[1]في وقت مُبكِّر من صباح الأحد بعد ثلاثين عامًا من صعود يسوع، كان هناك مجموعة من المسيحيين يجتمعون للعبادة في منزل خاص في فيلبي. إنهم مُتحمِّسون لأنهم تلقُّوا رسالة من بولس، راعيهم المحبوب.
يبدأ القائد في قراءة رسالة بولس. يكتب بولس من قلب يفيض بالفرح، على الرغم من وجوده في سجن روماني، إلا إنه يفرح بالمسيح. لا يعرف بولس ما إذا كان سيُطلَق سراحه أم سيُقتَل، لكنه ينعم بالسلام. لماذا؟ "لأَنَّ لِيَ الْحَيَاةَ هِيَ الْمَسِيحُ وَالْمَوْتُ هُوَ رِبْحٌ"[2].
كأب روحي لهم، يشجِّع بولس المؤمنين في فيلبي على الاستمرار في النمو في إيمانهم المسيحي. إنه يريد أن يرى هؤلاء المؤمنين الناضجين الشعب المُقدَّس الذي دعاهم الله ليكونوه. يكتب بولس: "فَقَطْ عِيشُوا كَمَا يَحِقُّ لإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ"[3]. نعيش بطريقة تليق بالإنجيل؟ كيف يمكن أن يكون هذا؟
إجابة بولس هي: عِش بفكر المسيح. "فَلْيَكُنْ فِيكُمْ هذَا الْفِكْرُ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ أَيْضًا"[4]. إذا كان لدى المسيحيين في فيلبي فكر المسيح، فسيكونون مثل المسيح. سر حياة القداسة هو العيش بفكر المسيح. القداسة هي التَشبُّه بالمسيح.
[1]صلاة لطلب القداسة "أنا لم أعد مِلك نفسي، بل مِلكك. ضعني أينما تريد، رَتِّب حياتي مع من تريد. اجعلني أفعل، اجعلني أتألَّم. دعني أشتغل لأجلك أو أكون بلا عمل لأجلك، ارتفِع لأجلك، أو أنخفِض لأجلك. دعني امتلئ، دعني أفرغ. سواء امتلكت كل شيء، أو لم أملُك شيئًا. فأنا بإرادتي ومن قلبي أُسلِّم كل شيء لمسرتك وليكن تحت تصرُّفك. والآن، أيها الإله المجيد والمبارك، الآب والابن والروح القدس، أنت لي، وأنا لك." -جون ويسلي
كل مسيحي مدعو لأن يكون مُقدَّسًا. "كَمَا اخْتَارَنَا [الله] فِيهِ [في المسيح] قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، لِنَكُونَ قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ قُدَّامَهُ فِي الْمَحَبَّةِ"[1]. كان هدف الله الأزلي في الخلاص هو جعلنا شعبًا مُقدَّسًا.
لم يفاجأ أي مسيحي يهودي في القرن الأول بقراءة أن المسيحيين مدعوون ليكونوا قدِّيسين، فقد أمر الله بالقداسة في سفر اللاويين، عرف المسيحيون اليهود أن الله يتوقَّع أن يكون شعبه مُقدَّسًا.
ولكن، نشأ الأُمميُّون وهم يعبدون آلهة وثنيَّة لم تكن مُقدَّسة. كانت رسالة القداسة غريبة بالنسبة للأُمم. كتب بطرس إلى المسيحيين من غير اليهود الذين "افْتُدِيتُمْ ... مِنْ سِيرَتِكُمُ الْبَاطِلَةِ الَّتِي تَقَلَّدْتُمُوهَا مِنَ الآبَاءِ"[2]. كان هؤلاء الناس وثنيين ليس لديهم مفهوم عن البر الحقيقي، لكن بطرس دعاهم إلى حياة مُقدَّسة.
عَلَّم الرسل المُهتدين من الأمم كيف يعيشون حياة القداسة. لقد عَلَّموا هذه الرسالة بشكل إيجابي: "هذا ما يجب عليكم فعله". كما عَلَّموا هذه الرسالة بشكل سلبي: "هذا ما يجب ألا تفعلوه".
أربعون مرَّة، تشير الرسائل إلى المؤمنين بكلمة "قدِّيسين". ليس قدِّيس العهد الجديد شخصًا مات منذ فترة طويلة ويتم تصويره على الزجاج المُعشَّق في كاتدرائية أوروبيَّة ضخمة، القدِّيس هو أي شخص يعيش كما دعا الله شعبه ليعيشوا. كل مسيحي مدعو لأن يكون مُقدَّسًا، كل مسيحي مدعو لأن ليكون قدِّيسا.
أوصى الرسل المؤمنين بالسعي وراء القداسة
ذكّر بولس المؤمنين في كورنثوس بأنهم "هيكل الله الحي."[3]كان الهيكل مكانًا مقدسًا للعبادة. ولأننا هيكل الله، "لِنُطَهِّرْ ذَوَاتِنَا مِنْ كُلِّ دَنَسِ الْجَسَدِ وَالرُّوحِ، مُكَمِّلِينَ الْقَدَاسَةَ فِي خَوْفِ اللهِ"[4].
شعب الله مدعو إلى "أَنْ تَخْلَعُوا مِنْ جِهَةِ التَّصَرُّفِ السَّابِقِ الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ الْفَاسِدَ" و " وَتَلْبَسُوا الإِنْسَانَ الْجَدِيدَ."[5]كتب بولس أن المسيح "بَذَلَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، لِكَيْ يَفْدِيَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ، وَيُطَهِّرَ لِنَفْسِهِ شَعْبًا خَاصًّا غَيُورًا فِي أَعْمَال حَسَنَةٍ."[6]أوصى كاتب العبرانيين قرائه بأن "اِتْبَعُوا السَّلاَمَ مَعَ الْجَمِيعِ، وَالْقَدَاسَةَ الَّتِي بِدُونِهَا لَنْ يَرَى أَحَدٌ الرَّبَّ."[7]شعب الله مدعو ليكونوا قديسين.
صلّى الرسل لكي يتقدّس المسيحيون
صلى بولس من أجل أن يتقدس شعب الله.
◄ اقرأ ١ تسالونيكي ١: ٢- ١٠.صِف المسيحيين في تسالونيكي في بداية رسالة بولس.
كان الأشخاص الذين تلقوا رسالة بولس إلى الكنيسة في تسالونيكي مسيحيين حقيقيين. كانوا معروفين بإيمانهم وحبهم وثبات رجائهم. كانوا "إخوة أحبهم الله." لقد وصلتهم البشارة ليس "بِالْكَلاَمِ فَقَطْ، بَلْ بِالْقُوَّةِ أَيْضًا، وَبِالرُّوحِ الْقُدُسِ، وَبِيَقِينٍ شَدِيدٍ." لقد "قَبِلْتُمُ الْكَلِمَةَ فِي ضِيق كَثِيرٍ، بِفَرَحِ الرُّوحِ الْقُدُسِ." وكانوا "قُدْوَةً لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ فِي مَكِدُونِيَّةَ وَفِي أَخَائِيَةَ." لقد تحولوا "إِلَى اللهِ مِنَ الأَوْثَانِ، لِتَعْبُدُوا اللهَ الْحَيَّ الْحَقِيقِيَّ."
ولكن، لا يزال هؤلاء المسيحيون بحاجة إلى اختبار أعمق مع الله. كانوا مقدسين. عند الولادة الجديدة، بدأ الله في تقديسهم. ولكن، يصلى بولس:
كانت هذه الصلاة مهمة بالنسبة لبولس. لقد كان يصلي "طَالِبِينَ لَيْلاً وَنَهَارًا أَوْفَرَ طَلَبٍ، أَنْ نَرَى وُجُوهَكُمْ، وَنُكَمِّلَ نَقَائِصَ إِيمَانِكُمْ."[9]كان هؤلاء الناس مسيحيين حقيقيين. لكن بولس كان يعلم أن هناك شيئًا ما ينقصهم. هذا لا يعني أنهم كانوا مسيحيين "معيبين"؛ لأن بولس كان قد أثنى عليهم بالفعل لاختبارهم المسيحي.
لم يكن هناك "عيب" في اختبارهم المسيحي، لكن بولس كان يعلم أنهم بحاجة إلى مزيد من النمو. لقد تقدسوا، لكنه صلى أن الله "يقدسكم بالتمام." صلى أن يقدسهم الله طوال الوقت. وصلى أن يطهر الله "أرواحهم ونفوسهم وأجسادهم."
وعدت الرسائل بأن المسيحيين يمكن أن يكونوا مقدسين
عندما صلى لأجل أهل أفسس حتى "تَمْتَلِئُوا إِلَى كُلِّ مِلْءِ اللهِ،" كان بولس واثقًا من أن الله سيستجيب صلاته لأنه كان يصلي لـ "الْقَادِر أَنْ يَفْعَلَ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ، أَكْثَرَ جِدًّا مِمَّا نَطْلُبُ أَوْ نَفْتَكِرُ، بِحَسَبِ الْقُوَّةِ الَّتِي تَعْمَلُ فِينَا ..."[10]ليست دعوة الله للقلب المقدس وصية مستحيلة. دعوة الله متاحة لكل مؤمن.
