في العهد القديم نجد أن سفر يشوع يحدثنا عن تحول شعب إسرائيل من الحياة في البرية إلى الحياة في كنعان، ومن قيادة موسى إلى قيادة يشوع. ويصور يشوع تحولاً هاماً في تاريخ شعب الله، إسرائيل.
وفي العهد الجديد، نجد أن سفر الأعمال يحدثنا عن التحول من الخدمة الأرضية ليسوع إلى الخدمة الروحية للروح القدس من خلال الكنيسة. فيحدث تحولاً من التركيز على عمل يسوع إلى التريكز على أعمال الرسل. ويصور سفر الأعمال تحولاً هاماً في حياة شعب الله، الكنيسة.
يُبرز سفر يشوع تحولاً ناجحاً جزئياً. ففي نهاية السفر، يتعهد شعب إسرائيل بالولاء للرب.[1]إلا أن الكنعانيين لم يُهزَموا بالكامل. ففي الجيل التالي، نرى إسرائيل يعبد آلهة الكنعانيين.[2]
أما سفر الأعمال، فيصوّر تحولاً أكثر نجاحاً. فالإرسالية التي جاءت في استهلال السفر تتحقق في نهاية السفر.[3]يبدأ سفر الأعمال بالكنيسة اليهودية في أورشليم، وينتهي بكنيسة متعددة الثقافات في أنطاكية. يبدأ سفر الأعمال في أورشليم، وينتهي في روما. يبدأ سفر الأعمال ببطرس، أحد التلاميذ المقربين ليسوع، في الطليعة، وينتهي ببولس، مضطهِد سابِق للكنيسة، في الطليعة.
قدم لنا الدرس الأول نظرةً عامةً على عالم العهد الجديد. سيساعدك أن تراجع الدرس على إنعاش ذاكرتك من أجل دراسة سفر الأعمال. وهناك بعض الحقائق الإضافية الهامة لفهم انتشار الكنيسة الأولى عبر الإمبراطورية الرومانية.
الجغرافيا
ينتقل محور الأحداث في سفر الأعمال من فلسطين إلى حدود الإمبراطورية الرومانية. انظر إلى الخريطة التي في كتابك المقدس أو في أطلس الكتاب المقدس.[1]لاحظ المواقع التالية الهامة في سفر الأعمال:
أنطاكية في مقاطعة سورية: مركز الكرازة المسيحية خارج اليهودية.
فيلبي في مقاطعة مكدونية: أول كنيسة تُزرَع على أرض أوربية.
أفسس في مقاطعة آسيا: عاصمة المقاطعة. كانت استراتيجية بولس هي زراعة الكنائس في المدن الرائدة التابعة للإمبراطورية الرومانية. فكانت رسالة الإنجيل لتنتشر في المقاطعة إن زرعت في كنيسة تحتل موقعاً محورياً.
كورنثوس في مقاطعة آخائية: موقع كورنثوس كميناء على البحر المتوسط جعل منها مدينة للكرازة لأن الكثيرين كانوا يأتون من أمم مختلفة لزيارة المدينة.
روما: كان هدف بولس هو زيارة روما الأمر الذي كان ليساعد على البشير في كل الإمبراطورية. وخطط للذهاب من روما إلى إسبانيا في فترة متأخرة من خدمته.
التاريخ
هناك إمبراطوران رومانيان مهمان في سفر الأعمال والرسائل:
نيرون، وكان الإمبراطور بين عامي 54 و68 م. ألقى نيرون اللوم على المسيحيين لنشوب حريق هائل أدى إلى دمار معظم روما. وهذا الاتهام الخاطئ أدى إلى اضطهاد واسع النطاق للمسيحيين. وكان بطرس وبولس من بين مؤمنين كثيرين قتلهم نيرون.
دوميتيان، وكان الإمبراطور بين عامي 81 و96 م. كان يلقب بـ"الرب والإله"، واضطهد المسيحيين الذين رفضوا القسم بالولاء له. وأغلب الظن أن سفر الرؤيا كتب في عهده.
