ أَلْهَجُ بِكَ". حتَّى في حالة الخطر، كان داود يفكِّر في الله، ووجد هذا التأمّل مُشبِّعًا مثل "شَحْمٍ وَدَسَمٍ"[7].
لقد فَرِح مُرَنِّم المزامير بالله، كان يحب الله. الشعب المُقدَّس يفرح بالله. فَكِّر للحظة: ما الذي يجعلك عطشانًا؟ هل تفرح بالله؟
يبتهِج الشعب المُقدَّس بشريعة الله
يبتهج الإنسان المُقدَّس بشريعة الله. تُبيِّن المزامير أن شريعة الله ليست تهديدًا لشعبه؛ فالقدِّيسون يحبُّون شريعة الله. قال داود: "أَنْ أَفْعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا إِلهِي سُرِرْتُ"[8]. لم يصارع ليطيع الله؛ بل وجد أن طاعة الله أمر مُفرِح.
تَسري فكرة الابتهاج بشريعة الله في جميع المزامير. موضوع مزمور 119 هو كلمة الله. استمِع إلى فرح داود:
"رَحْمَتُكَ يَا رَبُّ قَدْ مَلأَتِ الأَرْضَ. عَلِّمْنِي فَرَائِضَكَ.[14]يُبين الله محبته من خلال ناموسه: "اصْنَعْ مَعَ عَبْدِكَ حَسَبَ رَحْمَتِكَ، وَفَرَائِضَكَ عَلِّمْنِي"[15]. يبتهِج القدِّيسون بشريعة الله لأنهم يَعلمون أن شريعة الله تُعلن عن محبة الله.
قال موسى أن طاعة إسرائيل لشريعة الله ستجعل الأُمَم الأُخرى تغار من حكمتهم!
[17]سأل موسى: "وَأَيُّ شَعْبٍ هُوَ عَظِيمٌ لَهُ فَرَائِضُ وَأَحْكَامٌ عَادِلَةٌ مِثْلُ كُلِّ هذِهِ الشَّرِيعَةِ الَّتِي أَنَا وَاضِعٌ أَمَامَكُمُ الْيَوْمَ؟"[18]لم تستعبِد شريعة الله إسرائيل، بل باركت شريعة الله إسرائيل.
اليوم، من الشائع أن نسمع الوعَّاظ يُعلِّمون بأن شريعة الله كانت عبئًا ثقيلًا لا يُمكن طاعته. يقول بعض المسيحيين أن شريعة الله هي "هدف" لا يمكن لأحد بلوغه. ولكن موسى وداود وقدِّيسي العهد القديم الآخرين ابتهجوا بشريعة الله. لقد آمنوا أنه من دواعي سرورهم أن يكرموا اسم الله وسبت الله، لم يرغبوا في السجود أمام الأصنام الكاذبة.
لم يعتقدوا أنهم سيكونون أكثر سعادة إذا أهانوا والديهم، أو ارتكبوا جرائم قتل وزنا، أو سرقوا وكذبوا. كانوا يعلَمون أنه من الأفضل أن يكونوا قانعين بدلاً من أن يطمعوا فيما يمتلِكه جيرانهم. لم تكن شريعة الله عبئًا. لقد أعطى الله شريعته مِن قلب مُحِب. أرشد الناموس الشعب المُقدَّس في علاقته بإله قدُّوس. كانت شريعة الله سبب سرور لشعبه.[19]
ناموس الله يُعلن شخصيَّة الله
إن أحببنا الله، سنحب شريعته. قال المُرنِّم بالوحي: "عَجِيبَةٌ هِيَ شَهَادَاتُكَ، لِذلِكَ حَفِظَتْهَا نَفْسِي"[20].لم يقل داود: "شريعتك صعبة، لكني سأحاول أن أطيعها". كلا؛ بل قال داود: "شريعة الله رائعة!"
يبتهج القدِّيسون بشريعة الله، أحب كاتب المزامير شريعة الله لأنه عرف أن الناموس هو أكثر من مُجرَّد قائمة من القواعد؛ فشريعة الله تُعلِن شخصيَّة الله.
◄ اِقرأ المزمورين ١١١ و١١٢.
يُعتبَر المزمورين ١١١ و١١٢ من المزامير المُترافِقة. حيثُ يُعلنان معًا أهميَّة شريعة الله بالنسبة للشخص المُقدَّس. يصف المزمور 111 شخصيَّة الله: الله بار، رؤوف، ورحيم.
يبدأ المزمور 112: "طُوبَى لِلرَّجُلِ الْمُتَّقِي الرَّبَّ، الْمَسْرُورِ جِدًّا بِوَصَايَاهُ!" فالَّذي يفرح بوصايا الله ينال البركة. كيف؟ سوف يكون مثل الله. سيكون "حنّانًا ورحيمًا صالحًا". هذه هي نفس الخصائص التي تَصِف الله في مزمور 111. فبينما نفرح بشريعة الله، نُصبِح أكثر فأكثر مثل الله.
تُعلِّم أسفار موسى الخمسة أن الشخص المُقدَّس يعكس صورة الله. يُظهِر المزمورين ١١١ و١١٢ أن الشخص المَسرور بشريعة الله يتغيَّر إلى صورة الله. إن الشخص الذي يسعد بشريعة الله يُصبِح أكثر شبهاً بالله.