عندما صلى من أجل مؤمني تسالونيكي، كان بولس واثقًا من أن الله سيستجيب صلاته. بعد صلاته التي قال فيها: "وَإِلهُ السَّلاَمِ نَفْسُهُ يُقَدِّسُكُمْ بِالتَّمَامِ،" ألحق بها هذا الوعد، "أَمِينٌ هُوَ الَّذِي يَدْعُوكُمُ الَّذِي سَيَفْعَلُ أَيْضًا."[11]تعد الرسائل بأننا يمكن أن نكون مقدسين.
كشف الله في العهد القديم عن رسالة القلب المقدس والأيادي الطاهرة من خلال الناموس والأنبياء. في حياة يسوع المسيح، أعطى الله نموذجًا للحب الكامل. أظهر المسيحيون الأوائل في سفر أعمال الرسل أنه من الممكن للمؤمنين العاديين أن يعيشوا حياة مقدسة بقوة الروح القدس. في الرسائل، يتم تطبيق رسالة القداسة على حياة المؤمن اليومية.
القداسة هي قلب ذهن يشبه المسيح
تعلم الرسائل أن القداسة هي التشبه بالمسيح. يجب أن يكون المؤمنون مثل المسيح. أن تكون مقدسًا يعني أكثر من مجرد السلوك الظاهري. تبدأ القداسة في القلب. أن نكون قديسين يعني أن نكون مثل المسيح في قلوبنا وعقولنا.
لا يقول بولس، "يجب أن تتصرف مثل يسوع المسيح." لكنه يصر، "يجب أن تكون مثل يسوع المسيح." لا يكفي الاقتداء بالمسيح من الخارج فقط. يجب أن نكون مثله في الداخل. هدف الله هو تغيير شعبه إلى صورة المسيح. "لأَنَّ الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابْنِهِ."[1]إن هدف الله الأزلي هو جعلنا على صورة المسيح. هذا ما يعنيه أن تكون مقدسًا.
نجد أحد أكثر الأمثلة المذهلة على هذه الفكرة في رسالة بولس إلى كورنثوس. كانت هذه الكنيسة مليئة بالمشاكل، ومع ذلك خاطبهم بولس بصفتهم "قديسين" ودعاهم إلى حياة مقدسة. كيف يمكن لهذه المجموعة من المؤمنين غير الناضجين، الذين يصارعون للتغلب على ماضيهم الوثني، أن يأملوا في أن يكونوا قديسين؟ أجاب بولس، "لأَنَّه جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيهِ."[2]
لأن المسيح أصبح خطية من أجلنا، يمكننا أن نصبح "بر الله". في العهد القديم، غطى دم ذبائح الخطية خطايا أولئك الذين أتوا إلى الله بالإيمان. اليوم، يغطي دم المسيح خطايا الذين يأتون إلى الله بالإيمان. لكن بولس يعد بأكثر من مجرد التغطية. نحن لسنا فقط "مغطين"؛ نحن نتغير. لأننا "تصالحنا مع الله،" فقد أصبحنا "بر الله". يكتب بولس:
تحمل كلمة "بِالتَّمَامِ" فكرة أن تكون مقدسًا في جميع جوانب طبيعتها. يمكن ترجمة هذه الآية "يقدسكم بكل معنى الكلمة." صلى بولس أن يتغير هؤلاء المؤمنون "في كل روحهم ونفسهم وجسدهم". ووعد: "أَمِينٌ هُوَ الَّذِي يَدْعُوكُمُ الَّذِي سَيَفْعَلُ أَيْضًا."[5]
يؤثر هذا التغيير على جميع مجالات الحياة. في رسالة فيلبي يكتب بولس عن طريقة جديدة في التفكير. ويسميها "فكر المسيح". يصف بولس خضوع يسوع الطوعي لإرادة الآب. حيث "وَضَعَ [يسوع] نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ."[6]
لا يقول بولس، "إن تواضع المسيح سيكون طريقة جيدة للحياة، لكن بالطبع من المستحيل بالنسبة لي ولك أن يكون لدينا هذا التوجه." بل يقول، "فَلْيَكُن فِيكُمْ هذَا الْفِكْرُ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ أَيْضًا."[7]هذا الفكر لك. يمكنك أن تكون مثل المسيح!
يمكننا أن تكون لدينا نفس روح الخضوع المحب التي وجهت خضوع يسوع لإرادة الآب. يمكن أن يكون لنا فكر المسيح. يمكننا أن ننظر إلى الحياة بعيون يسوع المسيح. هذا لا يحدث من خلال اتخاذ قرارات جيدة، ولكن من خلال قلوب متغيرة. نحن مدعوون لنكون مثل المسيح لا في الأفعال وحدها، بل ومن القلب. نحن مدعوون ليكون لنا فكر المسيح.
القداسة هي السلوك المشابه للمسيح
قد يرد بعض الناس، "قلبي يشبه المسيح، لكن أفعالي ليست كذلك. داخليًا، دوافعي جيدة، ولكن ظاهريًا لا أعيش مثل المسيح." لم يستطع الرسل قبول هذا التقسيم بين طبيعتنا الداخلية وطبيعتنا الخارجية. ستظهر طبيعتنا الداخلية في أفعالنا الخارجية. أن نكون قديسين يعني أن نكون مثل المسيح في سلوكنا.
تظهر هذه الرسالة في جميع أجزاء الرسائل. قال بولس أن المسيح بذل نفسه لأجل الكنيسة "ليقدسها". بذل المسيح نفسه ليجعل عروسه مقدسة. إنه يجهز عروساً "لاَ دَنَسَ فِيهَا وَلاَ غَضْنَ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذلِكَ، بَلْ تَكُونُ مُقَدَّسَةً وَبِلاَ عَيْبٍ."[8]
هل يمكنك أن تتخيل عروسًا أرضية تقول لزوجها: "سأكون غير مخلصة لك بجسدي؛ ولكن قلبي سيكون طاهرا"؟ بالطبع لا! كذلك لا يستطيع بولس أن يتخيل عروس المسيح وهي تقول، "قلبي مقدس، لكن أفعالي ستكون غير مقدسة." الكنيسة مدعوة لتكون عروساً "بلا دَنَسَ فِيهَا وَلاَ غَضْنَ."
كتب بولس إلى المسيحيين في تسالونيكي. ضمت هذه الكنيسة كلاً من المؤمنين اليهود والمهتدين من العبادات الوثنية في تسالونيكي. عرف المؤمنون اليهود وصايا العهد القديم بالسلوك المقدس، لكن الوثنيين عاشوا في جو من الفجور الجنسي.
علّم بولس هؤلاء المؤمنين الجدد معنى أن يعيشوا حياة مقدسة. صلى إلى الله "لِكَيْ يُثَبِّتَ قُلُوبَكُمْ بِلاَ لَوْمٍ فِي الْقَدَاسَةِ، أَمَامَ اللهِ أَبِينَا."[9]كان على هؤلاء المؤمنين الجدد أن يكونوا قديسين في قلوبهم وأن يكونوا قديسين في سلوكهم. "لأَنَّ هذِهِ هِيَ إِرَادَةُ اللهِ: قَدَاسَتُكُمْ." التقديس لا يؤثر فقط على قلبهم؛ بل ويحدد سلوكهم:
أن تكون مقدسًا يعني أن يكون لديك قلب شبيه بالمسيح يحفز على السلوك المتشبه بالمسيح. أن تكون مقدسًا يعني أن تكون مثل المسيح.
القداسة هي محبة المسيح
تبين الأناجيل أن القداسة هي المحبة لله ومحبة القريب. يربط بولس بين السلوك المتشبه بالمسيح والمحبة المتشبهة بالمسيح. إنه يتحدى مسيحيي أفسس قائلًا "فَكُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِاللهِ كَأَوْلاَدٍ أَحِبَّاءَ." كيف سيتمثلون بالله؟ من خلال العيش بمحبة تشبه محبة المسيح. "وَاسْلُكُوا فِي الْمَحَبَّةِ كَمَا أَحَبَّنَا الْمَسِيحُ أَيْضًا وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، قُرْبَانًا وَذَبِيحَةً للهِ رَائِحَةً طَيِّبَةً."[11]
بينما يسلكون بمحبة مضحية بالنفس، يظهر المسيحيون صورة الله. أن تكون مقدسًا يعني أن تحب كما أحب المسيح. في رومية 14، يقدم بولس شرحًا عمليًا لهذه المحبة الشبيهة بالمسيح. إنه يدعو المؤمنين للتضحية بحرية الضمير من أجل الأخ الأضعف. لماذا؟ "فَإِنْ كَانَ أَخُوكَ بِسَبَبِ طَعَامِكَ يُحْزَنُ، فَلَسْتَ تَسْلُكُ بَعْدُ حَسَبَ الْمَحَبَّةِ."[12]إذا تسببت حريتي في تعثر أخي، فأنا لا أسلك بمحبة. لأن المسيح تنازل عن حقوقه بسبب محبته لنا. نحن مدعوون للتنازل عن حقوقنا بسبب محبتنا للآخرين. هذا هو الحب الذي يشبه محبة المسيح.
