في الكتاب المقدس الإنجليزي (والعربي)، يُطلَق على الأسفار من يشوع إلى إستير "الأسفار التاريخية." فهي تروي تاريخ إسرائيل من دخول أرض كنعان، مرورًا بتدمير أورشليم في عام 586 ق. م، إلى بداية العودة في عام 536 ق. م.
في الكتاب المقدس العبري، يُطلَق على مُعظم هذه الأسفار (يشوع، والقضاة، وصموئيل، الملوك) "الأنبياء الأولون." "نبي" ينقل رسالة الله إلى الشعب. فالأسفار التاريخية أكثر من مجرَّد قصص شيِّقة عن إسرائيل؛ إنها تعلن رسالة الله لشعب الله.
في سفر يشوع وسفر القضاة، يعلِّم الله أنه يكافئ الأمانة ويدين الخيانة. وفي سفر الملوك، يُظهِر الله أن السبي كان نتيجة عصيان إسرائيل. وفي عزرا ونحميا، يُطمئن الله إسرائيل أنه لا ينساهم. تُظهِر الأسفار التاريخية أمانة الله تجاه شعبه، و"رحمته الأبدية" لإسرائيل.
هذه الأسفار هي "تاريخ ذو هدف" حيث تُظهِر أن الله يعمل في تاريخ إسرائيل العهديّ. ولهذا السبب، فإن هذه الأسفار مهمة بالنسبة للقراء المسيحيين اليوم؛ فهي تُظهِر كيف يعمل الله في التاريخ البشري لتحقيق مقاصده.
تسجِّل الأسفار التاريخية الثلاثة الأولى تاريخ إسرائيل المبكِّر كأمة ثيوقراطية (يحكمها الله مباشرةً). مع وجود موسى ويشوع كممثلين لله، كان هذا النمط من الحكم ناجحًا. ولكن من المؤسف أن خيانة إسرائيل في زمن القضاة أدت إلى مشاكل اجتماعية. وأصبحت المَلَكِية (الحكم بواسطة ملك) ضرورية لتوحيد الأمة.
سفر يشوع
موضوع السفر: دخول أرض كنعان
كان خلاص إسرائيل من العبودية بداية خطة الله لشعبه؛ وكان امتلاك كنعان الخطوة التالية في اتمام وعد الله لإبراهيم. في سفر يشوع، يُدخِل المحارِب الذي أرسله الله شعبَ الله إلى الراحة الموعودة. يواصل سفر يشوع القصة التي بدأت في سفر الخروج وأعاقها عصيان إسرائيل في سفر العدد.
يُظهِر سفر يشوع أمانة الله لإسرائيل عندما يكونوا أمناء له. فطاعة الله تجلب بركته، وهو المبدأ الذي يعلِّمه سفر التثنية. ويظهر ذلك في أريحا وفي المعركة ضد تحالف الملوك في يشوع 10. وعصيان الله يجلب الله دينونته؛ ويظهر ذلك في عاي. وبهذه الطريقة، يُنذِر سفر يشوع بتاريخ إسرائيل اللاحق.
الكاتب وتاريخ الكتابة
وقعت أحداث سفر يشوع في الفترة من 1405- 1380 ق.م. خلال هذه الفترة، كانت كنعان تحت السيطرة المصرية الاسمية، ولكن بدون حكم مباشر من مصر. ونتيجة لذلك، لم يتمكَّن الكنعانيون من تكوين قوة موَّحدة ضد هجوم إسرائيل.
على الأرجح، كُتِب سفر يشوع بعد فترة وجيزة من الأحداث المذكورة في السفر. ويُشير يشوع 24: 26 إلى يشوع باعتباره كاتب السفر. وكما هو الحال في سفر التثنية، أُضيفت الآيات التي تصف موت الكاتب لاحقًا.[1]
نظرة عامة على سفر يشوع
دخول كنعان: يشوع 1-12
العبور إلى الأرض (يشوع 1-5)
يبدأ سفر يشوع بظهور الله ليشوع بعد موت موسى. وقد وعد الله أن يكون مع يشوع كما كان مع موسى.