إن كنا نحب الله حقًا، فسنحفظ شريعته. سأل داود: "مَنْ يَصْعَدُ إِلَى جَبَلِ الرَّبِّ؟ وَمَنْ يَقُومُ فِي مَوْضِعِ قُدْسِهِ؟ اَلطَّاهِرُ الْيَدَيْنِ، وَالنَّقِيُّ الْقَلْبِ، الَّذِي لَمْ يَحْمِلْ نَفْسَهُ إِلَى الْبَاطِلِ، وَلاَ حَلَفَ كَذِبًا"[21]. مَن يستطيع أن يعيش في مَحضَر الله؟ الشخص "اَلطَّاهِرُ الْيَدَيْنِ، وَالنَّقِيُّ الْقَلْبِ". يتطلَّب العيش في مَحضَر الله طاعة شريعة الله. تُبيِّن الأسفار الشعريَّة أن الله يطلب الطاعة ممن يدَّعون أنهم يحبونه.
تُظهِر الأسفار الشعريَّة أيضًا أن الله يجعل الطاعة المُخلِصة أمرًا مُمكنًا. هذا وعد الله لمن يحبُّونه.
تبدأ قصة أيوب: "كَانَ رَجُلٌ فِي أَرْضِ عَوْصَ اسْمُهُ أَيُّوبُ. وَكَانَ هذَا الرَّجُلُ كَامِلاً وَمُسْتَقِيمًا، يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ"[22]. عندما اتَّهم أليفاز أيوب بالخطيَّة، أجاب أيوب:
قد يسأل شخص ما: "كيف يمكن لأيوب أن يقول إنه لم يخالف وصايا الله؟ الجميع يخطئون كل يوم". يجيب أيوب: "أنا أُحب الله وأفرح بطاعته بعناية". سار أيوب في حميميَّة مع الله؛ فقد حفظ «وصيَّة شفتيه». هل حياة القداسة مُمكِنة؟ يجيب أيوب: "نعم". عرِف أيوب أن الله يجعل الطاعة المُخلِصة مُمكِنة لمن يحبُّونه.
لا تقوم حياة القداسة على قوتنا. إنها تأتي من الاعتماد اليومي على الله. كان أيوب بلا لوم ليس لأنه كان يضبط نفسه بشكل غير عادي، كان بلا لوم بسبب مسيرته الحميمة مع الله. فهِم أيوب أن الله يطلب الطاعة المُخلِصة وأن الله يجعل الطاعة الصادقة مُمكِنة.
هذه الحقيقة لها تأثير قوي في حياة المؤمن اليوميَّة. يطلب الله من شعبه أن يكونوا قدِّيسين والله هو من يجعل شعبه مُقدَّسا؛ بواسطته نتقدَّس ونطهُر. يطلب الله القداسة والله هو من يمنح القداسة. الله هو من يُدبِّر كل ما تتطلَّبه كلمته.
يعتقد بعض القُرَّاء أن المزمور 37: 4 يُعلِّم: "إذا خدمت [عبدت] الله، فسيعطيني أي شيء أطلبه، سوف يجعلني غنيا". لا يكرز داود بإنجيل الرخاء الذي يقول: "يريد الله أن يكون أولاده أغنياء". يقول داود شيئًا أكثر أهميَّة: "إذا كانت أعمق رغباتك هي الله، فسيمنحك الله نفسه". إذا كنت تشتهي الله، فستنال الله.
إذا اتَّبعت الله حتى تحصُل على الصحة والثروة والشُهرة، فسوف تُصاب بخيبة أمل من رسالة مزمور 37: 4. إذا اتَّبعت الله من أجل النِعَم الماديَّة، فستصاب بخيبة أمل عندما تجد أن مكافأتك هي…. الله!
بالنسبة لشخص أناني، فإن قبول الله ليس مكافأة عظيمة، الشخص الأناني لا يرغب في الله. لكن بالنسبة للشخص الذي يرغب في الله، فإن المزمور 37: 4 هو وعد عظيم. الله هو أعظم عطيَّة مُمكِنة للشخص المُقدَّس.
لمن يشتهيه، يعطيه الله علاقة حميمة معه. لا يجلب الابتهاج بالله دائمًا نعمة ماليَّة أو تحريرًا من المعاناة. قد يكره العدو الأشخاص الذين يفرحون بالله. غالبًا ما يعاني الأشخاص المُقدَّسون. ومع ذلك، وجد داود وأيوب أنه حتى في أوقات المعاناة، يكرم الله أولئك الذين يسعدون به.
القداسة هي محبة الله. القدِّيسون يفرحون بالله. وفي المقابل، يعطي الله نفسه مجانًا لمن يجوع ويعطش إليه.
[1]صلاة لطلب القداسة "يا إلهي، أصلي حتى أعرفك وأحبك حتى أفرح بك. دع ذهني يتأمَّل في صلاحك. دع لساني يتكلَّم عنه. دع قلبي يحيا لأجله. دع روحي تجوع إليه. دع كل كياني يشتهيه، حتى أدخل إلى فرحك". -أنسلم أسقف كانتربري
[17]"إننا نتخيَّل أن أي شيء غير مُسِر هو الواجب! ولكن هل لهذا أي صِلة بما في قلب ربنا؟ "أَنْ أَفْعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا إِلهِي سُرِرْتُ" -أوزوالد تشامبرز
بعد بضعة أشهُر، كان يسوع في أورشليم. وسأله أحد الكتبة: "أَيَّةُ وَصِيَّةٍ هِيَ أَوَّلُ الْكُلِّ؟"[2]سجَّل الفريسيون 613 وصيَّة من العهد القديم. وقد جادلوا في الكثير من الأحيان حول أي وصيَّة هي الأكثر أهميَّة. أجاب يسوع:
عرَّف يسوع القداسة على أنَّها محبة الله ومحبة الآخرين. تُعبِّر القداسة الحقيقيَّة عن نفسها من خلال المحبة. وهكذا ننمو في القداسة بينما ننمو في المحبة مثل المسيح. أن تكون مُقدَّسا يعني أن تحب كما أحب يسوع؛ هذا هو الحب الكامل.