أشهر شرح قدمه بولس لما يعنيه أن تحب مثل المسيح هو 1 كورنثوس 13. يكتب بولس إلى كنيسة تتميز بالانقسام والسلوك الساعي إلى إثبات الذات والغيرة والكبرياء:
في رسالة يوحنا الأولى، شدد الرسول على الجوانب العملية للمحبة المتشبهة بالمسيح. تُظهر 1 يوحنا كيف تبدو المحبة المتشبهة بالمسيح.
الحب يتطلب الطاعة. إن كنا نحب الله فسنطيعه.[14]لا يمكننا الفصل بين الحب والطاعة.
الحب يتطلب اتجاه تفكير واحد. إذا كنا نحب الله، فلن نحب العالم. "إِنْ أَحَبَّ أَحَدٌ الْعَالَمَ فَلَيْسَتْ فِيهِ مَحَبَّةُ الآبِ.[15]" لا يمكننا أن نحب الله والعالم الذي يقاومه. الإنسان المقدس يحب الله بقلب غير منقسم.
الحب يتطلب علاقة. إذا أحببنا الله، فسنحب المسيحيين الآخرين. "إِنْ قَالَ أَحَدٌ: «إِنِّي أُحِبُّ اللهَ» وَأَبْغَضَ أَخَاهُ، فَهُوَ كَاذِبٌ."[16]يعلم يوحنا بأنه من المستحيل أن تحب الله بينما تكره أخاك المسيحي.
ما هي نتيجة هذه المحبة الشبيهة بمحبة المسيح؟ الثقة أمام الله. "إِنْ أَحَبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا، فَاللهُ يَثْبُتُ فِينَا، وَمَحَبَّتُهُ قَدْ تَكَمَّلَتْ فِينَا."[17]يمنحنا هذا الحب الكامل "الثقة ليوم الدينونة" و "يطرد الخوف" من العقاب.[18]
كيف سنعيش هذا الحب الكامل؟ "لأننا نعرف أن حياتنا في هذا العالم هي حياته المُعاشة فينا."[19]يمكننا أن نمثل المحبة التي تشبه محبة المسيح فقط بالمسيح الذي يعيش فينا.
كان لدى تومي رغبة في أن يكون شخصًا مقدسًا. يا للأسف، استند فهم تومي للقداسة إلى العاطفة والمشاعر أكثر من اعتماده على الكتاب المقدس. لهذا السبب، انتقل تومي من تعاليم متطرفة إلى غيرها.
لفترة من الوقت، صام تومي كثيرًا، وصلى لساعات، وحاول أن يهذب ويدرب نفسه على القداسة. كان على يقين من أننا نصبح قديسين من خلال انضباطنا الذاتي.
سرعان ما أصيب تومي بالإحباط وتخلّى عن هذا الجهد. أصبح مهملاً في التدريبات الروحية وبدأ يستسلم للخطية. عندما سألته عن أحد نواحي الخطية، أجاب تومي: "أنا أعيش بالنعمة ولست بحاجة إلى تهذيب. سيجعلني الله مقدسًا عندما يكون مستعدًا."
في وقت آخر، صلى تومي بجدية من أجل موهبة روحية درامية. قرر أن القداسة تدور حول المواهب الروحية والقوة الخارجية.
استند بحث تومي عن القداسة على العاطفة وليس على القراءة المتأنية للكتاب المقدس. لم يدرس الكتاب المقدس لفهم كيفية عيش القداسة في الحياة اليومية.
تعلم الرسائل حقائق مهمة عن حياة القداسة. إذا نسينا هذه المبادئ، سنصبح غير متوازنين في فهمنا للقداسة. كتب الرسل ليوضحوا لنا كيف نعيش حياة القداسة التي دعانا الله إليها.
لقد تقُدّستَ. كما أن عملية التقديس جارية
عندما كتب بولس إلى "القديسين،" كان يقول، "أنتم مقدسون." القديس هو شخص مقدس بالفعل، لكن بولس كتب لهؤلاء القديسين، "يجب أن تكونوا قديسين." أنتم مقدسون؛ يجب أن تستمروا في النمو في القداسة.
يظهر هذا التوازن مرارًا وتكرارًا في الرسائل. كمؤمنين، نحن مقدسون بالفعل، لكننا نستمر في النمو في القداسة بينما نسير في طاعة لله.
ثم يتابع الكاتب، "لأَنَّهُ بِقُرْبَانٍ وَاحِدٍ قَدْ أَكْمَلَ إِلَى الأَبَدِ الْمُقَدَّسِينَ."[2]تتضمن هذه الجملة كلمتين تتعلقان بموضوع القداسة. من خلال موته، أكمل المسيح (تيليوس) أولئك الذين "يتقدسون" (هاجيازو). تخبرنا هذه الآية بما يلي:
لقد جعلنا قديسين: "قَدْ أَكْمَلَ إِلَى الأَبَدِ ..."
مات المسيح لكي نتحرر من قوة الخطية. "لِذلِكَ يَسُوعُ أَيْضًا، لِكَيْ يُقَدِّسَ الشَّعْبَ بِدَمِ نَفْسِهِ، تَأَلَّمَ خَارِجَ الْبَابِ."[3]تحقق هدف الله في تقديس شعبه من خلال موت يسوع. لقد أكملنا.
نحن يجري تقديسنا: "الذين يتقدسون"
لقد حقق موت المسيح هدف الله في التقديس إلى الأبد، لكن نمونا في القداسة يستمر طوال حياتنا كلها. إنها عملية مستمرة. بموت المسيح نحن قديسون. بموت المسيح نتقدس.
توضح شهادة بولس هذا المبدأ. في فيلبي 3، كتب بولس أنه ليس كاملاً بعد، ولكن بعد عدة آيات، أشار إلى نفسه على أنه شخص كامل بالفعل ("جَمِيعُ الْكَامِلِينَ مِنَّا"). تأتي كلتا الكلمتين المكتوبتين بخط عريض في الاقتباس التالي من تيليوس. كلتا الكلمتين يمكن ترجمتهما بمعنى "الكمال".
يقول بولس، "أنا لست كاملاً بعد." ثم يتابع، "أولئك الكاملون منا." لم يصل بولس إلى الهدف بعد؛ لكنه ينمو في القداسة. بهذا المعنى، فهو ليس كاملاً بعد. لكن بول يجهد كل عضلة في طريقه نحو الهدف. إنه ملتزم بإنهاء السباق. بهذا المعنى، فبولس كامل بالفعل. يمكن أن يقول بولس "أنا لست كاملاً بعد" و "أنا كامل" في نفس الفقرة.
أن نكون كاملين لا يعني أننا تسلقنا سلمًا من الأعمال التي تجعلنا مثاليين. وإنما، هذا يعني أننا استسلمنا بالكامل لنعمة الله في حياتنا. إنها اختبار لحظي من حيث إن هناك لحظة من الزمن يعيد الله فيها توجيه قلوبنا في اتجاهه. كما إنها عملية من حيث إن حركتنا نحوه ستستمر بقية حياتنا.[5]
فكر في لاعب جولف يضرب الكرة فتصيب الحفرة؛ إنها ضربة مثالية. لا تصبح الضربة مثالية عندما تهبط في الحفرة. بل أثناء تحركها في الهواء، تكون الضربة مثالية بالفعل؛ فهي في الطريق إلى الحفرة. إنها مثالية منذ اللحظة التي يضرب فيها لاعب الجولف الكرة.[6]
بنفس الطريقة، كان بولس متجهًا نحو الهدف النهائي. لقد حدد مساره وكان يتجه نحو الهدف بقلب غير منقسم. لم يكن قد وصل إلى الهدف بعد، لكنه كان في طريقه نحو الهدف. لم يكن كاملًا بعد. ومع هذا كان كاملًا بالفعل.
كمؤمنين، نحن "قديسون" مقدسون قبلنا الله من خلال المسيح، لكننا مدعوون أن نقدم أنفسنا كـ "ذبائح حية" تستمر في النمو في الطاعة والتسليم اليومي.[7]لقد تقدسنا بالفعل؛ كما أن عملية تقديسنا لا تزال تجري.
أنتم قديسون. يجب أن تعيشوا كقديسين
كتب بولس إلى "القديسين" الذين عاشوا في كورنثوس. رسالة كورنثوس الأولى موجهة إلى القديسين، "الْمُقَدَّسِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ."[8]2 كورنثوس موجهة "إِلَى كَنِيسَةِ اللهِ الَّتِي فِي كُورِنْثُوسَ، مَعَ الْقِدِّيسِينَ أَجْمَعِينَ الَّذِينَ فِي جَمِيعِ أَخَائِيَةَ."[9]لقد كانوا قديسين - لكن كان لديهم الكثير ليتعلموه عن العيش كقديسين.
