تُعرَف أسفار أيوب، والأمثال، والجامعة، وأجزاء من سفر المزامير بالأسفار الشعرية وأدب الحكمة. يعلِّم أدب الحكمة القارئ كيف يحظى بالحكمة الكتابية الحقيقية. حيث يُعلِّم سفر الأمثال أن بدء الحكمة مخافة الرب؛ ويعلِّم سفر المزامير أننا نؤتى قلب حكمة من خلال "إحصاء أيامنا" بالاستخدام الصحيح لوقتنا.[1]إن اكتساب الحكمة هو مسعى مهم لكل شخص. والحكمة الحقيقية تُكتسب من خلال التعليم، والملاحظة، والاختبار.[2]
كتب عالم اللاهوت جون كالفِن في القرن السادس عشر أن الحكمة الحقيقية تتكون من شيئين: معرفة الله ومعرفة أنفسنا. تعكس أسفار الحكمة كلا وجهي الحكمة. يكتسب أيوب[3]معرفة جديدة عن الله. ويعلِّم سفر الأمثال الشاب أن يعرف نفسه ويتَّقي الله. ويختتم سفر الجامعة بالرسالة التالية: "اتَّقِ اللهَ وَاحْفَظْ وَصَايَاهُ، لأَنَّ هذَا هُوَ الإِنْسَانُ كُلُّهُ."[4]
تُظهر هذه الأسفار أن الحكمة رأسية ("بدء الحكمة مخافة الرب") وأفقية (يتناول سفر الأمثال قضايا الزواج، والأطفال، والعلاقات مع المجتمع). ومن خلال دراسة هذه الأسفار، نكتسب معرفة أعمق عن الله وعن أنفسنا.
ينقل المثل الرسالة بشكل مختلف عن الوصية. في حين أن الناموس يقول: "لا تفعل... " يوصِّل المثل مبدأ عامًّا من مبادئ الحياة. فالمثل هو عبارة قصيرة، وسهلة الحفظ تعلن الحق. ويساعد فهم طبيعة المثل في تفسير سفر الأمثال. وتشمل خصائص المثل ما يلي:
(1) يذكر المثل مبدأً عامًّا ينطبق في العديد من المواقف المختلفة.
(2) يقوم المثل على خبرة في الحياة. غالبًا ما يلخِّص المثل الحقيقة التي اُختُبِرَت على مر الوقت واكتُسِبَت من خبرة الحياة.
(3) المثل ليس وعدًا؛ بل ملاحظة عامة عن الحياة. بينما يعتبر بعض القراء آيات مثل أمثال 22: 6 وعودًا مطلقة، يُظهِر باقي سفر الأمثال أن الولد الذي ينشأ بطريقة صحيحة قد يختار طريق الحماقة.
(4) المثل ليس وصية. إن سفر الأمثال ليس مجموعة قواعد يجب طاعتها؛ بل مجموعة من المبادئ التي توجِّه الإنسان إلى الحكمة الحقيقية.
عندما كان معلمو اليهود يناقشون قانونية الأسفار، ناقشوا التناقض الظاهري في أمثال 26: 4-5. "لاَ تُجَاوِبِ الْجَاهِلَ حَسَبَ حَمَاقَتِهِ لِئَلاَّ تَعْدِلَهُ أَنْتَ.جَاوِبِ الْجَاهِلَ حَسَبَ حَمَاقَتِهِ لِئَلاَّ يَكُونَ حَكِيمًا فِي عَيْنَيْ نَفْسِهِ." تقول الآية 4 للقارئ ألا يجيب الجاهل حسب حماقته؛ و تقول الآية 5 أن يجيب الجاهل.
أدرك معلمو اليهود أن الشخص الحكيم يجب أن يعرف طبيعة الأحمق. فالأحمق "البسيط أو الجاهل" يمكن أن يتعلَّم ويجب الإجابة عليه بطريقة تحميه من أن يصبح " حَكِيمًا فِي عَيْنَيْ نَفْسِهِ." ولكن، يجب تجنب الأحمق "الساخر" لأنه يرفض التعلُّم؛ والشخص الذي يحاول الرد على هذا الأحمق سينزلق إلى مستواه. فقد أدرك معلمو اليهود أن أيًا من هاتين الآيتين ليست وصية مطلقة؛ بل إنها تقدِّم مبدأ يرشد الشخص الحكيم في التعامل مع غير الحكماء.
واحدة من الآيات الرئيسية في السفر هي أمثال 25: 11: "تُفَّاحٌ مِنْ ذَهَبٍ فِي مَصُوغٍ مِنْ فِضَّةٍ، كَلِمَةٌ مَقُولَةٌ فِي مَحَلِّهَا." الكلمة المناسبة التي تُقال في الظروف المناسبة جميلة مثل حلية من ذهب في إطارٍ فضي. تتمثل الحكمة في معرفة الكلمة الملائمة للموقف.