استعدادًا لدخول الأرض، أرسل يشوع جاسوسين لرؤية الأرض، وخاصةً أريحا. وقد حمَت راحاب، امرأة زانية في المدينة، الجاسوسين. وطلبت منهما حمايتها عندما يدخل شعب إسرائيل المدينة. وشهدت عن إيمانها بإله إسرائيل. وكمثال من العهد القديم للخلاص بالنعمة بالإيمان، ورثت هذه الزانية الأممية الوعود المعطاة لإسرائيل وأصبحت جزءًا من النسل المسياني.[2]
بدلًا من دخول بني إسرائيل أرض كنعان من الجنوب (الطريق الأقصر)، أمر الله يشوع أن يقود أسباط إسرائيل عبر نهر الأردن. وتؤكد هذه المعجزة، التي تُعتبر تكرارًا لعبور البحر الأحمر بقيادة موسى، أن يشوع هو القائد الذي اختاره الله لشعبه.[3]
بعد عبور الأردن، أعاد يشوع تفعيل تذكارين للعهد. أولًا، بعد سنوات من التجوال أهملت إسرائيل خلالها ممارسة الختان، خُتِنَ الذكور. ثانيًا، احتفلوا بعيد الفصح للمرة الأولى في أرض الموعد.
امتلاك الأرض (يشوع 6-12)
يُظهر دخول كنعان أن الله أعطى شعب إسرائيل النصرة على أعدائهم لأنهم كانوا أمناء له. عندما أطاع بنو إسرائيل تعليمات الله بالدوران حول أريحا، حقَّقوا نصرًا عظيمًا. ولكن، بسبب خطية عخان، هُزم بنو إسرائيل في مدينة عاي، وهي مدينة أصغر بكثير. وبعد معاقبة عخان، أعطى الله لإسرائيل النصرة على عاي ثم على بيت إيل.
تمثِّل قصة الجبعونيين تحذيرًا للقادة. كانت خطة الله أن يهزم يشوع كل أهل كنعان. خدع قادة جبعون، وهي مدينة في كنعان، يشوع متظاهرين بأنهم جاءوا من مسافة بعيدة. فقطع يشوع عهدًا مع الجبعونيين دون أن يطلب مشورة الله.[4]تسبَّبت نتائج هذا القرار الأحمق في معاناة إسرائيل بعد مئات السنين في عهد داود.[5]
كانت النتيجة المباشرة لهذه المعاهدة هي هجوم الملوك الكنعانيين من الجنوب على جبعون. وبسبب هذه المعاهدة، جاءت إسرائيل لإنقاذ جبعون. حارب الله نيابةً عن إسرائيل، وفي اليوم الذي "وقفت فيه الشمس" أمطر الله حجارة البَرَد على أعداء إسرائيل. يتكرر موضوع إظهار قوة الله نيابة عن شعبه في يشوع 10 كله:
"فَأَزْعَجَهُمُ الرَّبُّ"، و
"رَمَاهُمُ الرَّبُّ بِحِجَارَةٍ عَظِيمَةٍ"، و
"أَسْلَمَ الرَّبُّ الأَمُورِيِّينَ"، و
"لأَنَّ الرَّبَّ حَارَبَ عَنْ إِسْرَائِيلَ"، إلخ.
كان الانتصار على الكنعانيين بقوة الله، وليس بقوة إسرائيل.
يروي يشوع 11 الانتصار على شمال كنعان. وفي نهاية يشوع 12، سيطرت إسرائيل على معظم أرض كنعان بعد هجوم حوالي سبع سنوات.
الاستقرار في كنعان: يشوع 13-24
تقسيم الأرض (يشوع 13- 21)
بينما أصبح لإسرائيل سيطرة فعلية على الأرض، كانت هناك مجموعات مقاومة من السكَّان الأصليين. وأُعطِي كل سبط مسؤولية استكمال عملية امتلاك الأرض. وللأسف يُظهِر سفر القضاة أن أسباط إسرائيل لم يُنجزوا هذه المهمة.