في الدرس الخامس، رأينا أن كتبة العهد القديم استخدموا كلمة "كامل" للإشارة إلى القلب غير المُنقسِم. أن تكون كاملاً يعني أن يكون المرء مُوَحَّدًا في التزامه تجاه الله. يستخدم كتبة العهد الجديد كلمة "كامل" بطريقة مُماثِلة. أَمَر يسوع أتباعه أن "يكونوا كاملين"[4]. نرى في الأناجيل أنه أن تكون كاملاً يعني أن يكون لديك حب غير مُنقسِم لله ولقريبك، أن تكون كاملًا يعني أن تحب دون تَحفُّظ. هذا هو الحب الكامل.
لم تكن رسالة الحب الكامل جديدة في الأناجيل. ذكَّر يسوع شعب إسرائيل بأن الله كان يطلب دائمًا محبة الله ومحبة القريب. تُبيِّن تثنية 6 أن المحبة هي أساس الناموس. الطاعة بدون حب تؤدي إلى الناموسيَّة. عَلَّم يسوع أنه أن تكون مُقدَّسا يعني أن تحب الله. إذا أحببنا الله فإننا نطيعه. القداسة هي محبة الله من كل القلب.
محبة الله أكثر من مُجرَّد عاطفة. عرَّف جون ويسلي محبتنا لله:
... أن نفرح به، ونفرح بمشيئته، والرغبة المُستمرَّة في إرضائه، والبحث عن سعادتنا وأن نجد سعادتنا فيه، وأن نعطش ليل نهار للتَمتُّع به على أكمل وجه.[5]
تُغيِّر محبة الله اتجاه حياتنا بالكامل. يصبح إرضاء الله أسمى طموحاتنا وأعظم فرح لنا. لقد أظهر يسوع معنى أن تحب الله تمامًا، نرى في يسوع المحبة المُقدَّسة التي يريدها الله لكل مسيحي.
أظهر يسوع محبة كاملة لله في حياته
أظهر يسوع محبة كاملة لأبيه. عاش يسوع في خضوع فرِح لإرادة أبيه. لم يكن هذا خضوعًا قسريًا صادر من عبد؛ بل كان خضوع ابن مُحِب.
تُظهِر التجربة محبة يسوع للآب
قبل أن يبدأ خدمته العلنية، واجه يسوع التجربة في البريَّة. كانت كل تجربة موجهة نحو تدمير العلاقة بين الآب والابن.
جرَّب الشيطان يسوع حتى يتجاهل الآب ويوَفِّر الخبز لنفسه. جرب الشيطان يسوع حتى يتخلَّى عن عبادة الآب للحصول على السُلطة على ممالك العالم. جرَّب الشيطان يسوع ليجرِّب الآب بالقفز من على قِمَّة الهيكل.[6]كانت كل تجربة بمثابة اختبار لمحبة يسوع للآب. ورد يسوع بإظهار ثقته الكاملة في أبيه السماوي.
بدلًا من تحويل الحجر إلى خبز، اقتبس يسوع من تثنية 8: 3: "مَكْتُوبٌ: أَنْ لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ". ذكَّر موسى إسرائيل بأن الله وَفَّر لهم المن في الصحراء؛ بإمكان إسرائيل أن تثق في تدبير أبيها المُحِب. وبنفس الطريقة، وثق يسوع في تدبير أبيه المُحِب.
بدلًا من السجود للشيطان، اقتبس يسوع من تثنية 6: 13:"لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ". لأنه أَحَبَّ الله تمامًا، رفض يسوع تجربة السجود للشيطان.
بدلًا من أن يجرِّب أبيه بالقفز من فوق قِمَّة الهيكل، اقتبس يسوع من تثنية 6: 16: "إِنَّهُ قِيلَ: لاَ تُجَرِّبِ الرَّبَّ إلهَكَ". لأنه أحبَّ الله تمامًا، رفض يسوع أن يجرِّب وعد الآب بالحماية.
يُظهِر تطهير الهيكل محبة يسوع للآب
حتَّى عندما كان طفلاً، أحبَّ يسوع "بيت أبيه"[7]. لقد أحبَّ أبيه فأحبَّ بيت أبيه.
عندما وجد يسوع التُجَّار غير الأمناء في الهيكل، رد بغضب مُستقيم وبار.
لماذا غضِب يسوع؟ لأن هؤلاء التُجَّار كانوا يهينون بيت أبيه: "لا تَجْعَلُوا بَيْتَ أَبِي بَيْتَ تِجَارَةٍ!"[9]أحبَّ يسوع أبيه ورد بغضب على عدم احترام بيت أبيه.
كان لدى يسوع مشاعر بشريَّة عاديَّة؛ ففي وجه الشر شعر بالغضب - لكنه لم يخطئ.[10]لم تلغِ القداسة عواطف يسوع، وإنما، لأنه كان مُقدَّسا، عكست مشاعر يسوع مشاعر أبيه، كان يسوع غاضبًا من الأشياء التي أغضبت أبيه.