◄ ناقش المشكلة التي تواجهك في الخدمة ثم ابحث عن الحقائق التي تتحدث عن هذه المشكلة في سفر الأمثال. ناقش المبادئ التي تنطبق على وضعك.
رسالة سفر الأمثال
يحتوي سفر الأمثال على خمس مجموعات رئيسية. وتركِّز كل مجموعة على جانب مختلف من الحكمة.
المجموعة الأولى: الحديث عن الحكمة (1-9)
بعد المقدمة التي تلخِّص الغرض من سفر الأمثال،[1]تُظهِر المجموعة الأولى الفَرق بين الحكمة والحماقة. ويأتي جزء كبير من هذه المجموعة في شكل "أمثال خطابية" وهي عبارة عن فقرات طويلة تتحدَّث عن طبيعة الحكمة.
يقارن أمثال 1: 7 بين طريقين: الحكمة والحماقة. وتقدِّم بقية المجموعة نصائح للشباب لاتباع طريق الحكمة وتجنب طريق الحماقة. تعرِّف المجموعة الأولى القارئ بهذين الطريقين.
المجموعة الثانية: أمثال سليمان (10: 1- 22: 16)
يبدأ أمثال ١٠: ١ هذه المجموعة بالعنوان: "أمثال سليمان." وتتكون هذه المجموعة في المقام الأول من أمثال ذات سطرين تقدم نصائح للقارئ في الجوانب العملية للحكمة.[2]ومعظم هذه الأمثال هي عبارة عن متوازيات متضادة؛ فهي تقارن بين طريق الحكمة وطريق الجهل.
تشمل الموضوعات التي تتناولها هذه المجموعة العديد من الجوانب العملية للحياة: مثل المال، والكلام، والانضباط، والعمل. وتعكس البنية العشوائية الظاهرة لهذا القسم الطريقة التي نواجه بها مشاكل الحياة الواقعية. فالحكمة تؤهِّل الشخص لمواجهة المواقف حين ظهورها.
المجموعة الثالثة: "كلام الحكماء" (22: 17- 24: 34)
تبدأ هذه المجموعة بعبارة استهلالية: "أَلَمْ أَكْتُبْ لَكَ ثَلاَثِينَ قَوْلاً مِنْ مَأْثُورِ الْمَشُورَةِ وَالْحِكَمِ؟ لأُعَلِّمَكَ قَوْلَ الْحَقِّ الْيَقِينِ."[3]وتوضِّح هذه العبارة العلاقة بين هذه المجموعة ومجموعة الحكمة المصرية المعروفة باسم "تعاليم أمينيموبي." وتوضِّح هذه العلاقة مبدأً هامًا من مبادئ الأمثال: يمكن اكتساب الحكمة من مصادر عديدة. فعندما وجد شخص يهودي الحكمة في المصادر المصرية، قرأها من منظور الحق الإلهي وطبَّقها في الحياة اليومية. لقد فهم أن "كل الحق هو حق الله."
احتوت الحكمة المصرية على بعض العناصر المشابهة لحكمة سفر الأمثال. إلا أن الحكمة الكتابية تختلف في جانب أساسيّ عن كل الحكمة الدنيوية؛ تستند الحكمة في الكتاب المقدس على مخافة الله. وستظهر المقارنة التالية هذا الاختلاف.
"لا تنقل الحجر الموضوع على تخوم الأرض المزروعة ولا تطيح بتخم الأرملة لئلا يجترفك شيءٌ مخيفٌ." (تعاليم أمينيموبي)[4]
يحذِّر كلا النصَّين من سرقة الممتلكات. والاختلاف هو في دافع الطاعة. في سفر الأمثال، لا يقوم هذا المبدأ على "شيء مخيف" غامض، بل على طبيعة الله. وليُّ الفقير "قوي."؛ وهو سيقيم دعوى الضعفاء. ويشبه هذا التعليم الوارد في لاويين 19. يجب أن يعيش شعب الله بطريقة تعكس طبيعة الله: "تَكُونُونَ قِدِّيسِينَ لأَنِّي قُدُّوسٌ الرَّبُّ إِلهُكُمْ ."[5]
المجموعة الرابعة: مجموعة أخرى من أمثال سليمان (25-29)
تشمل هذه المجموعة "أَمْثَالُ سُلَيْمَانَ الَّتِي نَقَلَهَا رِجَالُ حَزَقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا."[6]ويقدِّم هذا القسم توجيهات للقادة على أساس الخبرة العملية.