يسجل يشوع ١٤-١٩ تقسيم الأرض بين الأسباط. كان لتخصيص ست "مدن للملجأ" وثماني وأربعين مدينة للاويين أهمية خاصة في تاريخ إسرائيل. توفِّر مدن الملجأ الحماية لمن يقتل شخصًا بالخطأ.[6]والشخص الذي يهرب إلى مدينة الملجأ يحظى بالحماية من الانتقام الظالم من جانب عائلة الشخص المقتول. في الوقت نفسه، أظهر بقاء القاتل في مدينة الملجأ حتى موت رئيس الكهنة القيمة العالية للحياة في ناموس موسى؛ حتى الموت العرضيّ كان يؤخَذ على محمل الجد.
لم ينَل اللاويون ميراثًا خاصًا من الأرض. بل كان هذا السبط منتشرًا في كل الأرض، حتى يعيشوا بين الشعب كله ويقدِّمون الإرشاد الروحي لكل بني إسرائيل.
عبادة الله في الأرض (يشوع 22-24)
يبدأ هذا القسم بقصة توضِّح وحدة الأمة. لم تكن إسرائيل اتحادًا لمجموعة من الأسباط المستقلة؛ بل كانت أمة واحدة تعبد إلهًا واحدًا. ويقدِّم يشوع 23 و24 تحدِّي يشوع الأخير للشعب. في مشاهد مشابهة لخطابات موسى الأخيرة في سفر التثنية، يدعو يشوع شعب إسرائيل لإعادة تأكيد تكريسهم لله في حفل تجديد العهد. وينتهي السفر بموت يشوع عن عمر يناهز 110 سنة.
◄كقائد كنيسة، كيف يمكنك إعداد كنيستك لانتقال القيادة؟ ناقش الخطوات العملية لهذا الانتقال.
في نهاية سفر التثنية، وضع موسى يديه على يشوع رمزًا إلى انتقال القيادة. وفي نهاية سفر يشوع لا يوجد انتقال واضح من يشوع إلى قائد آخر. بدلًا من ذلك، يقول سفر يشوع عبارة تشير إلى المشاكل القادمة في القضاة: "وَعَبَدَ إِسْرَائِيلُ الرَّبَّ كُلَّ أَيَّامِ يَشُوعَ، وَكُلَّ أَيَّامِ الشُّيُوخِ الَّذِينَ طَالَتْ أَيَّامُهُمْ بَعْدَ يَشُوعَ وَالَّذِينَ عَرَفُوا كُلَّ عَمَلِ الرَّبِّ الَّذِي عَمِلَهُ لإِسْرَائِيلَ."[7]ستُظهر بداية سفر القضاة أن قيم يشوع لم تنتقل إلى الجيل التالي.
جاء تنظيم حرب الرب، أو الحرب المقدسة، في سفر التثنية 20. يقدم هذا الإصحاح إرشادات لسلوك إسرائيل في الحرب.
في السنوات الأخيرة، أدَّى عاملان إلى تجدُّد المناقشات حول أوامر الله بتدمير الكنعانيين. أولاً، يشير المشكِّكون إلى هذا الأمر ليقولوا إن يهوه كان إلهًا متعطِّشًا للدماء يجب إدانته وليس عبادته. وثانيًا، أدى ظهور الجهاد الإسلامي، والمحرقة، والإبادة الجماعية في أماكن مثل رواندا والبوسنة إلى تساؤل بعض المسيحيين: "هل هذا الجهاد هو نفسه الحرب المقدسة الذي أمر بها سفر يشوع؟ هل كانت إسرائيل في العهد القديم مذنبة بارتكاب الفظائع نفسها التي تُرتَكَب اليوم باسم الله؟"
في حين أن هذا السؤال يتعدى نطاق دراسة عامة قصيرة، لكن يجب مراعاة بعض المبادئ عند دراسة سفر يشوع.[1]
(1) تعكس حرب الرب عدل الله. كان الكنعانيون (كجميع الناس) خطاة يخضعون لقضاء الله العادل. يمكن القول بأن المفاجأة ليست أن الله أهلك الكنعانيين، بل أنه أنقذ بقية الجنس البشري.[2]فكل البشر يستحقون دينونة الله.
تُظهر شهادة راحاب للجاسوسين الإسرائيليين أن الكنعانيين سمعوا بقوة الله.[3]ومع ذلك، باستثناء راحاب، لم يتُب أيّ كنعاني ويرجع إلى الله. ويشير استعداد الله للصفح عن راحاب (وعن نينوى في جيلٍ لاحق) إلى أنه كان بإمكان توبة الكنعانيين أن تجلب رحمة الله.