هناك طريقتان يسيء بهما المسيحيون فهم هذه الحقيقة. أولاً، يقول بعض المسيحيين، "لقد دُعيت قديساً لأن الله يرى بر المسيح بدلاً من خطيتي. إن قداستي هي "خيال قانوني". لن أكون أبدًا قديسًا في هذا العالم، لكن الله يدعوني مقدسًا على أي حال." توضح رسالة رومية 6 أن هذه الإجابة غير مقبولة لدى بولس. يجب أن يعيش الشعب المقدس حياة مقدسة.
ثانيًا، يقول مسيحيون آخرون، "أنا قديس. أنا لا أقصر أبدا عن مستوى الذي يطلبه الله بالنسبة للكمال المطلق. أنا لا أتوب أبدًا لأنني لا أخطئ أبدًا. أنا قديس!" يرفض بولس هذا الخطأ بقوة كما يرفض الخطأ الأول. فقد كتب بولس ليعلم "القديسين" في كورنثوس أن يعيشوا حياة مقدسة. لأنهم يفتقرون إلى المعرفة والنضج، لذلك يعلم بولس هؤلاء القديسين كيف يعيشون كقديسين. يجب أن يعيش الشعب المقدس حياة مقدسة.
كانت مدينة كورنثوس سيئة السمعة بسبب سلوك مواطنيها الشرير. يدعو بولس المؤمنين الذين يعيشون في هذه المدينة الشريرة إلى السلوك المقدس. عليهم أن يتجنبوا الفجور الجنسي لأن "أجسادهم أعضاء المسيح."[10]يسرد بولس السلوكيات المحظورة في ملكوت الله:
بعد هذه القائمة من الخطايا، يلاحظ بولس، "وَهكَذَا كَانَ أُنَاسٌ مِنْكُمْ." يكتب بولس إلى جمهور مارس هذه الخطايا. كمؤمنين، يتوقع بولس منهم التخلي عن أسلوب حياتهم السابق. بالنظر إلى ماضيهم الخاطئ، كيف يمكن لهؤلاء الناس أن يعيشوا حياة نقية؟ يجيب بولس:
لقد تم محو الخطايا المذكورة في 1 كورنثوس 6: 9-10 بالتحول المذكور في 1 كورنثوس 6:11. هذا التحول ليس مجرد صفقة قانونية؛ لا يلمح بولس في أي مكان إلى أنك، "ستستمر في ارتكاب هذه الخطايا، لكن الله سيحسبك بارًا على الرغم من سلوكك الشرير." كلا! بل يقول: "وَهكَذَا كَانَ أُنَاسٌ مِنْكُمْ. لكِنِ اغْتَسَلْتُمْ." يجب على مؤمني كورنثوس ألا يعودوا أبدًا إلى خطاياهم الماضية. يقول بولس: "أنتم قديسون. فتصرفوا كقديسين!" لقد تم غسلهم. وتم تقديسهم. جعلوا قديسين. إنهم قديسون. يجب أن يعيشوا كقديسين.
عندما يلتحق الشاب بالجيش، يُمنح زيًا رسميًا يميزه كجندي. في الوقت نفسه، يتم إعطاؤه دليلًا يحتوي على قواعد السلوك في الجيش. الزي وحده لا يكفي. يجب أن يعيش وفقًا لقواعد السلوك.
يستغرق تعلم قانون السلوك وقتًا أطول من ارتداء الزي الرسمي. يجب أن يتعلم الجندي الجديد كيف يعيش بطريقة تناسب زيه العسكري. يجب أن ينضج كجندي. في كثير من الأحيان، يجب تذكير هذا الجندي الشاب بقواعد الجيش. هل أداؤه ممتاز؟ لا. لكن، هل التزامه بأن يكون جندياً كاملاً؟ نعم. في اليوم الأول في الجيش هو جندي. لكنه سيقضي أيامًا كثيرة في تعلم كيفية العيش كجندي.
تخيل شابًا يقول، "أريد أن أصبح جنديًا، لكني لا أريد اتباع قانون السلوك." فيشتري زيًا عسكريًا لكنه لا يلتزم بقواعد السلوك. هل هو جندي حقيقي؟ لا، إنه يتظاهر فقط بأنه جندي.
الرسائل مكتوبة للمؤمنين الذين "لبسوا المسيح". الآن هم يتعلمون أن يعيشوا حياة مقدسة. في أفسس 4-6، نتعلم كيف تبدو حياة القداسة في العلاقات الأسرية، في العلاقات داخل الكنيسة، وفي أخلاقيات العمل. في غلاطية 5، نتعلم ثمر الحياة التي نعيشها مع الروح القدس. في رسالة بطرس الأولى، نتعلم كيف نعيش حياة مقدسة في وجه الاضطهاد. عندما نقرأ يعقوب، نتعلم كيف يسيطر الشخص المقدس على لسانه.
كتب بولس للمؤمنين في كولوسي، "لأَنَّكُمْ قَدْ مُتُّمْ وَحَيَاتُكُمْ مُسْتَتِرَةٌ مَعَ الْمَسِيحِ فِي اللهِ." هؤلاء المؤمنون ماتوا للخطية. إنهم أحياء للمسيح. لم يعودوا أسرى الخطية. إنهم مقدسون. لكن بولس يتابع، "فَأَمِيتُوا أَعْضَاءَكُمُ الَّتِي عَلَى الأَرْضِ."[13]انت ميت عن الخطية. أقتل الخطية. أنتم قديسين. يجب أن تعيشوا كقديسين.
يقول بولس، "يومًا بعد يوم، يجب أن تستمر في طلب الأشياء السماوية. يومًا بعد يوم، يجب أن تستمر في تركيز عقلك على أمور الله." مفتاح حياة القداسة هو أن تضع عقلك على أمور الله. لقد صرت مقدسًا ("لقد أُقمت مع المسيح")، فكن قديسًا ("اهتم بما فوق").
ما هي نتيجة حياة القداسة؟ "مَتَى أُظْهِرَ الْمَسِيحُ حَيَاتُنَا، فَحِينَئِذٍ تُظْهَرُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا مَعَهُ فِي الْمَجْدِ."[15]تؤهلك حياة القداسة لقضاء الأبدية مع الله القدوس. "وَسَارَ أَخْنُوخُ مَعَ اللهِ، وَلَمْ يُوجَدْ لأَنَّ اللهَ أَخَذَهُ."[16]لقد أعدت المسيرة المقدسة مع الله في هذا العالم أخنوخ ليقضي الأبدية مع الله. يعدنا السير مع الله في هذا العالم "للظهور مع المسيح في المجد".
لقد كُتبت الرسائل إلى القديسين. لقد جُعلنا قديسين بدم يسوع المسيح. لقد خلعنا الإنسان العتيق ولبسنا الإنسان الجديد. الآن، نحن نتعلم يومًا بعد يوم معنى أن نكون مقدسين. إننا نتغير يومًا بعد يوم إلى صورة الله. هل أداؤنا مثالي؟ لا. ولكن هل التزامنا بأن نكون مقدسين كامل؟ نعم. نحن قديسين. نحن نتعلم كيف نعيش كقديسين.
الله هو من يجعلك مقدسًا. يجب أن تتبع القداسة
قال الله في سفر اللاويين، "فَتَتَقَدَّسُونَ وَتَكُونُونَ قِدِّيسِينَ." كانت هذه وصية يجب على الشعب اتباعها. في الآية التالية وعد الله "أَنَا الرَّبُّ مُقَدِّسُكُمْ."[17]كان هذا وعدًا بما سيفعله الله. لنفهم القداسة، يجب أن نوازن بين حقيقتين:
(1) القداسة هبة من الله. الله هو من يجعل شعبه مقدسًا.
(2) القداسة وصية من الله. الله يأمر شعبه أن "يتبعوا القداسة".
تذكر الفريسيون فقط، "عليك أن تتبع القداسة". لقد اعتقدوا أنه يمكنهم أن يصبحوا مقدسين من خلال جهودهم الخاصة. تجيب الرسائل، "الله هو من يجعلك مقدساً."
ذهب بعض المسيحيين في الكنيسة الأولى إلى العكس تمامًا. لقد اعتقدوا أنه، "إذا أراد الله أن يجعلنا مقدسين، فهو سيفعل ذلك. نحن لا نفعل شيئا." تجيب الرسائل، "عليك أن تسعى وراء القداسة."
يعتبر كل من التسليم والسعي مهمان في التقديس. الله هو من يجعلنا قديسين. ولكن يجب علينا السعي وراء القداسة. نحن نستسلم لله ونسمح له أن يغيرنا، لكننا نجتهد إلى الأمام نحو هدف الله لنا.[18]لقد فهم بولس أن الثقة في وعود الله لا تعني أننا لم نعد نسعى نحو الهدف. نحن مخولون لمتابعة القداسة لأن الله يجعلنا قديسين.