المجموعة الخامسة: كلام أجور (30) وكلام لموئيل (31)
يشمل الإصحاحان الأخيران من سفر الأمثال سلسلة من "الأقوال العددية" وهي الأمثال التي تبدأ من المعلوم وتنتقل إلى المجهول. وهذا يعكس طبيعة الحكمة الحقيقية؛ ويسمح لنا بمواجهة المجهول باستخدام الحكمة المكتسبة من خبرة الحياة.
◄ اقرأ الأمثال ٣٠: ٢٤- ٢٨. وابحث عن المبدأ الذي يوِّحد الأمثلة الأربعة التي قدمها أجور. ناقش كيف يجب أن يوجِّه هذا المبدأ استخدامنا للحكمة.
ينتهي سفر الأمثال بشعر أبجدي عن بركات الزوجة الصالحة، وهذا يناسب سفرًا مصمَّمًا لتعليم الشباب. ويحذِّرِّ الكاتب، بطوال السفر، من العلاقات مع النساء الجاهلات. وينتهي السفر بإظهار كم سيكون الشاب مباركًا عندما يجد زوجة فاضلة.
بما أن سفر الأمثال مكتوب بأسلوب يختلف عن أسفار العهد القديم الأخرى، يجب أن تدرسه بطريقة مختلفة عن أسفار موسى الخمسة أو الأنبياء.[1]وفيما يلي بعض الأسئلة التي يجب طرحها عند قراءة أحد الأمثال:
(1) "هل يشير هذا المثل إلى الحكمة أم إلى الحماقة؟" يقارن سفر الأمثال بين هذين الطريقين.
(2) "ماذا يضيف النصف الثاني من المثل إلى النصف الأول؟"
(3) "ما هو مصدر الحكمة في هذا المثل؟" هل الحق مُستَمَد من إعلان إلهي في الكتاب المقدَّس، أم من الخبرة الشخصية، أم من التقليد القديم، أم من مراقبة العالم، أم مزيج من هذه الحقائق؟
(4) "كيف ينطبق هذا المثل على حالتي؟" فالمثل ليس وعدًا ينطبق في كل الظروف.
(5) "هل هناك آيات أخرى في سفر الأمثال تتعلق بالموضوع الذي أدرسه؟" ابحث عن أمثال متعددة تنطبق على حالتك.
(6) "هل تتناول أسفار أخرى من الكتاب المقدس الموضوع الذي أدرسه؟"
(7) "هل هناك شخصية كتابية توضِّح المثل الذي أدرسه؟"
(1) يُشير أمثال 11: 2 إلى اتجاهين: الكبرياء يؤدي إلى الهوان؛ والتواضع يقود إلى الحكمة.
(2) يُظهر النصف الأول من المثل نتيجة الكبرياء: الهوان. ويُظهر النصف الثاني نتيجة التواضع: الحكمة.
(3) يمكن رؤية هذه الحقيقة في تعاليم الكتاب المقدَّس، وفي التقليد القديم، ومن خلال ملاحظة حياة المتكبرين. من المؤلم أن نتعلَّم هذا الدرس من التجربة.
(4) مع أن هوانهم قد لا يُرى على الفور، فإن هذا المثل سيتحقق في حياة المتكبرين.
(5) الكبرياء هو موضوع رئيسيّ في سفر الأمثال كله. ومن الأمثال الأخرى التي تتحدث عن الكبرياء 13: 10؛ 16: 5، 18؛ 18: 12؛ 29: 23.
(6) يأتي ذِكر الكبرياء في آيات أخرى كثيرة، بما في ذلك مزمور 10: 4 و 138: 6؛ وإشعياء 2: 11؛ و1كورنثوس 13: 4؛ ويعقوب 4: 6.
(7) يمثِّل سقوط الملك شاول مثالًا مأساويًا لحقيقة أمثال 11: 2. وتمثِّل بركة الله للملك داود مثالًا على الجزء الأخير من هذه الآية.
[1]هذا القسم مقتبَس من Tremper Longman III, How to Read Proverbs. (Downers Grove: InterVarsity Press, 2002).
سفر الأمثال يتحدَّث اليوم
هل يمكن أن يكون المؤمن بالمسيح بارًا بينما تنقصه الحكمة؟ يشير الكتاب المقدس أن هذا ممكن. كان لوط بارًا؛ لكنه لم يكن حكيمًا.[1]ربَّما يكون لوط قد وصل إلى السماء، ولكن كلفَّته حماقته حياة عائلته، ودمرت تأثيره على الآخرين، وجلبت له حياة من الألم.