(2) تعكس حرب الرب سيادة الله على الأرض. إن أرض الموعد (مثل كل الأرض) مِلك لله. لم "يأخذ" الله الأرض من الكنعانيين؛ كانت الأرض لله ليعطيها لمن يختار. في الشرق الأدنى القديم، كان يُنظَر إلى كل الحروب على أنها حرب مقدسة، حرب بين الآلهة.[4]في الضربات على مصر، أثبت يهوه أنه أعظم من آلهة مصر؛ وفي تدمير مدن كنعان، أثبت يهوه أنه أعظم من آلهة كنعان. كانت حرب إسرائيل ضد الكنعانيين حربًا ضد آلهة كنعان. وأظهر انتصار إسرائيل سيادة الله على العالم كله.
(3) تعكس حرب الرب قداسة الله. فقد سعى الإله القدوس إلى حماية شعبه من فساد الوثنية الكنعانية. ونرى خطورة هذه المسألة في سفر القضاة؛ فسرعان ما انجذبت إسرائيل إلى آلهة الكنعانيين الباقين. لن يحمي إسرائيل من الارتداد إلا التدمير الكامل للكنعانيين. لقد عرَّفت الحرب المقدسة في سفر يشوع إسرائيل والأمم طبيعة الله المقدسة.
(4) تعكس حرب الرب محبة الله. من تكوين 3: 15 إلى بقية العهد القديم، كان قصد الله هو إرسال المسيَّا من خلال نسل إبراهيم. وبارك الله إبراهيم ونسله ليباركوا جميع الأمم. ولتحقيق هذا القصد، يجب أن يحمي الله شعب إسرائيل من فساد عبادة الأصنام الكنعانية. بقدر ما يبدو تدمير الكنعانيين أمرًا صعبًا، فهو يعكس قصد الله المُحب لجميع الناس.
جاءت حرب الرب في وقتٍ فريدٍ من التاريخ وليست نمطًا للمسيحيين في العصر الحديث. إنها ليست دفاعًا عن الأعمال الوحشية التي تُرتكب باسم الدين في عصرنا هذا. فقد ميَّز ناموس موسى بين المعارك التي دارت خارج أرض الموعد والمعارك التي دارت داخل الأرض؛ لا أحد اليوم في وضع إسرائيل وقت دخول كنعان.[5]وكما رأينا في "نظرة أعمق إلى الناموس"، يجب أن نقرأ سفر يشوع من خلال عدسة مجيء المسيح.
أخيرًا، وردًّا على المشكِّكين، يجب أن نلاحظ أن هذا لم يكن تطهيرًا عِرقيًا؛ كانت حربًا دينية ضد عبادة الأصنام. لا يوجد "حياد" تجاه الله. إما أن يلجأ المرء إلى الله بإيمان أو يرفضه بتمرُّد. أولئك الذين يرفضون الله (في العهد القديم والجديد) يواجهون دينونة الله النهائية.
في تاريخ إسرائيل اللاحق، تحول بنو إسرائيل إلى عبادة الأصنام. وردًّا على ذلك، أعلن الله الحرب على شعبه.[6]كانت الحرب ضد الكنعانيين رهيبة. ومع ذلك، لم تكن إبادة جماعية. وبقدر ما نشعر به من عدم ارتياح، كانت حرب يشوع انعكاسًا لإله قدوس وعادل ومحب لا يبرِّر الخطية.
[1]للمزيد عن هذه المسألة اقرأ:
+ Stanley Gundry, Show Them No Mercy: Four Views on God and Canaanite Genocide, (Grand Rapids: Zondervan, 2003)
+Paul Copan, Is God a Moral Monster?: Making Sense of the Old Testament God, (Ada: Baker Books, 2011)
[2]Daniel Gard in Stanley Gundry, Show Them No Mercy: Four Views on God and Canaanite Genocide, (Grand Rapids: Zondervan, 2003), 140.
