بعد الصعود، كتب الرسل روايتهم لحياة يسوع لكي يعلموا المؤمنين الجدد وليتجنبوا شيوع الروايات الخاطئة عن حياة يسوع. وفيما انتشرت الكنيسة في أرجاء الإمبراطورية الرومانية، كان الرعاة والمعلمون بحاجة إلى روايات مدونة موثوق بها عن حياة يسوع وخدمته. فكانت هذه أسباباً هامةً لكتابة الأناجيل.
تسمى الأناجيل الثلاثة الأولى بالأناجيل الإزائية لأنها تعرض وجهات نظر مختلفة للكثير من الأحداث ذاتها.[1]وفي حين تحتوي بشارة يوحنا على الكثير من الأحداث الفريدة التي لم تذكر في أية بشارة أخرى، فهناك الكثير من الأحداث المشتركة بين متى ومرقس ولوقا.
إن كُتّاب البشائر، أو البشيرين، لم يكونوا مجرد ناقلي نصوص، بل عمل الروح القدس على نحو معجزي من خلال شخصية كل منهم ليقوم بتوصيل رسالة الله بدون خطأ.
فيما يلي مثال يوضح الفرق بين البشائر. فنجد أن متى يعطي تقريراً مفصلاً بشهادة بطرس عن ألوهية يسوع، وتطويب يسوع لبطرس، وانتهار بطرس ليسوع.[2]بينما نجد نسختين أقصر من القصة في كل من بشارة مرقس ولوقا.[3]لا يذكر مرقس تطويب يسوع لبطرس، بينما لا يذكر لوقا تطويب يسوع لبطرس وقصة انتهار بطرس ليسوع. لا يوجد تناقض بين الروايات، بل نجد الحدث مقدماً من ثلاث زوايا مختلفة.
لا يوجد إنجيل بعينه يروي قصة حياة يسوع كاملةً، بل وقال يوحنا إن تسجيل الرواية كاملةً كان ليملأ كل كتب العالم.[4]إن البشائر ليست سير شاملة، بل أوحى الروح القدس لكل كاتب بالتركيز على زاوية مختلفة من خدمة يسوع. وبدراسة خلفية كل بشارة نتوصل إلى فهم أفضل لاختيار المادة في كل منها. لقد كان كل كاتب يخاطب جمهوراً مختلفاً ويكتب لهدف مختلف.
[1]مصطلح "الأناجيل الإزائية" يعني الأناجيل التي "تُرَى معاً".
أغلب الظن أن بشارة متى كتبت ما بين عامي 50 و70 م. ومن المحاور الهامة في بشارة متى تحقق النبوات. ولأن متى لا يذكر تحقق تنبؤ المسيح بدمار الهيكل، فأغلب الظن أن بشارة متى كتبت قبل عام 70 م.[1]
نستشف من عدة خصائص أن بشارة متى كانت تخاطب الجمهور اليهودي بشكل أساسي:
لا يشرح متى العادات والتقاليد اليهودية للقارئ.
اقتباس متى للكثير من مقاطع العهد القديم أكثر من البشيرين الآخرين.
يولي متى اهتماماً خاصاً بتحقق نبوات العهد القديم في يسوع.
يستخدم مرقس ولوقا مصطلح "ملكوت الله"، في حين يستخدم متى مصطلح "ملكوت السموات". ويعكس هذا حرص اليهود على عدم تكرار اسم الله كثيراً.
محتوى بشارة متى
◄ كيف يُظهِر متى أن يسوع هو الملك؟
يسوع الملك
كثيراً ما تسمى بشارة متى ببشارة الملك. فنرى أنه تم تصوير يسوع في بشارة متى كملك اليهود، وكملك على كل الأمم. سافر المجوس من الشرق ليشهدوا ميلاد ملك جديد. وطلب هيرودس أن يقتل هذا الملك المنافس له. وهكذا، تصور بشارة متى يسوع كملك.
يستخدم متى تعبير "ابن داود" أكثر من أية بشارة أخرى. وهو لقب ملوكي يظهر أن يسوع من نسل داود. واستخدم هذا الاسم حين دخل يسوع أورشليم على حمار، وهو دخول ملكي فيه تحقيق للنبوة الواردة في زكريا 9: 9.[2]
كذلك نرى يسوع يعلِّم قانون الملكوت في الموعظة على الجبل، ونراه يعلم عن ملكوت السموات من خلال سلسلة من الأمثال. ويروي متى أنهم وضعوا لافتة على صليبه تقول "هذا هو يسوع ملك اليهود." وهكذا، فإن بشارة متى هي بشارة الملك.