في كثير من الأحيان، تفشل شهادة المؤمن بالمسيح لأن المؤمنين لم يتصرفوا بحكمة. فتنقسم الكنائس؛ وتفشل الزيجات، ويترك الشباب إيمانهم بسبب الأفعال الحمقاء لقادة الكنيسة. وعلى المستوى الشخصي، تتفاقم المشاكل العائلية، والصعوبات المالية، والمتاعب الشخصية بسبب عدم الحكمة.
يمكن لسفر الأمثال أن يرشد المؤمنين إلى الحياة الحكيمة. ويوضِّح السفر العلاقة بين التقوى الداخلية والعالم من حولنا.[2]ويساعدنا على العيش بطريقة يتبارك فيها العالم بحياة المؤمن بالمسيح.
[2]G.R. French. “Proverbs is based on the interface between inner godliness and the world around us.”
نظرة أعمق إلى كلمة "أحمق"
تشمل كلمة "أحمق" في سفر الأمثال أربعة مصطلحات عبرية مختلفة. يصف كل مصطلح نوعًا مختلفًا من الحماقة. لذا، يجب أن تختلف استجابتنا لكل نوعٍ منها.
المصطلحات العبرية لكلمة "أحمق"
الجاهل
في سفرالأمثال، كثيرًا ما يُدعى الصغير "جاهلًا أو غبيًّا."[1]والجاهل هو شخص غير منظَّمَّ وساذج. يفعل أمور حمقاء وأحيانًا يجتمع مع الحمقى. فهو غير مسؤول وغير ناضج. ونظرًا لأنه غير قادر على إدراك المخاطر المترتبة على قراراته،[2]يمكن أن يضل بسهولة.[3]
الفرق بين الجاهل والأحمق يتلخص في صفة واحدة: القابلية للتعلَّم. الحمقى "يَحْتَقِرُونَ الْحِكْمَةَ وَالأَدَبَ."[4]ولكن الجهلاء سيستمعون. الهدف من سفر الأمثال هو توجيه الجاهل نحو الحكمة.
الأحمق
هناك كلمتان عبريتان تُترجمان "أحمق". تشير الكلمة الأولى إلى شخص عنيد، وغير صبور، وغير راغب في البحث عن الحكمة. إنه "يبغض العلم"[5]ويتمادى في حماقته.[6]ولأنه لا يُقدِّر الحكمة، فإن الأحمق لن يكرس نفسه لاقتناء الحكمة.[7]
الكلمة الثانية التي تصف الأحمق أقوى. هذا الأحمق فاسد أخلاقيا؛ فهو يرفض مخافة الرب.[8]و"يستهزئ بالإثم."[9]
إن أصل الحماقة أخلاقيّ وليس فكريًّا. في الأحاديث الشعبية، الأحمق هو الشخص عديم الذكاء. أما في الكتاب المقدس، الأحمق هو الشخص الذي يرفض مخافة الرب.
المستهزئ
أخطر أنواع الحماقة في سفر الأمثال هو المستهزئ أو الساخر المتهكِّم. ويُستخدَم هذا المصطلح سبع عشرة مرة في سفر الأمثال. المستهزئ لا يرفض الحكمة فحسب، بل يسرُّه أن يقود الآخرين إلى الحماقة. ويكره من يوبِّخه[10]ويثير النزاع أينما ذهب.[11]الحكم على المستهزئ شديد؛ ولأن المستهزئ قد رفض الحكمة، ترفض الحكمة المستهزئ.[12]
علاج الحماقة
لكي نجد علاجًا للحماقة، يجب أن نفهم سبب الحماقة: يختار الأحمق ألا يثق في الله وأن يثق في حكمته الشخصية.[13]في أحد النصوص الرئيسية، يُوضَع هذان الخياران جنبًا إلى جنب. يمكننا أن نثق في الرب من كل قلوبنا أو أن نعتمد على فهمنا؛ لا يمكننا أن نفعل كليهما.[14]الثقة في الرب تقود إلى الحكمة؛ الثقة في أنفسنا تؤدي إلى الحماقة.
إذًا، علاج الأحمق هو مخافة الرب. إن سبب الحماقة هو سبب روحيّ؛ وعلاج الحماقة هو علاج روحيّ أيضًا. فمشكلة الأحمق هي قلبه الذي يتحوَّل بعيدًا عن الله. ولكي نساعد الأحمق، يجب على الوالدين، أو المعلم، أو الراعي التعامل مع القلب. لا يمكننا إصلاح الأحمق؛ بل يجب أن يغير اللهُ قلبَه.