عندما كان أطفالي صغارًا، كانوا أحيانًا يقرؤون الكتاب المقدس بصوت عالٍ في فترات العبادة العائلية. ذات يوم، وصلت ابنتنا إلى فيلبي 2: 12. وبحماسة شديدة، صرخت ستايسي، "تَمِّمُوا خَلاَصَكُمْ بِخَوْفٍ وَرِعْدَةٍ!" لقد تأثرت كثيرًا بهذه الوصية "تَمِّمُوا خَلاَصَكُمْ." لكن بولس يتابع، "لأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَامِلُ فِيكُمْ." عملنا يتم بسبب عمل الله.
على عكس اعتقاد العديد من المسيحيين، يتم إنجاز عمل الله عندما "نتمم خلاصنا." هل هذا يعني أننا نربح القداسة بالأعمال؟ بالطبع لا! يتابع بولس: "لأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَامِلُ فِيكُمْ أَنْ تُرِيدُوا وَأَنْ تَعْمَلُوا مِنْ أَجْلِ الْمَسَرَّةِ."[19]الله هو الذي يعطي الرغبة ("الإرادة"). الله هو الذي يقوى العمل. بدون "الله الذي يعمل فيك،" يصبح عملنا غير مثمر. لا يمكننا أن نجعل أنفسنا قديسين، لكن الله لن يقدسنا بمعزل عن سعينا وراء القداسة.
ذكّر بولس أهل كورنثوس بوعد الله الرائع "تكونون لي أبناء وبنات."[20]ثم يوصيهم بأن يعيشوا حياة مقدسة. "فَإِذْ لَنَا هذِهِ الْمَوَاعِيدُ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ لِنُطَهِّرْ ذَوَاتِنَا مِنْ كُلِّ دَنَسِ الْجَسَدِ وَالرُّوحِ، مُكَمِّلِينَ الْقَدَاسَةَ فِي خَوْفِ اللهِ."[21]بسبب وعود الله، "نطهر أنفسنا من كل دنس." يمنحنا وعد الله بجعلنا قديسين الثقة في السعي وراء القداسة.
عندما كتب بولس إلى المسيحيين في تسالونيكي، صلى من أجل أن " يُثَبِّتَ [الله] قُلُوبَكُمْ بِلاَ لَوْمٍ فِي الْقَدَاسَةِ."[22]هذا عمل الله. بعد ذلك، بدأ بولس يعلم "كَيْفَ يَجِبُ أَنْ تَسْلُكُوا وَتُرْضُوا اللهَ." لماذا؟ "لأَن هذِهِ هِيَ إِرَادَةُ اللهِ: قَدَاسَتُكُمْ."[23]كان الله يقدس المسيحيين في تسالونيكي، لذلك كان يجب عليهم أن يسعوا لحياة مقدسة.
كُتبت رسالة غلاطية للمؤمنين الذين يتعرضون لإغراء العودة إلى الخلاص من خلال "أعمال الناموس". يذكرهم بولس بأنهم قد تبرروا "بِإِيمَان يَسُوعَ لاَ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ. لأَنَّهُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ لاَ يَتَبَرَّرُ جَسَدٌ مَا."[24]إذا كان التبرير بالإيمان هو الغاية النهائية للإنجيل، فستكون هذه هي الرسالة المثالية لبولس ليقول، "لقد تبررتم بالإيمان. الآن يمكنكم أن تعيشوا كما يحلو لكم وسوف تذهبون إلى السماء. مكانكم في السماء مؤكد." لكن بولس لا يقول ذلك! وإنما، يقول:
تعني كلمة "نواكب" "السير في طابور خلف القائد". توحي الكلمة بالانضباط وضبط النفس. إنه توحي بالعيش بإرشاد الروح، وليس برغباتنا. لقد جعل الله أهل غلاطية مقدسين، لكن يجب عليهم الاستمرار في السعي وراء القداسة.
كتب كاتب العبرانيين أن الله يؤدبنا لخيرنا "لِكَيْ نَشْتَرِكَ فِي قَدَاسَتِهِ." يا لها من حقيقة مذهلة! يمكن للإنسان الساقط أن يشترك في قداسة الله. هذا ليس نوعًا من الاتحاد الصوفي مثل العبادات الوثنية. هذا تعليم عملي للغاية حول الانضباط الروحي. إنه يكتب عن "ثمر البر" وعن السلام مع الآخرين وعن خطايا مثل المرارة والفسق.[26]هذا ليس تصوف. هذه مسيحية عادية. الله يدعو أولاده إلى القداسة. إنه يتوقع أن يشارك أولاده في قداسته.
كيف نشترك في قداسة الله؟ نشترك في قداسة الله عندما نصبح "شركاء في الطبيعة الإلهية."[27]يشير بطرس إلى قدرة الله على جعلنا مثله وإلى جهودنا للنمو على صورته.
أولاً، يعد بطرس أنه يمكننا أن نكون شركاء في طبيعة الله:
الله يجعلنا قديسين. "قُدْرَتَهُ الإِلهِيَّةَ قَدْ وَهَبَتْ لَنَا كُلَّ" الأشياء الضرورية "لِلْحَيَاةِ وَالتَّقْوَى" الروحية. التقوى ليست حلمًا مستحيلًا. فقد وهبنا الله "وعوده الثمينة والعظيمة." وأحد هذه الوعود هو أننا سنصبح "شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلهِيَّةِ." الوعد بأن نشبه أبينا السماوي هو لكل أبناء الله. هذا لا يتحقق بجهودنا. التقوى عطية نعمة الله. بقدرة الله، يمكننا أن نعيش في انسجام مع شخصية الله. الله هو الذي يجعلنا قديسين.
لأن قدرة الله الإلهية جعلتنا شركاء في الطبيعة الإلهية، يجب أن نبذل "كُلَّ اجْتِهَادٍ" لننمو في الفضيلة والمعرفة وضبط النفس والثبات والتقوى والمودة الأخوية والمحبة. بسبب ما فعله الله، يجب أن نسعى في أثر القداسة.
لا يقترح بطرس أبدًا أن نجعل أنفسنا قديسين من خلال "بذل كل جهد ممكن". إنه لا يعلمنا الناموسية والتزمت. نحن لا ننال رضا الله بجهودنا. ولكن، يريدنا بطرس أن نفهم أنه لا يمكننا أن نعيش حياة مقدسة بدون ضبط النفس.
إننا نسعى في أثر القداسة بفضل نعمة الله. نعمته تمكّننا من السعي وراء حياة مقدسة. بسبب قدرة الله الإلهية (الآيات 3-4)، "نبذل قصارى جهدنا" للنمو (الآيات 5-8). إن سعينا وراء القداسة ليس ناموسية؛ إنها الرغبة الطبيعية لقلب متغير. إذا كنا حقًا أبناء الله، فسنريد أن ننمو في القداسة. إذا كنا حقًا أبناء الله، فسنريد أن نرى قصد الله يتحقق في حياتنا.
بينما كان يكتب إلى مسيحيي فيلبي، أشار بولس إلى يسوع بصفته النموذج في التوجه الذي ينبغي عليهم إظهاره. فالمسيح "وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ."[1]أراد بولس أن يفهم هؤلاء المؤمنون أن طريق أبناء الله هو طريق التواضع، وليس طريق رفعة الذات. يجب أن يكون لدينا "فكر المسيح".
قد نشعر بالإغراء لنرد قائلين، "بالطبع، عاش يسوع حياة كاملة. كان ابن الله. لكن هذا لا يساعدني. أنا لست يسوع!" كيف يمكننا أن نتبع مثال المسيح؟ علم بولس بأن روح المسيح يعيش في المؤمن.
كتب بولس إلى الشبان المسيحيين، "وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَسْتُمْ فِي الْجَسَدِ بَلْ فِي الرُّوحِ، إِنْ كَانَ رُوحُ اللهِ سَاكِنًا فِيكُمْ. وَلكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدٌ لَيْسَ لَهُ رُوحُ الْمَسِيحِ، فَذلِكَ لَيْسَ لَهُ."[2]نحن نعيش حياة مقدسة ليس بقوتنا بل بقوة الروح القدس.
تُظهر شهادة بولس هذا التغيير. يشير بولس إلى حياته كفريسي يحاول أن يفي بمتطلبات الناموس بقوته. حيث يتذكر الوقت الذي كانت لديه فيه الرغبة ولكن ليس لديه القدرة على فعل الصواب. فيقول: "فَالآنَ لَسْتُ بَعْدُ أَفْعَلُ ذلِكَ أَنَا، بَلِ الْخَطِيَّةُ السَّاكِنَةُ فِيَّ."[3]كانت جهود بولس في أن يكون بارًا بقوته الخاصة محكوم عليها بالفشل.
بعد لقائه بالمسيح، تغيرت شهادة بولس من "ليس أنا، بل الخطية" إلى "ليس أنا، بل المسيح."[4]كان بإمكان بولس أن يعيش حياة مسيحية منتصرة لأن المسيح الآن يعيش فيه.