[4]يُظهر الفن الباقي من آشور القديمة كلًا من الملك والإله الآشوري آشور يجذبان قوسًا لمحاربة أعداء آشور؛ يُعتبَر انتصار الملك الآشوري انتصارًا لآشور. انظر أيضًا ١صموئيل ٥: ٢ حيث يفسِّر الفلسطينيون انتصارهم على إسرائيل على أنه انتصار داجون على يهوه.
يبدأ سفر القضاة بتعاون الأسباط في دخول كنعان؛ وينتهي السفر بدخول الأسباط في حرب أهلية بعد جريمة بشعة ارتكبها أفراد من سبط بنيامين. يبدأ سفر القضاة بعبادة الشعب لله؛ وينتهي بالارتداد الديني والفوضى الاجتماعية.
يلخِّص قضاة 2: 6-11 سبب انحدار إسرائيل. بعد الانتصارات العظيمة التي سجَّلها سفر يشوع، وبعد تجديد العهد في نهاية السفر، يُظهر سفر القضاة مدى سرعة ارتداد إسرائيل. ويذكر سبع مرات: "وَفَعَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ."[1]
ما سبب هذا الانحدار المأساوي؟ يجيب سفر القضاة عن هذا السؤال بعبارتين.[2]أولاً: "لَمْ يَكُنْ مَلِكٌ فِي إِسْرَائِيلَ." من المحتمل أن يكون سفر القضاة قد كُتِبَ في الأيام الأولى من النظام الملكي، ويظهر الحاجة إلى ملك لتوحيد الأمة. ثانيًا، "كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ يَعْمَلُ مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْهِ." بدلًا من أمة متَّحدة في طاعة أمينة لله، بات كل واحد يتبع طريقه الخاص.
إن الغرض من سفر القضاة هو إظهار نتائج ارتداد إسرائيل. يظهر سفر القضاة مرارًا وتكرارًا أن الله "باع" إسرائيل لأيدي أعدائهم بسبب خطيتهم. وتمَّت لعنات تثنية 27-28 في سفر القضاة.
الكاتب وتاريخ الكتابة
تغطي أحداث سفر القضاة السنوات من حوالي 1380-1050. لا يوجد كاتب محدَّد في السفر نفسه، مع أن التقليد اليهودي يحدِّد أن صموئيل هو كاتب السفر. وقد كُتِب على الأرجح في الأيام الأولى للنظام الملكي، قبل أن يستولي داود على أورشليم من اليبوسيين.[3]
من هو القاضي؟
لم يكن "القاضي" مسؤولًا قانونيًّا كما نفكِّر في القاضي اليوم. ولم يكن مسؤولًا سياسيًّا مثل الملك أو مسؤولًا دينيًّا مثل الكاهن. كان القضاة قادة عسكريين لهم مواهب من الله ليخلِّصوا شعبه من الظلم. وكان القضاة يحكمون على الأسباط، لا على الأمة بأكملها. وقد يكون حكم القضاة متداخلًا، حيث يحكم أحد القضاة في سبط أو مجموعة من الأسباط بينما يحكم قاضِ آخر سبطًا آخر أو مجموعة أخرى من الأسباط.
نظرة عامة إلى سفر القضاة
جذور ارتداد إسرائيل (قضاة 1: 1 - 3: 6)
في زمن القضاة، كانت أسباط إسرائيل تسيطر على التلة بينما كان الكنعانيون يسيطرون على المناطق الساحلية؛ لم يستكمل بنو إسرائيل عملية دخول الأرض التي بدأت في عهد يشوع. ويذكر سفر القضاة سببين لعدم اكتمال امتلاك الأرض. يظهر قضاة 1: 19 سببًا بشريًّا. "لم يطرد يهوذا سكان الوادي، لأن لديهم مركبات من حديد." من وجهة نظر بشرية، كان الكنعانيون أقوياء للغاية بالنسبة ليهوذا.