مع أن سفر الجامعة لا يذكر بشكل مباشر أن سليمان هو كاتب السفر، تشير العبارة الافتتاحية إلى سليمان: "كَلاَمُ الْجَامِعَةِ ابْنِ دَاوُدَ الْمَلِكِ فِي أُورُشَلِيمَ." ويتناسب وصف غنى الكاتب وإنجازاته مع ما نعرفه عن سليمان. ربما كُتِبَ سفر الجامعة قرب نهاية حياة سليمان، وربما خلال عودته من ارتداده. وهذا يضع السفر في الفترة نحو 935 ق.م.
تعليم الحكمة
قبل محاولة اكتشاف موضوع سفر الجامعة، من المفيد فهم طبيعة تعليم الحكمة العبرية. اليوم، نتوقع من المعلم إلقاء محاضرات تقدِّم إجابات واضحة عن أسئلة الطلاب. كان المعلِّمون العبريون القدماء يستخدمون أسلوبًا مختلفًا في التعليم. كانوا يطرحون الأسئلة ويصفون الحالات التي تتطلَّب من الطالب أن يجد إجابات. في الأقوال العددية في أمثال 30، تتطلَّب مجموعة الأوصاف أن يجد الطالب مبدأً مشتركًا. فمسؤولية المعلم ليست إعطاء الإجابات، بل توجيه الطالب للعثور على الإجابات.[1]
يستخدم جواب الله لأيوب هذا النوع من التعليم. لا يقول الله لأيوب: "ها هو موجز من ثلاث نقاط عن طبيعتي." بل يطرح الله مجموعة من الأسئلة التي تكشف عن طبيعته لأيوب. فالأسئلة هي مؤشرات توجِّه أيوب إلى الحق.
يستخدم سفر الجامعة أسلوب التعليم نفسه. فهو يكشف عن توترات الحياة التي يجب أن يواجهها الشخص الحكيم. وبدلًا من إعطاء إجابات، يطرح سفر الجامعة الأسئلة ويثير المشاكل. ثم يتحدَّى القارئ للعثور على إجابات عن صعوبات الحياة. مثل أسئلة الله لأيوب، تهدف الصعوبات في سفر الجامعة إلى قيادة القارئ إلى الحكمة.
[1]لدراسة هذا الموضوع اقرأ Curtis, Edward M. and John J. Brugaletta. Discovering the Way of Wisdom. (MI: Kregel Academic, 2004).
رسالة سفر الجامعة
لطالما نوقشت رسالة سفر الجامعة. وبسبب تكرار كلمة "باطل"، يرى العديد من المفسرين أن السفر سلبي، ويكاد يكون يائسًا. ويسأل العديد من القراء: "لماذا يوجد هذا السفر اليائس في الكتاب المقدس؟" إن فهم أسلوب التعليم العبري يساعدنا في رؤية سفر الجامعة كبحث موجَّه عن الحكمة. ثمة موضوعان يمثلان جزءًا من هذا البحث عن الحكمة.
الموضوع الأول: الباطل
هناك فكرة متكررة في سفر الجامعة وهي أن الحياة باطلة. فيبدأ السفر بالعبارة اليائسة: "بَاطِلُ الأَبَاطِيلِ، قَالَ الْجَامِعَةُ: بَاطِلُ الأَبَاطِيلِ، الْكُلُّ بَاطِلٌ."[1]وتتكرَّر كلمة باطل بطوال السفر.
تشير كلمة باطل إلى شيء مؤقَّت. يُظهر مزمور 144: 4 أن الحياة قصيرة: "الإِنْسَانُ أَشْبَهَ نَفْخَةً. أَيَّامُهُ مِثْلُ ظِلّ عَابِرٍ." ويخبرنا سفر الجامعة أن المتعة، والغنى، وحتى الحياة نفسها هي أمور مؤقتة.
تشير كلمة باطل في بعض الأحيان إلى العبث أو الظلم. "يُوجَدُ بَاطِلٌ يُجْرَى عَلَى الأَرْضِ: أَنْ يُوجَدَ صِدِّيقُونَ يُصِيبُهُمْ مِثْلَ عَمَلِ الأَشْرَارِ، وَيُوجَدُ أَشْرَارٌ يُصِيبُهُمْ مِثْلَ عَمَلِ الصِّدِّيقِينَ. فَقُلْتُ: إِنَّ هذَا أَيْضًا بَاطِلٌ."[2]
تعني كلمة باطل أحيانًا اللامعنى. كان كاتب سفر الجامعة يبحث عن المعنى في المتعة فوجدها باطلة؛ ليس لها معنى دائم.[3]
في الأدب العبري، يشير التعبير "شيء الأشياء" "x of x" إلى صيغة التفضيل. "قدس الأقداس" هو أقدس مكان، و"نشيد الأنشاد" هو أفضل الأناشيد كلها. وتشير عبارة "باطل الأباطيل" إلى أكثر الأشياء الباطلة التي لا معنى لها. وما هو أكثر شيء باطل؟ "الكل باطل." الحياة نفسها باطلة. وهذا يدل على اليأس المطلق في هذه الفكرة.