يُظهِر خضوع يسوع حبه للآب
في رسالة الوداع، أشار يسوع إلى طاعته كشهادة على محبته للآب: "وَلكِنْ لِيَفْهَمَ الْعَالَمُ أَنِّي أُحِبُّ الآبَ، وَكَمَا أَوْصَانِي الآبُ هكَذَا أَفْعَلُ"[11].أظهر يسوع محبته للآب من خلال الخضوع الراغب لإرادة الآب. هذا هو الحب الكامل.
حتى في الاختبار النهائي، كان يسوع خاضعًا لمشيئة الآب. عرف يسوع أنه سيتحمل تجربة مخزية يتبعها ألم الصليب الذي لا يمكن تصوُّره. سينفصل عن الآب بسبب خطيَّة الإنسان. صلَّى يسوع: "يَا أَبَتَاهُ، إِنْ شِئْتَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسَ ..."[12]واجه يسوع الناصري الاختبار النهائي في الخضوع للآب.
في بشريَّته، طالب يسوع بالخلاص. لكن في بشريَّته، أظهر يسوع خضوعه الراغب للآب. "وَلكِنْ لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ". أظهر يسوع محبة كاملة للآب من خلال خضوعه لإرادة الآب.
تُقدِّم حياة يسوع نموذجًا للحب الكامل. أن تكون مُقدَّسًا يعني أن تحب الله كما أحب يسوع أبيه.
علَّم يسوع أتباعه أن يحبوا الله تمامًا
محبة الله هي أكثر من مجرد عاطفة. إنه التزام طويل الأجل يُغيِّر الأولويَّات النهائيَّة في حياتنا. لقد عرَّف يسوع الحب بهذه الطريقة:
بالنسبة للمُعلِّمين اليهود، تعني كلمة "يكره" "أن تحب أقل من أي شيء آخر". يجب أن يحب تلميذ يسوع المسيح فوق أي شخص آخر، حتى نفسه. هذا هو معنى أن تحب الله - أن تحب الله فوق كل شيء آخر.
قال يسوع: "لاَ يَقْدِرُ خَادِمٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ، لأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُبْغِضَ الْوَاحِدَ وَيُحِبَّ الآخَرَ، أَوْ يُلاَزِمَ الْوَاحِدَ وَيَحْتَقِرَ الآخَرَ"[14].إنه حب حصري. إذا كنت تحب الله، فسيحتل المرتبة الأولى فوق كل شيء في الحياة.
عَلَّم يسوع أن الطاعة المُخلِصة والراغِبة تدُل على المحبة. "اَلَّذِي عِنْدَهُ وَصَايَايَ وَيَحْفَظُهَا فَهُوَ الَّذِي يُحِبُّنِي". مكافأة هذه الطاعة المُحِبَّة هي علاقة حميمة مع الله. "وَالَّذِي يُحِبُّنِي يُحِبُّهُ أَبِي، وَأَنَا أُحِبُّهُ، وَأُظْهِرُ لَهُ ذَاتِي"[15].
بعد سنوات كثيرة، تذكَّر يوحنا كلمات يسوع في العليَّة. كتب يوحنا: "وَأَمَّا مَنْ حَفِظَ كَلِمَتَهُ، فَحَقًّا فِي هذَا قَدْ تَكَمَّلَتْ مَحَبَّةُ اللهِ"[16]. القداسة هي محبة كاملة لله. يخضع الشعب المُقدَّس طواعية لمشيئة الآب. يتَّبِع الناس المُقدَّسون نموذج يسوع في الطاعة.
عندما نحب الله تمامًا، سوف نسعد بطاعة مشيئته. عندما نحب الله تمامًا، سنُخضِع إرادتنا عن طيب خاطر لإرادة أبينا. عندما نحب الله تمامًا، سنصلي مع داود:
يمنحنا الحب الكامل رغبة شديدة في إرضاء أبينا السماوي. نحن نرفض أي شيء من شأنه أن يُخل بعلاقتنا معه. القداسة هي المحبة الكاملة لله.
العلاقة بين يسوع والآب هي النموذج الذي يتَّبعه الشخص المسيحي
◄ اِقرأ يوحنا 17.
أعطى يسوع صورة عن القداسة في صلاته كرئيس كهنة. في يوحنا 17، صلَّى يسوع من أجل نفسه ومن أجل تلاميذه ثم من أجل جميع المؤمنين. أظهر يسوع أن علاقته الحميمة مع الآب هي نمط العلاقة بين المسيحيين والآب.
صلَّى المسيح من أجل نفسه (يوحنا 17: 1-5)
في مواجهة الموت، ابتهج يسوع لأنه أنجز العمل الذي كلَّفه الآب بأن يقوم به: "أَنَا مَجَّدْتُكَ عَلَى الأَرْضِ. الْعَمَلَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي لأَعْمَلَ قَدْ أَكْمَلْتُهُ."
قال يسوع في وقت لاحق في هذه الصلاة:
"أُقَدِّسُ أَنَا ذَاتِي". الكلمة اليونانيَّة المُترجَمة "أُقَدِّسُ، أخصص" هي الكلمة المُترجَمة "يُقَدِّس" لاحقًا في نفس الآية. صلَّى يسوع:
يمكن أن تعني هاحياتزو إما "التقديس" أو "التكريس والتخصيص". ولأن يسوع لم تكن لديه خطيَّة، لم يكن بحاجة إلى أن يُقَدَّس. في هذه الصلاة، تعني كلمة "قَدِّس" "التكريس أو التخصيص". خصص يسوع نفسه لإنجاز العمل الذي كلَّفه الآب به. كرَّس يسوع نفسه للمهمَّة التي أوكِلها إليه الآب.