ولكن قد نسأل: "أليس الله أقوى من مركبات الكنعانيين؟" يكشف قضاة 2 عن سبب أعمق لعدم اكتمال امتلاك الأرض. حتى في أيام الحرب العسكرية، فشل إسرائيل في طاعة الله بالكامل. وقد حكم الله على عصيانهم بترك بعض السكان في الأرض "ليكونوا أشواكًا في جنبك" وليمتحن إسرائيل.[4]
مراحل الارتداد والخلاص (القضاة 3: 7- 16: 31)
تصف هذه الإصحاحات ست دورات من الارتداد والخلاص. يبدأ النمط في الإصحاح الثاني ثمَّ يظهر في حياة القضاة. ست مرات:
يُظهر سفر القضاة انخفاضًا مطردًا في جودة القضاة. لا يُذكَر أي شيء سلبي عن القاضي الأول عثنيئيل. "كان عليه روح الرب" واستخدمه الله ليخلِّص إسرائيل.[6]ومع ذلك، فشل القضاة اللاحقون في الارتقاء إلى المستوى الذي وُصِفَ به عثنيئيل.
انتصر إهود بالخداع.[7]وكانت دبورة قائدة أمينة، لكن ترنيمة الانتصار التي ترنَّمت بها تكشف عن أمة منقسمة إلى فصائل متنافسة.[8]
كان جدعون بطيئًا في ثقته بالله، مما تطلَّب ثلاث معجزات لتأكيد دعوة الله له. ثم قاد إسرائيل فيما بعد إلى العبادة الباطلة.[9]
على عكس القضاة السابقين، لا يُذكَر أن الله "أقام" يفتاح. بل اختاره الشعب لقيادة جلعاد. رأى يفتاح أن الله إله يمكنه أن يعقد معه صفقة ويقطع نذرًا أحمق لكسب رضاه.[10]
كان شمشون، آخر القضاة، مجرَّد ظل لنموذج القائد الذي يطلبه الله. فقد خالف عهود نذره، وأذنب بالدخول في علاقات غير أخلاقية مع الكنعانيات. وفي النهاية، كان شمشون أكثر نجاحًا في موته منه في حياته.[11]
استخدم الله القضاة لخلاص شعبه. ولكن، تُظهِر دراسة سفر القضاة الانحدار المطرد للأمة إلى الارتداد الروحي، والانحلال الأخلاقي، والفوضى الاجتماعية.
انهيار المجتمع الإسرائيلي (القضاة 17 - 21)
ينتهي سفر القضاة بقصتين تظهِران انهيار المجتمع الإسرائيلي. تُظهِر قصة أخذ سبط دان تمثال ميخا وكاهنه انهيارَ الحياة الدينية.[12]فإسرائيل الآن مذنبة بعبادة الأصنام التي جلبت دينونة الله على الكنعانيين. لماذا كان هناك مثل هذا الانحلال الروحي؟ "لَمْ يَكُنْ مَلِكٌ فِي إِسْرَائِيلَ. كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ يَعْمَلُ مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْهِ."[13]
تشبه القصة المروِّعة لاغتصاب سُرِّيَّة اللاوي وقتلها قصة سدوم وعمورة. بات بنو إسرائيل مذنبين بالخطايا الجنسية نفسها والعنف الذي ارتكبه الكنعانيون. وردًّا على جريمة بني بنيامين، اندلعت في إسرائيل حرب أهلية. لماذا كان هناك مثل هذا الانحلال الأخلاقي والاجتماعي؟ "فِي تِلْكَ الأَيَّامِ لَمْ يَكُنْ مَلِكٌ فِي إِسْرَائِيلَ. كُلُّ وَاحِدٍ عَمِلَ مَا حَسُنَ فِي عَيْنَيْهِ."[14]
ثمَّة عبارتان تظهران أهمية سفر راعوث في تاريخ العهد القديم. أولًا، حدثت قصة راعوث "فِي أَيَّامِ حُكْمِ الْقُضَاةِ."[1]ويُظهر هذا أنه في زمن الارتداد الديني، كانت هناك سيدة شابة ظلَّت أمينة لله. والمُدهِش أن هذا النموذج الفاضل كان لامرأة موآبية. بينما كان شعب اسرائيل ينحدرون في الفوضى التي ذُكِرَت في نهاية سفر القضاة، كانت امرأة موآبية أمينة ليهوه.