[1]خرائط الكتاب المقدس متاخة عبر موقع: http://www.openbible.info/geo/
خلفية سفر الأعمال
الكاتب وتاريخ الكتابة
في سفر الأعمال، يواصل لوقا الرواية التي بدأها في بشارته. "اَلْكَلاَمُ الأَوَّلُ أَنْشَأْتُهُ يَا ثَاوُفِيلُسُ..."[1]
وفي نهاية سفر الأعمال، نجد أن بولس وُضِع تحت الإقامة الجبرية في روما.[2]والتاريخ المرجح لذلك هو نهاية العقد السادس أو بداية العقد السابع الميلادي.
الهدف
تصور بشارة لوقا يسوع يدرب تلاميذه على قيادة الكنيسة. ويصور سفر الأعمال التلاميذ يكرزون برسالة الإنجيل للعالم. نرى في سفر الأعمال انتشار الإنجيل من أورشليم واليهودية إلى السامرة وإلى أقصى الأرض.
مواضيع هامة
التفاصيل التاريخية
مثل بشارة لوقا، نرى أن سفر الأعمال يلتفت بعناية إلى التفاصيل التاريخية. يذكر سفر الأعمال أكثر من 30 بلداً و50 مدينةً وحوالي مائة شخص.[3]
الكرازة والإرسالية
في بداية سفر الأعمال، يكلف يسوع تلاميذه بالكرازة بالإنجيل في أورشليم واليهودية والسامرة و"إلى أقصى الأرض." وفي نهاية سفر الأعمال، نرى أنه تمت الكرازة بالإنجيل في كل الإمبراطورية الرومانية.
عمل الروح القدس
تلتفت بشارة لوقا إلى دور الروح القدس في خدمة يسوع على الأرض. وفي سفر الأعمل، يوضح لوقا دور الروح القدس في الكنيسة الأولى. إن الروح القدس هو الشخصية المحورية في سفر الأعمال. ومن خلال الروح القدس يُمَكَّن التلاميذ للخدمة.
رسالة الإنجيل
كُتِبَت بشارة لوقا للتأكيد على دقة الأمور التي تعلمها ثاوفيلس كمؤمن جديد. ويشترك سفر الأعمال في نفس الهدف: تعليم الإنجيل للمؤمنين الجدد. ويحتوي حوالي ربع السفر على عظات. ومن بين العظات الهامة في سفر الأعمال:
عظة بطرس يوم الخمسين (أع 2)
دفاع اسطفانوس أمام السنهدريم (أع 7)
عظة بطرس في بيت كيرنيليوس (أع 10)
عظة بولس في آريوس باغوس في أثينا (أع 17)
وتتمحور هذه العظات حول الرسالة الجوهرية التي كرز بها الرسل:
[3]Walter A. Elwell and Robert W. Yarbrough, Encountering the New Testament, (Ada, MI: Baker Academic, 2005),
211.
[4]يطلق اللاهوتيون على هذه الرسالة المحورية مسمى "كيريغما"، أي الإنجيل المكرز به.
محتوى سفر الأعمال
يبدأ السفر بالتلاميذ في حالة من الارتباك. فبعد دخوله أورشليم، توقع التلاميذ أن يقيم يسوع مملكته الأرضية. ولكن بدلاً من ذلك، تم القبض عليه ومحاكمته وصلبه. وبقيامته، بُعثَ فيهم الأمل مرة أخرى في مملكة مسيانية.
في بداية سفر الأعمال قال يسوع للتلاميذ أن يلبثوا في أورشليم "وينتظروا وعد الآب." فسألوه "هَلْ فِي هذَا الْوَقْتِ تَرُدُّ الْمُلْكَ إِلَى إِسْرَائِيلَ؟" ولم يفهموا رده سوى لاحقاً.
وتمنحنا الإرسالية العظمة منظوراً لهيكل سفر الأعمال: الإنجيل في أورشليم (1 – 7)، الإنجيل في اليهودية والسامرة (8 – 12)، الإنجيل إلى أقصى الأرض (13 – 28).