الموضوع الثاني: الفرح
"الباطل" ليس هو الرسالة الوحيدة لسفر الجامعة. في حين أن إنجازات الإنسان باطلة، يشمل سفر الجامعة أيضًا صورًا إيجابية للحياة. ونرى ذلك في الموضوع الثاني الذي يظهر بطوال السفر، وهو موضوع "الفرح".
بعد صورة الأمور الباطلة في الإصحاحين الأول والثاني، يخلُص الكاتب إلى أنه: "لَيْسَ لِلإِنْسَانِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ وَيُرِيَ نَفْسَهُ خَيْرًا فِي تَعَبِهِ. رَأَيْتُ هذَا أَيْضًا أَنَّهُ مِنْ يَدِ اللهِ."[4]وتتكرر الرسالة بأن الحياة هي هبة الله بطوال السفر. إن رسالة الفرح رسالة أساسية في سفر الجامعة.[5]
موضوع سفر الجامعة: البحث عن معنى الحياة
قد يبدو أن الموضوعين، الباطل والفرح، متناقضان. ولكن، هناك زوج آخر من العبارات يتكرر في جميع أنحاء السفر. يشير سفر الجامعة تسع وعشرين مرة إلى "الحياة تحت الشمس." و"الحياة تحت الشمس" هي الحياة التي تُرى من منظور أرضيّ فقط. وتقترن "الحياة تحت الشمس" بـ "الباطل" بصورة متكررة.
يشير سفر الجامعة خمس مرات إلى "عطية الله" أو الحياة الممنوحة "من يد الله." وغالبًا ما يقترن هذا بـ"الفرح" أو "المتعة."
تشير هذه العبارات معًا إلى الموضوع الذي يوحِّد السفر. ومثل سفر الأمثال، يقدم سفر الجامعة طريقين. في سفر الأمثال، الخياران هما الحكمة أو الحماقة. وفي سفر الجامعة، الخياران هما الباطل (الحياة تحت الشمس) أو الفرح (الحياة كهبة من الله). إن الحياة التي يُنظر إليها من منظور أرضيّ فقط لا معنى لها وباطلة. والحياة التي نعيشها في مخافة الله هي فرح.
الحكمة في سفر الجامعة هي أن الله: "جَعَلَ الأَبَدِيَّةَ فِي قَلْبِهِمِ (الإنسان)، الَّتِي بِلاَهَا لاَ يُدْرِكُ الإِنْسَانُ الْعَمَلَ الَّذِي يَعْمَلُهُ اللهُ مِنَ الْبِدَايَةِ إِلَى النِّهَايَةِ."[6]لقد أعطى الله الإنسان وعيًا بالأبدية وبالفرح الحقيقي. لكنَّنا لن نجد هذا الفرح بجهودنا الذاتية. فالفرح الحقيقي لا يوجد إلا في العلاقة مع الله، وفي مخافة الله.
يتلخص موضوع الطريقين في المقدمة ("باطل الأباطيل") والخاتمة ("اتَّقِ اللهَ وَاحْفَظْ وَصَايَاهُ، لأَنَّ هذَا هُوَ الإِنْسَانُ كُلُّهُ.") إن سفر الجامعة ليس سفرًا يدعو لليأس؛ إنه سفر الحكمة الذي يشير إلى الفرح الحقيقي.
تتكرر رسالة سفر الجامعة في العهد الجديد. يظهر فشل الحياة بعيدًا عن الله في تحذيرات يسوع من السعي وراء الغنى.[1]وفي الوقت نفسه، يعد يسوع بأن كل الأشياء اللازمة للحياة ستُزاد للذين يطلبون ملكوته أولًا.[2]الحياة التي نحياها من أجل الأمور الأرضية باطلة؛ أما الحياة التي نحياها كعطية من الله تجلب الفرح الحقيقي.
يُدعى هذا السفر إما نشيد الأنشاد أو نشيد سليمان: "نشيد الأنشاد الذي لسليمان."[1]واسم "نشيد الأنشاد" يعني أن هذا النشيد هو الأفضل بين جميع الأناشيد. يربط العنوان "نشيد سليمان" هذا السفر بالملك سليمان.