ثانيًا ، كان لبوعز وراعوث ابن: "وَدَعَوْنَ اسْمَهُ عُوبِيدَ. هُوَ أَبُو يَسَّى أَبِي دَاوُدَ."[2]وبما أن راعوث هي جدة داود، فهي مهمة في التاريخ القومي لإسرائيل.
سفر راعوث: قصة في أربعة مشاهد
المشهد الأول: عودة راعوث ونعمي إلى بيت لحم (راعوث 1)
يأخذ سفر راعوث شكل قصة قصيرة تُعرَض فيها شخصيات القصة وسياقها في فقرة مختصرة. الزمان هو "وقت القضاة." والمكان هو بيت لحم وموآب. والشخصيات الرئيسية هم الإسرائيليون والموآبيون العاديون.
ذهب أليمالك وعائلته إلى موآب هربًا من المجاعة في يهوذا. ومكثوا هناك عشر سنوات، وخلال هذه الفترة تزوَّج ابنا أليمالك من زوجتين موآبيتين. ومات الرجال الثلاثة في موآب واستعدت نُعمي للعودة إلى بيت لحم وحدها.
بقيت عرفة، إحدى الأرملتين في موآب. وأصرَّت راعوث، الأرملة الأخرى، على العودة إلى بيت لحم مع حماتها. وتعهَّدت راعوث أن تحيا وتموت مع نعمي وأن تخدم إله إسرائيل.
عادت السيدتان إلى بيت لحم، لكن نعمي عانت كثيرًا حتى أنها طلبت من سكان المدينة أن يدعوها مُرَّة (من المرارة) بدلًا من نعمي ("مسَّرة").
لمشهد الثاني: لقاء راعوث وبوعز (راعوث 2)
بسبب شريعة الالتقاط،[3]تمكَّنت راعوث من جمع الطعام لنعمي ولنفسها. لقد "تصادف" أنها نزلت لتلتقط في حقل بوعز، وهو قريب ثري لأليمالك، والد زوجها المتوفى.
عندما رأى بوعز راعوث تعمل في حقله، رتَّب لحمايتها وتزويدها بشعير إضافّي. ومع أن اللقاء بين بوعز وراعوث قد يبدو أنه صدفة، أدركت نعمي عمل يد الله.[4]وطلبت من راعوث البقاء في حقل بوعز أثناء حصاد الشعير والحنطة.
المشهد الثالث: راعوث تطلب الزواج من بوعز (راعوث 3)
كان بوعز، بصفته أحد أقرباء أليمالك، هو "الوليّ - الفادي"، الذي يتمِّم تقليد العهد القديم الخاص بزواج الأخ بأرملة أخيه.[5]في إسرائيل، كان يجب أن تبقى جميع الأراضي في العائلة التي أعُطيت لها بعد دخول الأرض. وإذا أُجبرت عائلة على بيع ممتلكاتها في الأوقات الصعبة، كان الوليّ - الفادي مسؤولًا عن استرداد الممتلكات وإعادتها إلى العائلة الأصلية. وعلى أمل أن يقوم بوعز بهذا الدور، وضعت نعمي خطة طلبت فيها راعوث الزواج من بوعز.
من خلال إجراء طقسيّ في بيدر بوعز، عرضت راعوث الزواج من بوعز. واستجاب بوعز لطلب راعوث بسرور، مع أنه اعترف بأن قريبًا آخر كان أقرب منه. ويجب أن يُمنح هذا القريب فرصة لاسترداد ميراث نعمي.
المشهد الرابع: بوعز يقوم بدور الولي- الفادي لراعوث (راعوث 4)
في صباح اليوم التالي، ذهب بوعز إلى باب المدينة حيث تُجرى المعاملات التجارية. وعندما مرَّ الولي الأقرب، أخبره بوعز عن فرصة شراء الأرض التي كانت لأليمالك. أراد هذا القريب الذي لم يُكشَف عن اسمه استرداد الممتلكات. ولكن عندما أخبره بوعز أنه يجب أن يتزوج راعوث كجزء من الاسترداد، لم يرغب هذا القريب أن "يفسد" ميراثه. فإذا تزوج راعوث، سيحمل أولادهما اسم زوج راعوث الأول وميراثه. وهذا قد يفسد ممتلكاته ويؤثر على ميراث أبنائه. ولحماية ممتلكاته، رفض القريب هذه الفرصة.