بشارة الإنجيل في أورشليم (أعمال 1 – 7)
إن مركز الأحداث في أعمال 1 – 7 هو أورشليم. وتشمل الأحداث قصة يوم الخمسين، وصورة للحياة في الكنيسة الأولى، واستشهاد اسطفانوس.
يوم الخمسين: ولادة الكنيسة
بعد الصعود، عاد التلاميذ إلى أورشليم و"كَانُوا يُواظِبُونَ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الصَّلاَةِ وَالطِّلْبَةِ."[2]لقد كانوا هناك في يوم الخمسين، "عيد الأسابيع"، والذي كان يُحتَفَل به بعد سبعة أسابيع من عيد الفصح.[3]كان عيد الخمسين احتفاءً بعطية الشريعة. أما اليوم، فنحتفي في يوم الخمسين بعطية الروح القدس. وفي عظته في يوم الخمسين، ذكَّر بطرس بشرحه للآيات والعجائبت التي جرت في ذلك اليوم مستمعيه بأن يوئيل تنبأ بيوم يسكب فيه الله روحه على كل البشر. وقد تحقق هذا الوعد في يوم الخمسين.[4]
الحياة في الكنيسة الأولى
◄ كيف تعد الكنيسة الأولى نموذجاً لكنيسة اليوم؟ أي من جوانب يوم الخمسين ينبغي أن نختبرها اليوم؟
تثير صورة الحياة في الكنيسة الأولى سؤالاً هاماً لتفسير سفر الأعمال. إن سفر الأعمال سفر ذو طبيعة تاريخية، وليس برسالة لاهوتية مثل الرسالة إلى أهل رومية. ويحتوي السفر التاريخي على كل من الوصف (هذا هو ما فعلوه) والإلزام (هذا ما عليكم فعله). عند القراءة عن الحياة في الكنيسة الأولى، ينبغي أن يسأل القارئ: هل يخبرنا سفر الأعمال بأن هذه الصفة ينبغي أن تكون جزءاً من حياة الكنيسة اليوم؟ أم: هل كان سفر الأعمال يصف تلك الفترة من تاريخ الكنيسة فحسب؟ ويمكنك معرفة الإجابة عن طريق أن تسأل: ما مدى توافق ذلك وبقية التعليم الكتابي؟ هل توجد هذه الوصية في موضع آخر من الكلمة المقدسة؟
فيما يلي مثالان يوضحان الفرق بين الوصف والإلزام في سفر الأعمال:
بحسب ما جاء في أعمال 2: 42، كرَّس مؤمنو القرن الأول أنفسهم لتعليم الرسل، ولشركة المؤمنين، وللصلاة. ونجد في رسائل بولس وصايا تحث على دراسة الكتاب والاجتماع للعبادة والصلاة. ويمكننا أن نخلص من هذا إلى أن هذه الأنشطة هي وصايا لنا اليوم، وليست مجرد وصف لحقبة تاريخية ما.
بحسب ما جاء في أعمال 2: 45، كان المؤمنون يبيعون ممتلكاتهم وكان بينهم كل شيء مشتركاً. ولأن هذه الممارسة غير مذكورة في أي مكان آخر في الكلمة المقدسة، يمكننا أن نفترض أنها وصف للحياة في ذلك الوقت، وليست وصيةً لنا اليوم.[5]
◄ قبل التقدم في هذا الدرس، فكِّر في بعض الأنشطة التي كانت تمارس في الكنيسة الأولى. وفكر في كل منها: هل تعد وصيةً لنا اليوم أم مجرد وصف للحياة في الكنيسة الأولى فحسب؟ ينبغي أن تتحدد إجابتك بالتفكير في الكلمة المقدسة ككل، وليس بحسب ما تفضل أو تحب.