شجع بولس أهل كورنثوس، "امْتَحِنُوا أَنْفُسَكُمْ. أَمْ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَ أَنْفُسَكُمْ، أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ فِيكُمْ."[5]يمكننا أن نشبه المسيح لأن المسيح يعيش فينا. يعبر اللاهوتي اللوثري ديتريش بونهوفر (Dietrich Bonhoeffer)، عن هذا على النحو التالي: أن تكون مسيحياً يعني أن "المساحة ذاتها التي شغلها الإنسان العتيق يومًا يشغلها الآن يسوع المسيح".[6]
يعيش المسيح فينا، أو لنقل نفس المبدأ بطريقة أخرى، "نحن نحيا في المسيح." تعتبر عبارة "في المسيح" إحدى أكثر العبارات التي يتسم بها بولس. يستخدم بولس عبارات "في المسيح" أو "فيه" أو "في من" أو "في الابن" أكثر من 150 مرة في رسائله. يشير بولس مرارًا وتكرارًا إلى مكانتنا في المسيح باعتبارها سر الحياة المسيحية. يأتي الانتصار اليومي لأننا في المسيح.
لقد كنا نعيش حياتنا القديمة "في آدم،" في ذواتنا الخاطئة الساقطة. أما حياتنا الجديدة فنحياها "في المسيح" بقوة الرب القائم من بين الأموات الذي يمنحنا الانتصار اليومي على الخطية.
في آدم كنا نسلك في الظلمة. في المسيح نسلك في النور.
كنا في آدم عبيداً للخطية. أما في المسيح فنحن عبيد البر.
في آدم نفرح بخطايا الجسد. في المسيح لبسنا "الْجَدِيدَ الَّذِي يَتَجَدَّدُ لِلْمَعْرِفَةِ حَسَبَ صُورَةِ خَالِقِهِ".[7]
تعد هذه النظرة مفهومًا حاسمًا عن الحياة المنتصرة. عندما نرى أنفسنا في آدم ("الخطاة المغفور لهم" الذين يعيشون في عبودية الخطية)، فإننا سنقع باستمرار في التجربة. عندما نرى أنفسنا في المسيح ("القديسون الذين تغيروا" الذين لديهم القوة بالمسيح)، فإننا سنعيش في نصرة على الخطية. أخبر بولس مؤمني كولوسي بسر حياة القداسة: "فَكَمَا قَبِلْتُمُ الْمَسِيحَ يَسُوعَ الرَّبَّ اسْلُكُوا فِيهِ."[8]بينما نسلك في المسيح نتقدس.
يتخيل البعض التقديس مثل لقاح الأنفلونزا الذي يعطيك إياه الطبيب للوقاية من المرض. يعتقدون أنه عندما نطلب من الله أن يجعلنا مقدسين، فإنه يعطينا "لقاح التقديس" الذي يمنعنا من أن نكون خطاة. يعتقدون أنه بعد أن يقدسنا الله، فإننا نعيش حياة مقدسة بقوتنا الخاصة.
لا يذكر الكتاب المقدس هذه الصورة في أي شاهد. وإنما، نحن نعيش "في المسيح". نحن قديسون "في المسيح". "لأَنَّ نَامُوسَ رُوحِ الْحَيَاةِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ قَدْ أَعْتَقَنِي مِنْ نَامُوسِ الْخَطِيَّةِ وَالْمَوْتِ."[9]نحن "مقدسون في المسيح يسوع."[10]نحن لا نتقدس من خلال محاولاتنا اليائسة لتقليد يسوع بقوتنا. نحن نتقدس من خلال ترك يسوع يعيش فينا. لذا "مَنِ افْتَخَرَ فَلْيَفْتَخِرْ بِالرَّبِّ."[11]
[13]يمكن ترجمة شهادة بولس على النحو التالي: "الحياة التي أحياها الآن في الجسد أحياها بالإيمان بابن الله." لا يؤجل بولس الدعوة إلى القداسة إلى الموت. يشهد بولس أنه يعيش حياة القداسة "الآن". كيف يعيش حياة مقدسة؟ بالإيمان بابن الله. عاش بولس حياة مقدسة فقط لأنه "لست أنا من يحيا، بل المسيح الذي يحيا فيَّ."
القداسة ليست شيئًا نناله بعيدًا عن حياتنا في المسيح؛ القداسة هي علاقة يجب الحفاظ عليها. سنبقى على قيد الحياة ونحن متصلون بالكرمة. إننا نحيا حياة مقدسة فقط من خلال حياتنا في المسيح. الإله القدوس يسكن فينا ونحن مقدسون ونحن نسير معه.
"لأَنَّكُمْ قَدْ مُتُّمْ وَحَيَاتُكُمْ مُسْتَتِرَةٌ مَعَ الْمَسِيحِ فِي اللهِ"[15]. حياة القداسة لا تتحقق بقوتنا. حياة القداسة "مُسْتَتِرَةٌ مَعَ الْمَسِيحِ فِي اللهِ." إننا نعيش حياة القداسة بأن نعيش كل يوم بفكر المسيح. بينما نسلك "في المسيح" نجد أن لدينا القوة لنحيا حياة مقدسة في عالم خاطئ. لدينا القوة لنكون مقدسين في الحياة اليومية. هذا ما يعنيه أن تكون مقدسًا.
رسالة حياة القداسة رسالة جميلة. ولكن، العقيدة التي لا يمكن أن تُعاش في الحياة اليومية ليست ذات قيمة عملية تذكر. هل من الممكن أن نعيش حياة الانتصار على الخطية المتعمدة أم أن رسالة حياة القداسة مجرد حلم؟
هل النصرة على الخطيَّة شيء ممكن؟
لقد وعدنا بولس أننا يمكن أن نكون "أكثر من منتصرين بالذي أحبنا."[1]من المؤكد أن هذا الوعد بالحياة المنتصرة في المسيح يتضمَّن الانتصار على قوة الخطية. إذا كان من الممكن العيش في نصرة يومية على الخطية المتعمدة، فلماذا يفشل الكثير من المسيحيين في العيش في نصرة؟ ما هي بعض أسباب الهزيمة الروحية؟
سنهزم إذا لم نؤمن أن حياة النصرة ممكنة
أنا مقتنع بأن بعض المسيحيين لا يعيشون حياة منتصرة لأنهم أصبحوا مقتنعين بأن الحياة المنتصرة أمر مستحيل. لقد سمعوا عظات تعلم أننا يجب أن نقع باستمرار في الخطية المتعمدة - وقد يئ سوا من تحقيق أي انتصار على الخطية. إذا أردنا أن نعيش حياة النصرة على الخطية، يجب أن نأخذ بجدية دعوة يوحنا: "يَا أَوْلاَدِي، أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هذَا لِكَيْ لاَ تُخْطِئُوا."[2]كتب يوحنا للمسيحيين واثقًا أنه من الممكن أن يعيشوا حياة منتصرة. يجب أن نحتج بهذا الرجاء بالإيمان ليمنحنا الثقة في وجه التجربة.
سنُهزم إذا اعتمدنا على الخبرة الروحية السابقة أو حالة الكنيسة
ينظر بعض الناس إلى حياة القداسة على أنها تجربة لمرة واحدة ولا تتطلب تأديبًا أو جهدًا مستمرًا. إنهم يؤمنون أنه بمجرد أن يشهدوا، "لقد طهر الله قلبي بالإيمان وجعلني طاهرًا،" لا يوجد شيء آخر يمكن القيام به. ولكن، كما بيَّن بولس، يجب أن نستمر في "الاجتهاد في الوصول نحو الهدف." يتطلب الانتصار على الخطية حياة انضباط مستمرة. يجب أن أستمر في قول "لا" للخطية حتى أستطيع أن أقول "نعم" لله.
تنتهي بعض العظات حول تجربة يسوع بانتصار يسوع على تجربة الشيطان. ولكن، يختم لوقا القصة ببيان ختامي مهم، "وَلَمَّا أَكْمَلَ إِبْلِيسُ كُلَّ تَجْرِبَةٍ فَارَقَهُ إِلَى حِينٍ."[3]لم تكن هذه هي المرة الأخيرة التي يُجرب فيها يسوع. على الرغم من أن الأناجيل لا تسجل تفاصيل التجارب اللاحقة، يوضح لوقا أن الشيطان خطط لتجريب يسوع مرة أخرى.
يجب ألا نفترض أبدًا أننا وصلنا إلى مرحلة النضج الروحي التي لا يمكننا السقوط منها أبدًا. بل، يجب أن نستمر في مراقبة أجسادنا وعقولنا. يحب الشيطان أن يهاجم في لحظة نتخلى فيها عن حذرنا. تتطلب حياة القداسة يقظة وحذر.