مهَّد هذا الطريق أمام بوعز وراعوث للزواج. وأعطاهما الله ابنًا، وأصبحت نعمي الشخصية الرئيسية في نهاية السفر. لقد فقدت ابنيها؛ وهي الآن تحمل بين ذراعيها ابن راعوث وبوعز.
مثل سفر أستير، القصة القصيرة الأخرى التي تصوِّر امرأة أمينة في موقف صعب، يُظهر سفر راعوث سلطان الله فيما يبدو أنه صدفة. أصبحت راعوث جدة لداود، وفي النهاية، أصبحت جدة ليسوع المسيح.
[5]كان زواج أرملة الأخ هو زواج أحد الأقرباء من أرملة رجل متوفٍ بغرض حمل اسم الزوج الأول وميراثه. لم يرِغب القريب مجهول الاسم في راعوث 4: 6 في الزواج من راعوث لأن ذلك سيضر بحقه في الميراث.
خاتمة
الأسفار من يشوع إلى راعوث في العهد الجديد
إن اسم يسوع هو الصيغة اليونانية في العهد الجديد للاسم العبري يشوع. كما قاد يشوع شعب الله خارج مصر إلى كنعان، أخرج يسوع شعب الله من العبودية إلى راحة السبت.[1]
رغم تدهور المجتمع الإسرائيلي، يُنظر إلى بعض القضاة على أنهم أمثلة للإيمان في عبرانيين 11. حيث يُكرَّم جدعون، وباراق، ويفتاح، وشمشون أيضًا لإيمانهم بالله. مع أن هؤلاء الرجال لم يرتقوا دائمًا إلى المتوقَّع منهم، فقد عمل الله من خلالهم لتحقيق مقاصده.
راعوث هي واحدة من أربع نساء ورد ذكرهن في سلسلة نسب يسوع.[2]إن أمانة هذه الأرملة الموآبية منحتها مكانًا في نسَب المسيح. هناك العديد من أوجه التشابه بين قصتَي راعوث ومريم. تشمل كلتاهما الولادة في بيت لحم. وتشمل كلتاهما أمانة امرأة لله وهي لا تحظى بمكانة اجتماعية مرموقة (امرأة موآبية وامرأة غير متزوجة حبلى). وتُظهر كلتاهما أن الله يبارك الأمناء له.
توضِّح هذه الأسفار مبادئ الزرع والحصاد المذكورة في سفر التثنية. يُظهِر سفر يشوع وسفر راعوث بركة الله للأمناء. ويظهر سفر القضاة دينونة الله للعُصاة.
الأسفار من يشوع إلى راعوث تتحدَّث اليوم
في البلدان التي مزقها الصراع بين الإسلام والمسيحية، لا تزال قضية الحرب المقدسة تواجه الكنيسة. ويجب على المسيحيين في تلك البلدان أن يدرسوا بعناية المبادئ الواردة في "نظرة أعمق إلى الحرب المقدسة" في ضوء صراعات اليوم.
على نطاق أوسع، يواجه المسيحيون اليوم قضايا الأمانة والخيانة التي واجهها يشوع، وراعوث، والشعب في زمن القضاة. واليوم، بما أننا لا نعيش تحت حكم ثيوقراطيّ، فإن استجابة الله في كثير من الأحيان ليست فورية ومرئية كما في العهد القديم. لكن هذا لا يعني أنه لا يدين الخيانة أو أنه لا يكافئ الأمانة. تذكِّرنا نماذج يشوع وراعوث ومثال شمشون السلبي بأن الله لا يزال يبحث عن شعبٍ أمينٍ له.
SGC exists to equip rising Christian leaders around the world by providing free, high-quality theological resources. We gladly grant permission for you to print and distribute our courses under these simple guidelines:
No Changes – Course content must not be altered in any way.
No Profit Sales – Printed copies may not be sold for profit.
Free Use for Ministry – Churches, schools, and other training ministries may freely print and distribute copies—even if they charge tuition.
No Unauthorized Translations – Please contact us before translating any course into another language.
All materials remain the copyrighted property of Shepherds Global Classroom. We simply ask that you honor the integrity of the content and mission.