صلَّى المسيح من أجل تلاميذه (يوحنا 17: 6-19)
صلَّى يسوع أن يتقدَّس التلاميذ في الحق. "وَلأَجْلِهِمْ أُقَدِّسُ أَنَا ذَاتِي، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا مُقَدَّسِينَ فِي الْحَقِّ". مثلما تم تخصيص يسوع للخدمة على الأرض، صلَّى لأن يتم تخصيص وفرز التلاميذ للخدمة. كانت العلاقة بين الابن والآب نموذجًا للعلاقة بين التلاميذ والآب. وإذ اتَّبع التلاميذ نموذج يسوع، فقد تم فرزهم لمشاركة حقه مع العالم.
صلَّى يسوع من أجل جميع المؤمنين (يوحنا 17: 20-26)
ثم صلَّى يسوع من أجل جميع "الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِي". صلَّى من أجل أن يشترك جميع المسيحيين في الوحدة التي يتمتَّع بها هو والآب. صلَّى يسوع لكي "نصبح واحدًا بالتمام". هذه هي نفس الكلمة المُستخدَمة في متى 5: 48: "فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ". تُشير هذه الكلمة إلى تحقيق هدف. الهدف هو الحب الكامل، الحب الذي يَظهَر في الثالوث.
نحن -كمؤمنين- مدعوون للاشتراك في المحبة الإلهيَّة بين الآب والابن. صلَّ يسوع "لِيَكُونَ فِيهِمُ الْحُبُّ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي [الآب] بِهِ، وَأَكُونَ أَنَا فِيهِمْ". الحب القائم بين يسوع والآب هو نموذج لكل مؤمن. هذا ما يعنيه أن تكون مُقدَّسا: أن يكون لديك الحب الكامل الذي كان يسوع النموذج المثالي له.
كان لدى جورج سؤال يطرحه على راعي كنيسته. "أيها القس، أريد أن أكون مُقدَّسًا، أريد أن أكون صديقًا لله مثل إبراهيم. لكن هناك مشكلة، فأنا أفعل بعض الأشياء التي أعرف أنها خاطئة، أنا أحب الله ولكني لا أريد أن أطيعه. هل يمكنني أن أكون صديقًا لله إذا لم أطِعه؟ "
أجاب يسوع على سؤال جورج منذ أكثر من 2000 عام. "إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي فَاحْفَظُوا وَصَايَايَ"[1]. لا يقول الله في أي شاهد: "إذا كنت تُحبُّني، يمكنك الاستمرار في العيش في الخطيَّة المُتَعمَّدة". وإنما، قال يسوع: "إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي فَاحْفَظُوا وَصَايَايَ". وتابع يسوع: "اَلَّذِي لاَ يُحِبُّنِي لاَ يَحْفَظُ كَلاَمِي"[2].
يتحدَّث بعض المسيحيين المُعترفين عن حبهم لله بينما يستمرُّون في العيش في الخطيَّة المُتعمَدة. بالنسبة لهؤلاء الناس، فمحبة الله هي مجَرَّد عاطفة. إنهم يزعمون أنهم يحبُّون الله، لكن هذا لم يُغيِّر حياتهم. ولكن، محبة الله ليست مُجرَّد عاطفة أو شعور، تتطلَّب محبة الله طاعة وصاياه بنفس راغِبة.
كان لدى سالي سؤال تسأله لراعي كنيستها. "أيها القس، أريد أن أكون مُقدَّسة، أريد أن أكون مُستقيمة وبلا لوم مثل أيوب، أنا حريصة على حفظ كل وصيَّة، لكن هناك مشكلة، أنا لا أحب الله حقًا، أنا أُطيعه خوفًا من أن يغضب إذا عصيت، أنا أُطيع الله ولكني لا أُحبّه. هل يمكنني أن أكون مُقدَّسة إذا كنت لا أُحب الله؟"
أجاب يسوع على سؤال سالي منذ أكثر من 2000 عام. أرسل يسوع رسالة إلى الكنيسة في أفسس، حيث أثنى على أعمالهم الصالحة وعقيدتهم القويمة. فمدحهم على أمانتهم في وجه الاضطهاد. لكنه قال: "لكِن عِنْدِي عَلَيْكَ: أَنَّكَ تَرَكْتَ مَحَبَّتَكَ الأُولَى". أخذ يسوع نقص المحبة على محمل الجد لدرجة أنه هدَّد "وَأُزَحْزِح مَنَارَتَكَ مِنْ مَكَانِهَا" إن لم يتوبوا ويستعيدوا محبتهم الأولى.[3]
يعتقد بعض المسيحيين أنه يمكنهم كسب رضا الله من خلال الطاعة، لكن طاعتهم لا تقترِن بالحب. يعتقدون أن القداسة هي مسألة طاعة لقائمة من القواعد، لقد نسوا أن أصل القداسة هو محبة الله.
يعاني كل من جورج وسالي من نفس المشكلة الجذريَّة في القلب؛ لا أحد منهما يحب الله حقًا. يَظهر افتقار جورج إلى محبة الله في توَجُّهاته الدنيويَّة. تقول الدنيوية: " أُحب هذا العالم أكثر مما أُحب الله."