المواظبة على تعاليم الرسل
العبادة اليومية في الهيكل
بيع ممتلكاتهم
الكرازة المستمرة
الشركة مع المؤمنين
آيات ومعجزات لتأييد عمل الروح القدس
تسبيح الله
التكلم بلغات أخرى
اسطفانوس: أول شهداء المسيحية
بعد يوم الخمسين، باتت الكنيسة تنمو وتتزايد بسرعة ملحوظة. وآمن الكثيرون، بما في ذلك "جمهور كثير من الكهنة."[6]ورغم محاولات رؤساء اليهود لإخفاء حقيقة القيامة، كان هؤلاء الكهنة يعرفون الحقائق: انشقاق حجاب الهيكل، القبر الفارغ، مؤآمرة إخفاء الحقيقة. وتواصلت الآيات والمعجزات في الفترة الأولى للكنيسة، فأيدت خدمة الرسل كتكملة لخدمة يسوع.
في هذا الإطار، لم يكن هناك مفر من ظهور المعارضة. فبعد أن اتهم شهود زور اسطفانوس بالتجديف، رجم حتى الموت. في مواجهته للاستشهاد، نطق اسطفانوس بعظة قوية تحدث فيها عن عمل الله منذ إبراهيم إلى يسوع. ويقدم لنا سفر الأعمال شاول في هذا التصريح: "وَكَانَ شَاوُلُ رَاضِيًا بِقَتْلِهِ."[7]نرى بولس، والذي سيصير فيما بعد أعظم مبشري الكنيسة، كشاول في البداية، إذ كان "يَسْطُو عَلَى الْكَنِيسَةِ، وَهُوَ يَدْخُلُ الْبُيُوتَ وَيَجُرُّ رِجَالًا وَنِسَاءً وَيُسَلِّمُهُمْ إِلَى السِّجْنِ."[8]
بشارة الإنجيل في اليهودية والسامرة (أعمال 8 – 12)
في أعمال 8 – 12 تتجاوز بشارة الإنجيل أورشليم لتصل إلى اليهودية والسامرة. لقد دفع الاضطهاد المؤمنين الأوائل إلى الهروب من أورشليم إلى اليهودية والسامرة. وفي هربهم حملوا بشارة الإنجيل. لقد استخدم الله الاضطهاد لإتمام وصية أعمال 1: 8. في أعمال 8 – 12:
فيلبس، يهودي يتحدث اليونانية، كرز في السامرة مما أسفر عن نتائج عظيمة (8: 4 – 25).
فيلبس يكرز للخصي الحبشي الذي كان قد جاء للعبادة (8: 26 – 40).
شاول، في طريقه إلى اضطهاد المؤمنين في دمشق، آمن بالرب يسوع (9: 1 – 22).
بطرس يكرز لكيرنيليوس، قائد مائة روماني (10: 1 – 11: 18).
برنابا يكرز في أنطاكية، عاصمة المقاطعة الروامنية سورية (11: 22 – 30). وهذه الخدمة هامة لسببين:
قدم برنابا شاول للكنيسة في أنطاكية. وتلعب خدمة شاول هناك دوراً هاماً في تطوره.
صارت أنطاكية كنيسة المُرسَلين في منتصف القرن الأول. وبدأت رحلتا بولس التبشيريتان من أنطاكية.
الكرازة بالإنجيل إلى أقصى الأرض (أهعمال 13 – 28)
الرحلة التبشيرية الأولى (أعمال 13 – 14)
يسجل النصف الأخير من سفر الأعمال خدمة الرسول بولس. بعد أن آمن، قضى بولس بعض الوقت في العربية ودمشق وكيليكية. ثم عيّنه برنابا لتعليم الكنيسة في أنطاكية، وكانت الكنيسة هناك قد أنشأها مؤمنون هاربون من الاضطهاد في أورشليم على يد شاول.
من عام 47 إلى عام 49 م، سافر بولس وبرنابا ويوحنا مرقس قريب برنابا إلى قبرص (موطن برنابا) وآسيا الصغرى. وكان معظم هذه الرحلة مخصصاً لزرع الكنائس في غلاطية، وهي مقاطعة رومانية في آسيا الصغرى. ومنذ تلك الرحلة فصاعداً، صار شاول معروفاً باسم بولس. كان شاول اسماً عبرياً، في حين كان بولس اسماً رومانياً. وكان تغيير الاسم هذا يرمز إلى دعوة بولس الخاصة بالكرازة للأمم.