تفسير سفر نشيد الأنشاد
أكبر سؤال يدور حول نشيد الأناشيد هو "كيف نفسر هذا السفر؟" هناك نهجان رئيسيان لقراءة هذا السفر: النهج المجازيّ والنهج الشعريّ.
النهج المجازي
كثيرًا ما يتساءل القراء لماذا يعتبر السفر المخصَّص للحب الرومانسي جزءًا من الكتاب المقدس. لهذا السبب، هناك تقليد طويل من تفسير سفر نشيد الأنشاد بشكل مجازيّ. لقد كتب المفسِّرون من أوريجانوس في القرن الثالث إلى هدسون تايلور في القرن العشرين تفسيرات مجازية لسفر نشيد الأنشاد.
يرى النهج المجازي لتفسير سفر نشيد الأنشاد أن هذا الشعر هو تصوير لمحبة الله لشعبه. كان القراء اليهود يرون أن هذا السفر هو صورة لمحبة الله لإسرائيل؛ ويرى المفسرون المسيحيون أنه صورة لمحبة الله للكنيسة.
أولئك الذين يرفضون النهج المجازي يقدمون حجتين. أولًا، لا يشير سفر نشيد الأنشاد نفسه إلى تفسير مجازيّ. وثانيًا، غالبًا ما يفتقر النهج المجازي إلى معنى واضح. عندما تقرأ تفسيرات سفر نشيد الأنشاد، يتضح أن كل من المفسرين يفسر الصور الشعرية بطريقة مختلفة. يمكن أن يترك التفسير المجازي لكل قارئ حكمه الخاص على كلمة الله.
التفسير الشعريّ
يرى النهج الشعريّ لتفسير سفر نشيد الأنشاد أن هذا السفر هو صورة للحب البشري.[2]سواء كان يُنظر إليه على أنه دراما تتوَّج بالزواج أو مجموعة من قصائد الحب دون أية بنية سرديّة، يرى هذا النهج أن السفر عبارة عن مجموعة من قصائد الحب.
في معظم تاريخ الكنيسة، كان النهج الشعري أقل شعبية من التفسير المجازي. في القرن العشرين، أصبح التفسير الحرفي أكثر شيوعًا.[3]
في هذا النهج، يُنظر إلى سفر نشيد الأنشاد على أنه صورة شعرية للحب الرومانسي. باستخدام الصور الريفية، يظهِر نشيد الأنشاد حب الحبيب ومحبوبته؛ إنه صورة تعبِّر عن الحب بين الرجل وزوجته. ويرى بعض الكتَّاب أن سفر نشيد الأنشاد موازٍ لأمثال 31. يُظهر أمثال 31 الجانب العملي للزواج؛ ويُظهر سفر نشيد الأنشاد الجانب الرومانسي له.
نظرًا لعدم وجود أية إشارة في النص نفسه تشير إلى أن السفر هو قصة رمزية، فإن أولئك الذين يدعمون التفسير الشعري يجادلون بأنه يجب تفسير الكتاب حرفيًّا. يشكك أولئك الذين يعارضون التفسير الشعري في وجود الشعر الرومانسي في الكتاب المقدس. ويجادلون بأنه من الأنسب تفسير السفر كقصة مجازية لمحبة الله لشعبه.
[2]يمكن أن يُسمَّى أيضًا التفسير "الحرفي". ولكن، حتى النهج الحرفي يدرك أن الشعر يستخدم استعارات لا يجب تفسيرها حرفيًّا. لذا، فإن التفسير "الشعري" هو مصطلح أفضل.
[3]هناك بعض المفسرين السابقين الذين شجعوا القراءة الشعرية لنشيد الأنشاد. ومن بين هؤلاء يوسيفوس في القرن الأول وثيودورس المصيصي في القرن الرابع. وفضَّل كل من آدم كلارك وجون كالفن التفسيرات الشعرية، مع أن كليهما رأى بعض الجوانب المجازية في النص.
رسالة سفر نشيد الأنشاد
يتساءل العديد من القراء: "لماذا يوجد هذا السفر في الكتاب المقدس؟" قد يكون جزء من السبب على الأقل هو إظهار قيمة الإنسانية. يُظهر سفر الجامعة أن بركات الحياة هي هبة من الله، تُمنَح ليتمتَّع بها من يخافه؛ وبالطريقة نفسها، يُظهر نشيد الأنشاد أن الحب البشري هو هبة من الله يجب تقديرها.