يَظهر عدم حب سالي لله في مذهبها الناموسي المُتزمِّت. تقول الناموسيَّة: "أنا أُطيع الله ليس بدافع الحب، بل رغبة في كسب رضى الله". ولا واحد من هذين الأمرين مدفوع بمحبة الله. والرد على الدُنيويَّة والناموسيَّة هو نفسه - محبة الله.
الجواب على الدُنيويَّة: محبة الله
ماذا يعني أن تكون دُنيويًا؟ في كثير من الأحيان، نُعَرِّف الدُنيويَّة بأسلوب اللَّبس، أو نوع التسلية، أو الرغبة في الحصول على استحسان الناس، أو التباهي، أو أي علامة خارجيَّة أخرى. قد تكون هذه أعراض الدُنيويَّة، لكن الدُنيويَّة أعمق بكثير. هذا هو السؤال الذي يجب طرحه لتعريف الدُنيويَّة: "ما الذي يجلِب لي البهجة الحقيقيَّة؟"
أن تكون "دُنيويًّا" يعني أن تبتهج بهذا العالم. يسعى الإنسان الدُنيوي إلى الشعور بالشِبَع المطلق من هذا العالم. أن تكون دُنيويًّا يعني أن تُقَدِّر أمور هذا العالم فوق أمور الله.
لوط "رَأَى كُلَّ دَائِرَةِ الأُرْدُنِّ أَنَّ جَمِيعَهَا سَقْيٌ". اختار الوادي الذي شدَّ عينيه.[4]كان لوط دُنيويًّا، كان مسرورًا بملذَّات هذا العالم.
تخلَّى ديماس عن خدمته لأنه وجد بهجته في هذا العالم. كتب بولس: "لأَنَّ دِيمَاسَ قَدْ تَرَكَنِي إِذْ أَحَبَّ الْعَالَمَ الْحَاضِرَ وَذَهَبَ إِلَى تَسَالُونِيكِي". وهي مدينة مُزدهِرة.[5]كان ديماس دُنيويًّا؛ أحبَّ هذا العالم.
يجد الإنسان التقي أعمق بهجة له في الله. كتب المُرنِّم: "مَنْ لِي فِي السَّمَاءِ؟ وَمَعَكَ لاَ أُرِيدُ شَيْئًا فِي الأَرْضِ"[6]. كان المُرنِّم تقيًّا، لقد أحب الله.
ليس الرد على الدُنيويَّة مجموعة من القواعد، الرد على الدُنيويَّة هو محبة الله. ألقى قس اسكتلندي من القرن التاسع عشر اسمه توماس تشالمرز عظة حول "قوة العاطفة الجديدة الطاردة". قال القس تشالمرز إن هناك شيئين يجب علينا القيام بهما إذا أردنا التوقُّف عن حب العالم.
(1) يجب علينا أن نخلع شيئًا ما، يجب أن ندرك فراغ هذا العالم. عندما نرى غرور أشياء هذا العالم، يَضعف حبنا لهذا العالم. لكن هذا في حد ذاته لا يكفي.
(2) يجب أن نلبَس شيئًا ما، يجب أن نستبدل حب هذا العالم بشيء أجمل بكثير. عندما نقع في حب الله، فإن محبتنا الجديدة تَطرد حبنا القديم للعالم.
علاج حب هذا العالم هو الوقوع في حب الله. روى يسوع مثلًا عن تاجر باع كل ما يَملُك ليشتري لؤلؤة واحدة ثمينة.
تخيَّل لو قلت لهذا التاجر: "أشعر بالأسف الشديد من أجلك! إنه لأمر محزن أنه كان عليك بيع الكثير من المُمتلكات". سيضحك التاجر عليك! حيث سيقول: "تضحية؟ أنا لا أقدم تضحية، أنا أشتري لؤلؤة بسعر رائع. الأشياء التي بعتها لا شيء مقارنةً بهذه اللؤلؤة الجميلة." لقد وجد التاجر عاطفة جديدة، لقد وقع في حب شيء طرد حبَّه القديم.
الجواب على الدُنيويَّة هو الوقوع في حب الله. فمحبة الله ستطرد محبتنا للمال والإطراء والاستعراض وكل الأشياء التي يستخدمها العالم لإغراء شعب الله. يحب المُقدَّسون الله - وهذا الحب يطرد محبة هذا العالم.
عندما نرغب بصدق في أن نعيش حياة مُقدَّسة، يمكن أن نُجرَّب بأن نتجاوز المبدأ الكتابي "الكمال المسيحي" إلى "النزعة الناموسيَّة إلى الكمال".
"الكمال المسيحي" الكتابي هو قلب الحب المُوحَّد لله. يُظهر الكمال المسيحي قلبًا يسعى لإرضاء الله في كل النواحي. إنه يدرك أنه حتى القلب المُحب الصادق لا يمكنه أن يصل بنا إلى مستوى الأداء المثالي. نحن مُقيَّدون بضعفنا البشري. لن يخالف الشخص المُقدَّس ناموس الله عن قصد، لكن حتى أقدس شخص يستمر في الاعتماد على نعمة الله في تلك النواحي حيث نُقَصِّر عن غير قصد في معايير الله المطلقة للصواب والخطأ.