بينما كانوا في برجة بمفيلية، تركهما يوحنا مرقس وعاد إلى وطنه.[9]وبعد الوصول إلى دربة، عاد بولس وبرنابا ليزوروا الكنائس التي زرعوها قبل عودتهما إلى أنطاكية من حيث بدأت رحلتهما.
مجمع أورشليم (أعمال 15: 1 – 35)
أثار إيمان الأمميين من خلال خدمة بولس مشكلةً صعبةً في الكنيسة. حدث انقسام بين المؤمنين اليهود الذين أصروا على أن يتمم المؤمنون الأمميون كل أوجه شريعة موسى[10]وأولئك الذين أصروا على أن شريعة موسى غير ملزمة للمؤمنين الأمميين.
في عام 49 م اجتمع قادة الكنيسة ومشايخها في أورشليم للتوصل لحل لهذا النزاع. فأولئك الذين أرادوا المطالبة بالختان للأمم تحدثوا أولاً. ثم تحدث بطرس فيما يتعلق بخبرته في بيت كيرنيليوس حيث "لَمْ يُمَيِّزْ (الله) بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ بِشَيْءٍ، إِذْ طَهَّرَ بِالإِيمَانِ قُلُوبَهُمْ."[11]وأشار بولس وبرنابا إلى أدلة على عمل الله بين الأمم.
واختتم يعقوب، قائد كنيسة أورشليم، بحكم المجمع بأن يجتنب الأمميون المؤمنون أربعة أمور:
اللحم المذبوح للأوثان
لحم الحيوان المخنوق
لحم يحتوي على دم
الانحلال الجنسي
لم تكن هذه قائمة بالقوانين التي تجعل الأمميين مستحقين للخلاص، بل كانت نموذجاً للوحدة بين المؤمنين من خلفيات شديدة التباين. سمحت المتطلبات المتعلقة بالطعام لليهود والأمميين بالأكل معاً، وهو رمز هام للوحدة في الكنيسة الأولى. وكان التركيز على النقاء الجنسي ضرورياً بسبب الخلفية الماجنة السابقة للكثير من المؤمنين الأمميين المستجدين.
سعى مجمع أورشليم إلى الموازنة بين مبدئين. مبدأ الحرية الذي منع المؤمنين اليهود من "وَضْعِ نِيرٍ عَلَى عُنُقِ التَّلاَمِيذِ" ينص على شروط غير ضرورية.[12]ومبدأ الشركة الذي يطالب الأمميين بالابتعاد عن الممارسات التي كانت تعثر أخوتهم من اليهود.
◄ كيف نطبق هذين المبدئين اليوم؟ كيف نسمح بالحرية في مجالات لا تعطي فيها كلمة الله رأياً واضحاً؟ كيف نجتنب أن نعثر من لديهم قناعات تختلف عن قناعاتنا؟
الرحلة التبشيرية الثانية (أعمال 15: 36 – 22)
لم تكن كل الخلافات في الكنيسة الأولى تتعلق بالمبادئ اللاهوتية. فقد افترق بولس وبرنابا بسبب خلاف شخصي يتعلق بيوحنا مرقس.[13] ويظهر هذا الخلاف عمل الله حتى رغم الظروف الشخصية الصعبة. صار سيلا خادماً هاماً، وتضاعفت جهود بولس وبرنابا بفعل انفصالهما في العمل، واجتمع بولس مرة أخرى بيوحنا مرقس لاحقاً.[14]
بدأ بولس وسيلا الرحلة التبشيرية الثانية بزيارة الكنائس التي زرعها بولس وبرنابا في الرحلة التبشيرية الأولى. كذلك كرز بولس وسيلا في فيلبي وتسالونيكي وبيرية وأثينا وكورنثوس. وفي هذه الرحلة، تمت الكرازة بالإنجيل على أراضٍ أوربية بعد أن رأى بولس رؤيا لرجل مكدوني يطلب المساعدة.[15]انضم تيموثاوس الشاب إلى فريق بولس في لسترة، وانضم لوقا إلى بولس في ترواس.[16]قضى بولس حوالي 18 شهراً في زراعة الكنيسة في كورنثوس. وعاد الفريق إلى أنطاكية بعد أكثر من 3 سنوات من السفر (50 – 53 م.)