يهتم الله بالإنسان كله. رأى بعض الفلاسفة اليونانيين الأوائل، مثل أفلاطون، أن الروح صالحة، ولكن الجسد شرير. وفي بعض الأحيان، يتبنَّى بعض المسيحيين وجهة نظر مماثلة. ويقول هذا الرأي: إن الجسد شر؛ والروح خير. غير أن، سفر التكوين يعلّمنا أن الله بعد أن خلق الإنسان: "رَأَى اللهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدًّا."[1]ومع أن السقوط أفسد الخليقة، لا يزال الله يقدِّر العالم الذي صنعه. فقد أجاب بولس الذين منعوا الزواج في الكنيسة الأولى: "لأَنَّ كُلَّ خَلِيقَةِ اللهِ جَيِّدَةٌ، وَلاَ يُرْفَضُ شَيْءٌ إِذَا أُخِذَ مَعَ الشُّكْرِ."[2]إن سفر نشيد الأنشاد هو شهادة الكتاب المقدس عن قيمة الحب البشري. يجب التمتُّع بالحب الجسدي كعطية من الله، داخل حدود الزواج.
خلال الحرب العالمية الثانية، تقدَّم ديتريش بونهوفر، القس الألماني الذي قاد المعارضة المسيحية لأدولف هتلر، للزواج من ماريا فون ويديمير Maria von Wedemeyer. شكَّك بعض رفاقه في قراره بالزواج في وقت يشهد مثل هذا الاضطراب القومي. وقالوا إن بونهوفر يجب أن يركِّز على "الاهتمامات الروحية." ولكن بونهوفر أصرَّ على أن الزواج أمر صحيح خاصةً في وقت الاضطرابات. لقد آمن، من خلال سفر التكوين، والجامعة، ونشيد الأنشاد، أن خليقة الله الصالحة يجب الاحتفال بها. لم يرفض بونهوفر الأفراح المُعطاة من الله على أنها "غير روحية". بل قال إن "قبولنا لله" هو "قبول" للأشياء الصالحة في العالم الذي خلقه الله.[1]
يتعرَّض الزواج اليوم للهجوم من جهات عديدة. في العالم العلماني، يُعامَل الزواج على أنه مؤسسة عفا عليها الزمن. إن انتشار الطلاق، وزواج المثليين، والعلاقات غير المشروعة بين غير المتزوجين كلها أمور تقوض قدسية الزواج. قد يستمر الزواج في العديد من البيوت المسيحية - لكنه ليس زواجًا مفرحًا مليئًا بالرومانسية. يُظهر سفر نشيد الأنشاد الحب الرومانسي كعطية من الله ليتمتع بها أولاده. يجب أن تكون الزيجات المسيحية نموذجًا لهذا الفرح في العالم من حولنا. وبينما لا يخلو الزواج من التحديات، يجب أن يُظهِر المسيحيون أن الحياة الزوجية التي تُعاش وفقًا لمبادئ الكتاب المقدس يمكن أن تحمل فرحًا يدوم مدى الحياة لكلا الزوجين. إن الزواج المسيحي المُحِب هو شهادة قوية لعالمنا. وهذا جزء من الإرث الذي تركه سفر نشيد الأناشيد.
[1]Eric Metaxas, Bonhoeffer, (Nashville: Thomas Nelson, 2011), 468
مهام الدرس الثامن
عبِّر عن فهمك لهذا الدرس بإجراء المهام التالية:
(1) اختر مهمة واحدة من المهام التالية:
الخيار الأول: مهمة جماعية
عيِّن موضوعًا لكل فرد من أفراد مجموعتك (المال، الكلام، الزواج، إلخ). بينما تقرأ سفر الأمثال، اذكر الآيات التي تتحدَّث عن الموضوع المخصَّص لك. وفي النهاية، قدِّم عرضًا قصيرًا للمجموعة بعنوان "تعاليم سفر الأمثال عن..."
الخيار الثاني: مهمة فردية
اختر موضوعًا مثل المال، أو الكلام، أو الزواج، إلخ. بينما تقرأ في سفر الأمثال، اذكر الآيات التي تتحدَّث عن الموضوع المخصَّص لك. اكتب مقالًا من صفحة واحدة (450 كلمة) بعنوان "تعاليم سفر الأمثال عن..."
(2) أجرِ اختبار هذا الدرس. سيشمل الاختبار النصوص الكتابية المخصَّصة للحفظ.
SGC exists to equip rising Christian leaders around the world by providing free, high-quality theological resources. We gladly grant permission for you to print and distribute our courses under these simple guidelines:
No Changes – Course content must not be altered in any way.
No Profit Sales – Printed copies may not be sold for profit.
Free Use for Ministry – Churches, schools, and other training ministries may freely print and distribute copies—even if they charge tuition.
No Unauthorized Translations – Please contact us before translating any course into another language.
All materials remain the copyrighted property of Shepherds Global Classroom. We simply ask that you honor the integrity of the content and mission.