من ناحية أُخرى، يقودني "السعي إلى الكمال" إلى توقُّع الأداء المثالي في كل مجال من مجالات الحياة. تُركِّز النزعة إلى الكمال عليَّ وعلى أدائي كشخص مُقدَّس بدلاً من التركيز على يسوع وقوَّته في حياتي.
غالبًا ما يؤدِّي السعي إلى الكمال إلى بذل جهد مُتزمِّت "لكسب" فضل الله من خلال الانفصال. غالبًا ما يقيس هذا السعي القداسة بقائمة من الأشياء التي لا أفعلها (أنا لا أُدخِّن، لا أشرب المشروبات الكحوليَّة، لا أرتدي ملابس غير مُحتشمة) أو الأشياء التي أفعلها (أصوم، أصلِّي، أنا أعطِ من مالي للكنيسة).
كما رأينا في الدرس 4، يرغب الشخص المُقدَّس في البقاء منفصلًا عن أي شيء لا يرضي الله. إن كنت أقول "أحب الله من كل قلبي" ثم أعيش حياة تسعى إلى إشباع الرغبات الدُنيويَّة فهذا أمر خاطئ.
ولكن، يجب ألا نسمح أبدًا لرغبتنا في قلب مُنفصِل وحياة مُنفصَلة أن تقودنا إلى نقطة الاعتقاد بأنه يمكننا قياس علاقتنا مع الله من خلال قائمة "ما يجب فعله وما لا يجب". القداسة هي أولًا مسألة قلب وعلاقة حب مع الله. تُحفِّز هذه العلاقة رغبتنا على عيش حياة مُقدَّسة ومُنفصلة. أما العكس فلن ينجح أبدًا: الحياة المُنفصلة في حد ذاتها لا تُحفِّز أبدًا على علاقة حب مع الله.
يجب أن نسعى إلى أن نكون كاملين كما أمر الله. يجب ألا نسعى لكسب رضى الله من خلال السعي إلى الكمال، فالقلب الكامل هو القلب الذي يحب الله تمامًا.
◄ ما هي أكبر تجربة في كنيستك، الدُنيويَّة أم الناموسيَّة؟ ناقش كيف يمكن للحب العميق لله أن يُقدِّم الرد الصحيح على أي من هاتين المشكلتين. ناقش الخطوات العمليَّة التي تُحفِّز على محبة الله بين من تخدمهم.
مفتاح حياة القداسة: محبة الله
نحن نحب الله فقط إذا أطعناه بالكامل. ونحن نُطيع الله تمامًا فقط إذا كنا نُحبه حقًا. كأبناء الله، يمكننا أن نتجاوز خدمة الله كواجب. يمكننا أن نصل إلى النقطة التي تُسعدنا فيها خدمته. تأتي هذه البهجة فقط من الحب. الطفل الذي يُطيع والديه فقط بدافع الخوف أو الواجب لا يجد الفرح في الطاعة. الطفل الذي يُطيع بدافع الحب يجد في الطاعة فرحًا.
عندما تدرِس طفلة آلة الكمان، يجب أن تتدرَّب يوميًا. في البداية، قد تكون الممارسة واجبًا وليست فرحًا. ولكن إذا كانت الطفلة تريد أن تصبح عازفة كمان ممتازة، فعليها أن تصل إلى النقطة التي يكون فيها العزف على الكمان أكثر من مجرد واجب. يجب أن يكون سبب فرحة لها. الواجب هو عندما تمارس الطفلة الموسيقى لأن والدتها تقول: "يجب أن تتدرَّبي". البهجة هي عندما تعزف الطفلة لأنها تستمتع بالعزف. يجد عازف الكمان الحقيقي البهجة في واجب الممارسة.
وينطبق الشيء نفسه على حياتنا الروحيَّة. يقرأ الشخص المُقدَّس كلمة الله كتدريب روحي، لكنه يُسر أيضًا بكلمة الله. تصبح طاعة الله واجبًا وفرحة.
فَكِّر في الاختلاف عندما نخدم الله بدافع اللذة وليس الواجب. تصبح الطاعة فرحة وليست عبئًا. تصبح الصلاة وكلمة الله وتدريبات الحياة المسيحيَّة فرحة، هذا هو معنى محبة الله. يُطيع القدِّيسون بفرح لأنهم يحبون الله.
صلَّى جورج كرولي (George Croly)، وهو كاهن أنجليكاني من القرن التاسع عشر، لكي "يفطمه" الله عن المحبة الأرضيَّة ويملأهُ بـ "شغف مُقدَّس" نقي تجاه الله. تظل هذه الترنيمة صلاة قويَّة لكل مسيحي يسعى إلى أن يحب الله محبة كاملة غير مُنقسمة.
[8]Adapted from John N. Oswalt, “Dangers to Holiness: Perfectionism and Legalism.” Retrieved from https://www. gbs.edu/dangers-to-holiness-perfectionism-and-legalism/ December 20, 2019.
يا روح الله، انزل على قلبي - جورج كرولي
يا روح الله، انزل على قلبي.
افطمه عن الأرض، طوال كل نبضاته.
تعطَّف على ضعفي، أيها القدير،
واجعلني أحبك كما يجب أن أحب.
علِّمني أن أحبك كما تحبَّك ملائكتك،
شغف مُقدَّس واحد يملئني كلي.
معموديَّة الحمامة التي نزلت من السماء،
قلبي مذبح وحبك اللهيب.