وتظهر الرحلة التبشيرية الثانية المعارضة التي واجهها بولس في كرازته، فقد سجنوا في فيلبي، وتعرض المنزل الذي كانوا يمكثون به في فيلبي إلى هجوم من قِبَل عصابة، أعداء من تسالونيكي تبعوهم إلى بيرية، وتمت محاكمة بولس في كورنثوس.[17]
كان لنمو الكنيسة ثمن باهظ. فإبليس لا يتخلى عما أخذه بدون حرب. إلا أن سفر الأعمال يظهر قوة الروح القدس وانتصار الإنجيل إذ أنشأت الكنائس في آسيا الصغرى ومكدونية وأخائية.
الرحلة التبشيرية الثالثة (أعمال 18: 23 – 21: 15)
قضى بولس وقتاً قصيراً في أنطاكية قبل مغادرتها لزيارة الكنائس في منطقتي غلاطية وفريجيا مرة أخرى. كان الجزء الأول من هذه الرحلة مخصصاً لتشديد المؤمنين في الكنائس التي زُرِعَت خلال الرحلتين التبشيريتين السابقتين.[18]امتدت الرحلة التبشيرية الثالثة من 53م إلى 57م. والفترة الزمنية الأطول (3 سنوات) كانت في أفسس. وفي أفسس كتب بولس الرسالتين إلى أهل كورنثوس لمخاطبة المشكلات في تلك الكنيسة الصعبة.
بعد مغادرة أفسس بسبب مقاومة الأعداء، توجه بولس إلى مكدونية وأخائية. وجمع التبرعات بشكل أساسي من الكنائس الأممية في تلك المنطقة لدعم المؤمنين اليهود المعوزين في أورشليم. وأثبتت هذه الوحدة بين الكنائس أن اليهود والأمميين أسوةً في كنيسة المسيح.
القبض على بولس وسجنه (أعمال 21: 15 – 28: 31)
في عودته من الرحلة التبشيرية الثالثة توقف بولس في قيصرية حيث حذر النبي أغابوس بولس من أنه سيتم إلقاء القبض عليه في أورشليم.[19]ويروي الجزء الأخير من سفر الأعمال عن إلقاء القبض على بولس وسجنه في قيصرية والاحتكام إلى روما (حقه كمواطن روماني) والرحلة الخطرة إلى روما (بما في ذلك تحطم السفينة على جزيرة مالطا) وخدمة سنتين في روما بينما كان تحت الإقامة الجبرية.
وتظهر نهاية سفر الأعمال أن الإرسالية العظمى التي أوصى بها يسوع في أورشليم واليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض كانت تتحقق. وأثناء إقامته الجبرية، تمكن بولس من الكرازة بحرية، "كَارِزًا بِمَلَكُوتِ اللهِ، وَمُعَلِّمًا بِأَمْرِ الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ بِكُلِّ مُجَاهَرَةٍ، بِلاَ مَانِعٍ."[20]بصرف النظر عن معارضة رؤساء اليهود (في الجزء الأول من سفر الأعمال) أو الحكومة الرومانية (في الجزء الأخير من سفر الأعمال)، مكَّن الروح القدس الكنيسة من تحقيق تكليف المسيح.
[5]يعتقد معظم علماء الكتاب المقدس أن هذه الممارسة كانت ترتبط بـ أ)الحاجة إلى إعانة المؤمنين الذين فقدوا وظائفهم ومنازلهم بسبب إيمانهم و ب)اعتقاد الكنيسة الأولى في مجيء المسيح الوشيك.
[10]كان هؤلاء المؤمنين من "فئة الفريسيين" (أع 15: 5). لم تكن المشكلة عامةً، جدل "اليهود في مقابل الأمميين". فيعقوب، على سبيل المثال، كان أحد من أوجدوا حلاً للمشكلة.