يمكن أن يُجرب القساوسة وقادة الكنيسة بالاعتماد على مكانتهم العامة لتحقيق النصر الروحي. قد نفترض أنه لأننا نكرز بالحق ونشعر بمسحة الله لا يمكن أن نسقط. ولكن، من الممكن أن نعظ يوم الأحد ونقع في تجربة الشيطان يوم الإثنين. يجب ألا نستند أبدًا على خبراتنا السابقة أو على مكانتنا في الكنيسة.
سنُهزم إذا حاولنا أن نعيش الحياة المسيحيَّة بقوتنا الخاصة
لا تأتي حياة النصر بقوتنا الخاصة، بل بقوة الروح القدس. حياة القداسة حياة تُعاش يوميًا بقوة الروح المستمرة. لن نصل أبدًا إلى النقطة التي يمكننا عندها، بقوتنا، هزيمة تجارب الشيطان. تفاخر بطرس: "وَإِنْ شَكَّ الْجَمِيعُ فَأَنَا لاَ أَشُكُّ! …. وَلَو اضْطُرِرْتُ أَنْ أَمُوتَ مَعَكَ لاَ أُنْكِرُكَ!"[4]كان يعتقد أنه يمكن أن يواجه هجمات الشيطان بقوته. لكنه سرعان ما فشل.
ولكن، بينما نعيش بقوة الروح، فإنه يمنحنا الانتصار على التجربة. بنفس الطريقة التي واجه بها يسوع التجربة بقوة الروح، يمكننا أن نواجه التجربة بقوَّة الروح.
مرة أخرى، يمكن أن يُجرب القساوسة وقادة الكنيسة بالاعتماد على جهودنا الخاصة. بينما نقود الصلاة العامة، يمكن أن نفشل في قضاء الوقت بمفردنا مع الله. عندما ندرس لنعلن كلمة الله علنًا، يمكننا أن ننسى قضاء الوقت في الاستماع إلى الله وهو يتحدث إلينا شخصيًا من خلال كلمته. يجب ألا نسمح لجهود خدمتنا أن تقلل من اعتمادنا على السير الشخصي مع الله وقوة روحه لتحقيق النصرة الروحية.
إذا سقطنا
دعا يوحنا المؤمنين إلى حياة الانتصار على الخطية. "يَا أَوْلاَدِي، أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هذَا لِكَيْ لاَ تُخْطِئُوا."[5]من الممكن أن تعيش بدون فشل روحي. ولكن، قدم يوحنا تدبيرًا لأولئك الذين يقعون في الخطية، "وَإِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ فَلَنَا شَفِيعٌ عِنْدَ الآبِ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ الْبَارُّ."[6]هذا التوازن هام للغاية وغالبًا ما يتم تجاهله.
من ناحية، هناك من يؤكد على الجزء الأول فقط من هذه الآية: "أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هذَا لِكَيْ لاَ تُخْطِئُوا." إنهم يعظون أنه يمكننا ويجب علينا أن نعيش بدون خطية متعمدة. ولكن، ليس لديهم رسالة لمن يسقطون في لحظة ضعف.
على الجانب الآخر، هناك الكثير ممن يؤكدون على الجزء الأخير فقط من هذه الآية: "وَإِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ فَلَنَا شَفِيعٌ عِنْدَ الآبِ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ الْبَارُّ." إنهم يشيرون إلى أن الحياة المنتصرة أمر مستحيل ولذلك يجب أن نقع في الخطية باستمرار.
يقدم يوحنا التوازن المناسب. أولاً، الحياة المنتصرة ممكنة؛ لست مضطرًا للاستسلام لتجربة الشيطان. لكن ثانيًا، إذا وقعت في لحظة ضعف، فلدي محام. لست مضطرًا للتخلي عن مسيرتي المسيحية. لا داعي لليأس. نعم، سوف يؤدبني الله. لكنه يؤدبني كأب محب يؤدب ابنه - لكي أثمر "ثَمَرَ بِرّ لِلسَّلاَمِ." إنه يؤدبنا "لأَجْلِ الْمَنْفَعَةِ، لِكَيْ نَشْتَرِكَ فِي قَدَاسَتِهِ."[7]
يريد الشيطان إقناع المسيحيين بالاعتماد على أدائنا كوسيلة لإرضاء الله. إنه يريدنا أن ننسى أننا تصالحنا مع الله ونحن الآن أولاده. عندما كنا خطاة، "صُولِحْنَا مَعَ اللهِ بِمَوْتِ ابْنِهِ." تأمل إذن، "فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا وَنَحْنُ مُصَالَحُونَ نَخْلُصُ بِحَيَاتِهِ!"[8]
كخطاة، لم نستحق فضل الله؛ لكنه صالحنا مع نفسه بموت ابنه. الآن، كما يقول بولس، "فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا وَنَحْنُ مُصَالَحُونَ نَخْلُصُ بِحَيَاتِهِ!" يبدو أن بعض المسيحيين يعتقدون أنهم "خلصوا بالنعمة بالإيمان، لكنهم يثبتون في الخلاص بكونهم صالحين بما يكفي ليستحقوا محبة الله."
يبدو هذا كما لو أحد الآباء يقول، "نعم، لقد أحببتك بما يكفي لإحضارك إلى العالم - ولكن عليك الآن أن تكسب محبتي من خلال الأداء اليومي." هذا ليس أب محب! وهذا ليس أبانا السماوي المحب.
ولكن، مثلما اعتمدت على نعمة الله لتحيني أولاً حياة روحية، هكذا أعتمد على النعمة لإبقائي حيًا روحيًا. وإذا سقطت، يجب أن أعتمد مرة أخرى على نعمة الله لتردني إلى الصحة الروحية.
كان هدسون تايلور (Hudson Taylor)،[1]مؤسس إرسالية قلب الصين (China Inland Mission)، أحد أكثر المبشرين تأثيرًا في العصر الحديث. قبل تايلور المسيح في سن 17 من خلال صلاة والدته الميثودية. درس الطب وأبحر إلى الصين كمبشر في سن الـ 21.
عندما بلغ من العمر 28 عامًا، عاد إلى إنجلترا بسبب التهاب الكبد. خلال السنوات الخمس التالية، طلب قيادة الله وأصبح على قناعة بأن الله أراده أن يجند مبشرين ليذهبوا إلى الأراضي الداخلية من الصين والتي لم يتم تبشيرها. في سن الرابعة والثلاثين، أبحر هدسون وماريا تايلور مع أطفالهما مع مجموعة من ستة عشر مبشرًا آخر، وهي أول مجموعة من المبشرين في إرسالية الصين الداخلية.
من أشهر أقوال هدسون تايلور، "لن يعوز عمل الله الذي يتم بطريقة الله مدد الله أبدًا." غالبًا ما نفسر هذا على أنه تصريح يتعلق بالمال، لكن بالنسبة لتايلور كان الأمر أكثر من ذلك بكثير. كان يؤمن أن الله سيوفر المال والضمان والإيمان والسلام والقوة وكل شيء آخر يلزم لتحقيق إرادته. خلال خمسة عقود كقائد لإرسالية الصين الداخلية، رأى هدسون تايلور هذا الوعد يتحقق مرات لا تحصى.
في عام 1869، واجه تايلور أزمة كبيرة في حياته الروحية. كان قد جاهد مع تجارب وفشل. فكتب إلى والدته، "لم أعرف أبدًا مدى سوء قلبي." لكنه كتب أيضًا، "أعلم أنني أحب الله وأحب عمله، وأرغب في خدمته فقط وفي كل شيء. ليساعدني الله على أن أحبه أكثر وأن أخدمه بشكل أفضل."
في 4 سبتمبر 1869، شهد هدسون تايلور أن الله قد سكب روحه بطريقة جديدة في حياة تايلور. كتب تايلور لزميل له، "لقد جعلني الله رجلاً جديدًا!" كان السر في ضمان تايلور الجديد في وجود الله في حياته عبارة عن جملة في رسالة من زميله المبشر جون مكارثي (John McCarthy). كان تايلور يسعى من خلال جهوده إلى الحصول على إيمان أعمق وتأكيد أكبر على حضور الله. كتب مكارثي: "كيف نعزز إيماننا؟ لا بالسعي وراء الإيمان، بل بالاستناد إلى الله الأمين."
كتب تايلور إلى أخته،
بينما كنت أنا أقرأ، رأيت كل شيء! "إن لم نؤمن، يبقى هو أمينًا." نظرت إلى يسوع ورأيت (وعندما رأيت، آه، كم تدفَّق الفرح)! أنه قال: "لن أتركك أبدًا."
ففكرت في داخلي، "آه، هناك راحة!" "لقد جاهدت عبثًا لأستريح فيه. لن أسعى أكثر من ذلك. لأنه ألم يعد بأن يبق معي - لا يتركني ولا يخذلني أبدًا؟ " ويا عزيزتي، لن يفعل ذلك أبدًا.