لقد وجد السر - جون سونغ
كان جون سونغ (John Sung) أحد أعظم المُبشِّرين في القرن العشرين. كان ابن قس ميثودي في مقاطعة فوجيان بالصين، وأصبح مسيحيًّا في سن التاسعة.
جاء سونغ إلى الولايات المَّتحدة للدراسة في سن التاسعة عشرة. وإذ كان طالبًا لامعًا، أنهى جون سونغ درجات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في الكيمياء في ست سنوات فقط. ولكن يا للأسف، خلال هذه الفترة، بدأ سونغ يشك في التعاليم الكتابيَّة التي تعلَّمها من والده.
قرَّر سونغ قضاء عام في معهد الاتحاد اللاهوتي بحثًا عن إجابات لأسئلته. لكن بدلاً من تقديم إجابات، قوَّض الأساتذة الليبراليون في الاتحاد إيمان سونغ بدرجة أكبر.
في عام 1926، حضر جون سونغ خدمة في هارلم. في تلك الليلة، شهدت فتاة تبلغ من العمر خمسة عشر عامًا عن التغيير الذي أحدثه الله في حياتها. بدأ "سونغ" في البحث عن علاقة متجدِّدة مع الله. أصبح أساتذة كليَّة اللاهوت مُقتنعين بأن جون سونغ كان مريضًا عقليًّا وأرسل رئيسها، هنري سلون كوفين (Henry Sloan Coffin) سونغ إلى مصحَّة لعلاج المجانين. خلال الـ 193 يومًا التي قضاها في المصحَّة، قرأ جون سونغ الكتاب المُقدَّس بأكمله أربعين مرة.
بعد إطلاق سراحه، عاد جون سونغ إلى الصين. عرف الدكتور سونغ أنه يمكن أن يشغل منصبًا تدريسيًّا في أي جامعة صينيَّة مرموقة. ولكن، على متن السفينة، كان الله يدعو سونغ إلى تسليم أعمق لحياته. وذات يوم، وكرمز لتسليمه وكوسيلة لقطع أي روابط بمهنة التدريس، جمع الدكتور سونغ شهاداته وجوائزه الأكاديمية وألقاها في البحر.
وصل جون سونغ إلى الصين ليس بصفته "د. جون سونج، أستاذ الكيمياء" ولكن بصفته "جون سونج، خادم الله". بدأ سونغ بالوعظ وكان لديه خدمة تبشيريًّة قويَّة. يُقدِّر المؤرخون أن أكثر من مئة ألف شخص قد اهتدوا في ظل خدمة جون سونغ بين عودته إلى الصين في عام 1927 ووفاته في عام 1944 في سن الحادية والأربعين.
تُظهِر حياة جون سونغ أن محبة الله هي أكثر من مجرَّد عاطفة. بسبب محبته لله، تخلَّى الدكتور سونغ عن طموحه في الحصول على وظيفة تدريس مرموقة في إحدى الجامعات الصينيَّة واستجاب لدعوة الله للوعظ. بسبب محبته لله، تخلَّى جون سونغ عن وسائل الراحة التي يمكن أن يوفِّرها المنصب جيد الأجر، وعاش حياة بسيطة، وأكل طعام الفلَّاحين. بسبب محبته لله، أمضى جون سونغ ساعات كل يوم في الصلاة ودراسة الكتاب المُقدَّس. سيطرت محبته لله على حياته، وبسبب تلك المحبة، استخدم الله جون سونغ ليقود الآلاف إلى المسيح.
مراجعة الدرس 7
(1) أن تكون مُقدسَّا يعني أن تُحب الله.
(2) يجد القدِّيسون أعظم بهجة لهم في الله.
(3) ولأنهم يعرفون أن شريعة الله تعكس محبته، يفرح القدِّيسون بشريعة الله.
(4) أولئك الذين يفرحون بالله يجدون أن الله يعطي نفسه لهم.
(5) قدَّم يسوع النموذج المثالي لما يعنيه أن نحب الله.
(6) الرد على الدُنيويَّة هو الحب العميق لله.
(7) الرد على الناموسيَّة هو الحب العميق لله.
تكليفات خاصة بالدرس
(1) تخيَّل أن مسيحيًّا جديدًا قال لك: "أريد أن تكون لدي علاقة أعمق مع الله. أنا أحب الله، لكن من الصعب أن أعرف كيف أنمو في علاقتي معه. لا أستطيع أن أرى الله ولذا يبدو بعيدًا. ماذا أفعل؟" اكتب رسالة من صفحة إلى صفحتين تُساعد فيها هذا المؤمن على فهم كيفيَّة نمو علاقته مع الله. قم بتضمين خطوات عمليَّة لقراءة الكتاب المُقدَّس، وتطوير حياة الصلاة، ومشاركة إيمانك. في اجتماع الفصل التالي، يجب على كل طالب قراءة إجابته والحصول على وقت لمناقشة الإجابات.
(2) ابدأ حصة الفصل التالية باقتباس مرقس 12: 29-31.
SGC exists to equip rising Christian leaders around the world by providing free, high-quality theological resources. We gladly grant permission for you to print and distribute our courses under these simple guidelines:
No Changes – Course content must not be altered in any way.
No Profit Sales – Printed copies may not be sold for profit.
Free Use for Ministry – Churches, schools, and other training ministries may freely print and distribute copies—even if they charge tuition.
No Unauthorized Translations – Please contact us before translating any course into another language.
All materials remain the copyrighted property of Shepherds Global Classroom. We simply ask that you honor the integrity of the content and mission.