أظهرت بشارة لوقا أهمية الروح القدس في الخدمة الأرضية ليسوع، وأظهر سفر الأعمال أهمية الروح القدس في خدمة الكنيسة. ومن الممكن أن تتكرر بعض أوجه تجربة الكنيسة الأولى بدون حضور الروح القدس. فيمكننا أن ندرس الكتاب بقوتنا، ويمكننا أن نواظب على الشركة بقوتنا، بل ويمكننا أن نحاكي بعض الآيات والمعجزات بقوتنا. ولكن بدون حضور الروح القدس في وسطنا، لن تتحقق أبداً الصورة كما في سفر الأعمال.
يقدم لنا نمو الكنيسة متعددة الثقافات في سفر الأعمال نموذجاً لكنيسة اليوم. جاء عيد الخمسين بمؤمنين جدد من أوربا (روما) وآسيا (فرثيا ومادي) وإفريقيا (مصر وليبيا) إلى الكنيسة الجديدة. يصور سفر الأعمال كنيسةً تحتوي على ثقافات متناقضة تعمل في تناغم. وحين ظهرت الصراعات، تعلمت الكنيسة أن تجد الحل من خلال إرشاد الروح القدس. وينبغي أن يكون هذا هو هدفنا للكرازة اليوم، أن ننشر إنجيل يسوع المسيح عبر الحدود الثقافية. ويقدم سفر الأعمال نموذجاً لكنيسة تضم كل المؤمنين الحقيقيين في جسد المسيح.
يقدم لنا مبدأ الحرية والشركة الذي نراه في مجمع أورشليم نموذجاً للتعامل مع قضايا الضمير في كنيسة اليوم. ويؤكد بولس في رومية 14 وفي كورنثوس الأولى 8 أنه على المؤمن أن يجتنب خطئين.
يستوجب مبدأ الحرية أن نجتنب فرض قناعاتنا الشخصية على مؤمنين آخرين.
يتطلب مبدأ الشركة أن نجتنب ممارسة حريتنا على حساب الأخوة الأكثر ضعفاً. وهذا التواضع المتبادل يفعل الكثير حيال إزالة العوائق بين الأخوة والأخوات المؤمنين.
أما عن الكنائس التي تواجه الاضطهاد، فنمو الكنيسة الأولى في وجه المقاومة يعد إلهاماً للأمانة. فلم يكتفِ الله بمساعدة الكنيسة على النجاة فحسب، بل استخدم الاضطهاد لإخراج التلاميذ من أورشليم ليتمموا إرساليته للكنيسة. حين نسمح لله بالعمل من خلالنا، فإنه يبني كنيسته رغم مقاومة عالمنا.
خاتمة
نرى في سفر الأعمال تحول مجموعة مترددة من التلاميذ المختبئين في أورشليم إلى مجموعة من المبشرين الواثقين الذين كرزوا بالإنجيل في روما وما بعدها. يظهر سفر الأعمال قوة الروح القدس التي تعمل في الكنيسة ومن خلالها.
ومن الأدلة الرائعة على قوة الروح القدس المغيرة حياة الاثنى عشر رسولاً أنهم تحولوا من رجال هربوا عندما تم إقاء القبض على يسوع إلى رجال مستعدين للموت من أجل الرب المقام. ويشهد هذا الملخص المأخوذ من التقليد الكنسي والذي يشرح موت الرسل عن التحول الذي حدث يوم الخمسين. فقد ختم التلاميذ اختبارهم بدمائهم:
يعقوب قتل على يد هيرودس أغريباس بعد 12 عاماً فقط من يوم الخمسين.
سمعان بطرس صُلب. ولأنه شعر أنه غير مستحق أن يُصلَب كالمسيح، طلب أن يُصلَب مقلوباً.
أندراوس، شقيق بطرس، صُلب في أخائية، بالقرب من كورنثوس.
توما تحول من "توما الشكاك" إلى رجل شديد الالتزام والتكريس حتى أنه ذهب إلى الهند كمبشر واستشهد هناك، ربما عن طريق قطع رأسه.