لم أرَ فقط أن يسوع لن يتركني أبدًا، بل رأيت أنني عضو في جسده، من لحمه وعظامه. الكرمة ليست الجذور فحسب، بل هي الكل - الجذر، والساق، والأغصان، والغصينات، والأوراق، والزهور، والثمر. ويسوع ليس هو ذلك فقط - إنه التربة وشروق الشمس والهواء والأمطار، وهو أكثر بعشرة آلاف مرة مما كنا نحلم به أو نتمناه أو نحتاجه. أوه، يا لفرحة رؤية هذه الحقيقة! أصلي لكي تستنير عيون فهمك أيضًا، لكي تعرفي وتتمتعي بالغنى المقدم لنا مجانًا في المسيح.
في هذه اللحظة، أدرك تايلور أن التشبه بالمسيح لا يأتي من خلال بذل الجهد، ولكن من خلال الاتحاد مع الكرمة التي تعطي الحياة. إنه يأتي من خلال الاقتران بالمسيح. كتب ابنه فيما بعد: "لقد عرف منذ فترة طويلة التسليم، لكن هذا كان أكبر مما سبق؛ كان هذا خضوعًا جديدًا، تسليمًا سعيدًا غير متحفظ للذات وكل ما كان له."
لم تكن هذه تجربة عاطفية مؤقتة. بعد ثلاثين عامًا، نظر تايلور إلى الوراء وكتب، "لن ننسى أبدًا البركة التي تلقيناها من خلال الكلمات الموجودة في يوحنا 4: 14،"وَلكِنْ مَنْ يَشْرَبُ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي أُعْطِيهِ أَنَا فَلَنْ يَعْطَشَ إِلَى الأَبَدِ." لأننا أدركنا أن المسيح كان يعني حرفيًا ما قاله - أن كلمة "سوف" تعني سوف، و "أبدًا" تعني أبدًا، و "العطش" تعني العطش – لقد فاض قلبنا بالفرحعندما قبلنا العطية." لاحظ تلك العبارة، "عندما قبلنا العطية." لقد فهم تايلور أن نعمة الله المقدسة هي عطية يجب قبولها، وليست إنجازًا يجب تحقيقه.
لم يجعل اختبار نعمة الله هذه بقية حياة تايلور سهلة. كان العام التالي من أصعب سنوات حياته. في ذلك العام، توفي اثنان من أبنائه وتوفيت ماريا عن عمر يناهز 33 عامًا. في وقت لاحق، قاد تايلور إرسالية الصين الداخلية أثناء الرعب الذي أثارة تمرد الملاكمين. قُتل تسعة وسبعون من أعضاء الإرسالية خلال تلك الأيام الرهيبة.
ولكن خلال كل هذا، ظل تايلور ثابتًا في ثقته في أن الله سيوفر كل ما هو ضروري. كتب كاهن أسقفي زار تايلور في وقت عصيب: "كان هنا رجلًا في الستين من عمره تقريبًا، يحمل أعباءً هائلة، لكنه كان هادئ تمامًا وغير مضطرب." لماذا؟ لأن تايلور كان واحدًا مع الكرمة وكان يستريح في المسيح. لقد كان شخصًا يخدم بالقوة التي "يَمْنَحُهَا اللهُ، لِكَيْ يَتَمَجَّدَ اللهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ."[2]
لم تكن هذه التجربة نهاية النمو الروحي لتايلور. ولا تعني "راحته في المسيح" أنه لم يكن هناك أي جهد. كل صباح، بغض النظر عن ضغوط الخدمة، كان تايلور يقضي ساعتين في الصلاة ودراسة الكتاب المقدس قبل أن يبدأ في العمل اليومي. لقد فهم، مع بولس، أنه يجب علينا "المضي قدمًا نحو الهدف". لكن هذا كان جهدًا يعتمد على قوة الله، وليس قوة هدسون تايلور. عرف تايلور الآن أنه حتى القدرة على التحرك من السرير لبدء دراسته للكتاب المقدس كانت هبة من نعمة الله القوية. لقد استطاع أن يكون متشبهاً بالمسيح لأنه كان "في المسيح".
تذكر ابن تايلور حياة الصلاة والكلمة لديه. لم تعن الراحة في المسيح تجاهل تايلور لضرورة الانضباط الروحي.
بالنسبة له، يكمن سر الانتصار في الشركة اليومية مع الله على مدار الساعة. ووجد أنه لا يمكن الحفاظ على هذا إلا من خلال الصلاة السرية والتغذية بالكلمة التي من خلالها يعلن نفسه للروح المنتظرة. لم يكن من السهل على السيد تايلور، في حياته المتقلبة، أن يخصص وقتًا للصلاة ودراسة الكتاب المقدس، لكنه كان يعلم أن ذلك أمر حيوي.
في كثير من الأحيان مع وجود غرفة واحدة كبيرة فقط، كانوا يقومون بحجب ركن لوالدهم وآخر لأنفسهم، بستائر من نوع ما؛ وبعد ذلك، بعد أن يجلب النوم أخيرًا قدرًا من الهدوء، كانوا يسمعون صوت ثقاب يضرب ويرون وميض ضوء الشموع الذي يخبرنا أن السيد تايلور، مهما كان مرهقًا، كان ينكب على دراسة الكتاب المقدس الصغير المكون من المجلدين والذي كان دائمًا في متناول اليد. من الثانية إلى الرابعة صباحًا كان هو الوقت الذي يقضيه عادة في الصلاة؛ وهو الوقت الذي يمكن أن يكون على يقين من أن أحدًا لن يزعجه حتى ينتظر الله…. وجد السيد تايلور أن أصعب جزء في مهنة التبشير هو الاستمرار في دراسة الكتاب المقدس بشكل منتظم وبروح الصلاة. كان يقول، "سيجد لك الشيطان دائمًا شيئًا تفعله، عندما يجب أن تنشغل" بالصلاة والكتاب المقدس.
اليوم، يعمل 1600 مرسل لصالح OMF International، التي خلفت China Inland Mission. لقد تم إرشاد الملايين من المؤمنين الصينيين إلى المسيح من خلال خدمة هذه الإرسالية. هذه ثمرة إنسان عاش في اتحاد بالمسيح.[3]
[3]Material adapted from Dr. and Mrs. Howard Taylor, Hudson Taylor’s Spiritual Secret
الحب الإلهي - تشارلز ويسلي
الحب الالهي، يتفوق على كل حب، فرح السماء نزل على الأرض؛
أصلح مسكنك المتواضع فينا؛ تاج كل رحمتك الأمينة!
يا يسوع، كلك رحمة، ومحبة نقية غير محدودة أنت؛
افتقدنا بخلاصك؛ ادخل كل قلب يرتعد.
أكمل، إذن، خليقتك الجديدة؛ اجعلنا طاهرين وأنقياء.
دعنا نرى خلاصك العظيم وقد استرددناه فيك تمامًا؛
تغيرنا من مجد إلى مجد حتى نأخذ مكاننا في السماء،
حتى نلقي تيجاننا أمامك، مأخوذين من الدهشة والحب والتسبيح.
مراجعة الدرس 10
(1) دعا الرسل كل مسيحي إلى أن يكون قديساً.
(2) أن تكون مقدسًا يعني أن تكون مثل المسيح.
أن تكون مقدسًا يعني أن يكون لديك قلب مقدس: قلب وعقل يتشبه بالمسيح.
أن تكون مقدسًا يعني أن تكون لديك يدين مقدستين: سلوك مشابه للمسيح.
أن تكون قديساً يعني أن تكون لديك محبة شبيهة بالمسيح.
(3) تبين الرسائل كيف ستبدو القداسة في الحياة اليومية.
لقد صرت مقدسًا. كما أنه يجري تقديسك.
أنتم قديسون. يجب أن تعيشوا كقديسين.
الله يجعلك مقدسا. يجب أن تسعى وراء القداسة.
(4) نحن مخولون أن نعيش حياة مقدسة بروح المسيح الذي يعيش فينا.
(5) نعيش حياة مقدسة "في المسيح". لقد عشنا حياتنا القديمة "في آدم". ونحيا حياتنا الجديدة "في المسيح".
(6) تقوم حياة القداسة على علاقة مستمرة مع الكرمة.
تكليفات خاصة بالدرس
(1) قم بإعداد عظة عن "حياة التشبه بالمسيح". قارن بين طريقتين للعيش: حياتنا القديمة في آدم وحياتنا الجديدة في المسيح. بين كيف تمكّننا حالتنا الجديدة "في المسيح" من الانتصار على الخطية.
(2) ابدأ الفصل الدراسي التالي باقتباس من فيلبي 2: 1-5.
SGC exists to equip rising Christian leaders around the world by providing free, high-quality theological resources. We gladly grant permission for you to print and distribute our courses under these simple guidelines:
No Changes – Course content must not be altered in any way.
No Profit Sales – Printed copies may not be sold for profit.
Free Use for Ministry – Churches, schools, and other training ministries may freely print and distribute copies—even if they charge tuition.
No Unauthorized Translations – Please contact us before translating any course into another language.
All materials remain the copyrighted property of Shepherds Global Classroom. We simply ask that you honor the integrity of the content and mission.