فيلبس تم تعذيبه وصلبه في فريجيا.
متى قطعت رأسه في أثيوبيا.
نثنائيل (برثلماوس) تم سلخه ثم صلبه.
يعقوب الصغير أُخِذ إلى أعلى الهيكل لكي ينكر يسوع. وحين رفض، تم رميه من أعلى الهيكل.
سمعان الغيور صُلب في سوريا بعد أن كرز في مصر وفارس.
يهوذا (تداوس) ضرب حتى الموت أثناء كرازته لكهنة وثنيين في بلاد ما بين الرافدين.
متياس الذي أختير ليحل محل يهوذا الإسخريوطي. كرز في أثيوبيا ورجم فيما بعد أثناء صلبه.
يوحنا هو الرسول الوحيد الذي مات ميتةً طبيعيةً. إلا أنه قضى سنوات في المنفى في جزيرة بطمُس.
وفي النهاية، نرجو أن تفكر فيما يريد الله أن يفعله من خلال الكنيسة اليوم. كان هناك 120 تلميذاً في يوم الخمسين، وفي ذلك الوقت، كان يعيش في الإمبراطورية الرومانية حوالي 45 مليون نسمة. ومن المنظور البشري، كانت الكرازة لذلك العالم مستحيلةً. ولكن العجيب أنه بحلول نهاية القرن الأول الميلادي كانت بشارة الإنجيل قد انتشرت من 120 مؤمن ممتلئ بالروح القدس إلى كل أطراف الإمبراطورية الرومانية. فما الذي يريد الله أن يفعله من خلال كنيسته اليوم؟
واجب الدرس الرابع
(1) في بداية الدرس التالي، قم بحل الامتحان على هذا الدرس. ادرس أسئلة الامتحان جيداً استعداداً للامتحان.
(2) اختر أحد الواجبات التالية:
طلب منك في هذا الدرس أن تفكر في قائمة من أنشطة الكنيسة الأولى. وطلب منك أن تحدد ما إذا كان كل منها وصفاً للكنيسة الأولى أم إلزاماً ليومنا هذا. ولكل نشاط تعه إلزاماً، اذكر على الأقل شاهداً كتابياً واحداً يوصي بوضوح بممارسة هذا النشاط.
من خلال عظة بطرس في أعمال 2 أو عظة بولس في أعمال 17، اكتب مقالاً طوله صفحةً تلخص فيه الأفكار الرئيسية للتعليم الرسولي.
امتحان الدرس الرابع
(1) ما أهمية أفسس في استراتيجية بولس الكرازية؟
(2) ما أهمية روما في استراتيجية بولس الكرازية؟
(3) أي من الأباطرة الرومان يرتبطون باضطهاد الكنيسة الأولى؟
(4) لماذا تعود كتابة سفر الأعمال إلى أواخر الخمسينات أو أوائل الستينات من القرن الأول؟
(5) اذكر 3 أوجه للـ(كريغما)، جوهر الرسالة التي كرز بها الرسل.
(6) من هو أول شهداء المسيحية؟
(7) ما الدور الذي لعبه الاضطهاد في الكرازة التبشيرية للكنيسة الأولى؟
(8) ما الكنيسة متعددة الثقافات المُرسِلَة في القرن الأول؟
(9) اذكر أربعة متطلبات طالب بها مجمع أورشليم على المؤمنين الأمميين.
(10) ما النتائج الإيجابية التي نجمت عن انفصال بولس عن برنابا؟
SGC exists to equip rising Christian leaders around the world by providing free, high-quality theological resources. We gladly grant permission for you to print and distribute our courses under these simple guidelines:
No Changes – Course content must not be altered in any way.
No Profit Sales – Printed copies may not be sold for profit.
Free Use for Ministry – Churches, schools, and other training ministries may freely print and distribute copies—even if they charge tuition.
No Unauthorized Translations – Please contact us before translating any course into another language.
All materials remain the copyrighted property of Shepherds Global Classroom. We simply ask that you honor the integrity of the content and mission.