يسوع وتحقق نبوات العهد القديم
يشير متى أحد عشر مرةً إلى تحقق النبوات في حياة يسوع. ومن بين النبوات الواردة في إنجيل متى:
ميلاد يسوع من عذراء (1: 22)
الرحلة إلى مصر (2: 15)
قتل هيرودس للأطفال (2: 17)
خدمة الشفاء التي قام بها يسوع (8: 17)
الدخول الانتصاري إلى أورشليم (21: 4)
ثمن خيانته: ثلاثون من الفضة (27: 9)
عظات يسوع
سجل متى من عظات يسوع أكثر مما سجله كتاب البشائر الأخرى. ففي حين يركز مرقس على أعمال يسوع، يركز متى أكثر على كلماته. هناك خمس عظات رئيسية في متى تمثل هيكلاً للبشارة كلها. لاحظ المفسرون الأوائل أنه كما وضعت أسفار موسى الخمسة أساساً لإسرائيل، هكذا أيضاً تضع هذه العظات الخمسة أساساً للكنيسة. والخمسة عظات الرئيسية في بشارة متى هي:
الموعظة على الجبل (5 – 7)
إرسال الاثنى عشر (10)
أمثال الملكوت (13)
تعاليم عن العلاقات في الملكوت (18)
نبوة جبل الزيتون عن أواخر الأيام (24 – 25)
بشارة متى في كنيسة اليوم
تتكلم عظات بشارة متى للكنيسة اليوم بنفس القوة التي اتسمت بها حين نطق بها يسوع في الجليل واليهودية.
الموعظة على الجبل تقدم ملخصاً تقليدياً للحياة في ملكوت الله. يعلمنا يسوع من خلال التضاد بين تقاليد الفريسيين و"ناموس المحبة" كيف نحيا كمواطنين بملكوت السموات. والفكرة الرئيسية في الموعظة على الجبل هي " فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ."[3]وتأتي هذه الوصية في سياق يظهر أن أبانا إله محبة "يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ."[4]أن نكون "كاملين"[5]في ملكوت الله يعني أن يكون لنا قلب أبينا الذي في السموات، قلب محبة غيرية. ورغم أن المحبة الكاملة يستحيل تحققها بقوتنا البشرية، إلا أن أبانا السماوي الذي يوصينا بأن يكون قلبنا كاملاً هو الله الذي يجعل ذلك ممكناً بنعمته.
تقدم لنا تعاليم يسوع عن العلاقات في ملكوت الله نموذجاً للعلاقات في الكنيسة اليوم.[6]نجد في متى 18: 15 – 20 دليلاً للتأديب الكنسي الكتابي تُخاطَب فيه الخطية من خلال الكنيسة، وليس من خلال النميمة والإشاعات. يحدث التأديب في سياق مليء بالغفران والاسترداد، وهو مبدأ نراه في رد يسوع على سؤال بطرس عن الغفران.[7]
تدعونا الإرسالية العظمى لتلمذة الناس في كل الأمم. وكدعوة يسوع للكمال، فإننا نتمم هذه الدعوة ليس بقوتنا بل من خلال قوة ذاك الذي أرسلنا. إن ذاك الذي دعانا هو من وعد قائلاً " وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ."[8]
[1]تحققت هذه النبوة (مت 24: 2) في عام 70 م. حين قام القائد الروماني تيتوس بغزو أورشليم. ولم يزل "قوس تيتوس" الذي أنشئ احتفاءً بالانتصار الرواماني على أورشليم في روما حتى يومنا هذا.
[5]"فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ..."كان يعلم جيداً أننا سنكون على استعداد تام لنصرخ قائلين "هذا مستحيل!" لذا أضفى على وصيته كل قوته وحقه وأمانته، إذ أن كل شيء ممكن لديه." جون ويسلي – ملاحظات توضيحية على العهد الجديد
[1]كان يوحنا مرقس قريباً لبرنابا، وسافر مع بولس وبرنابا في رحلتهما التبشيرية.[2]ورغم أن فشله في تلك الرحلة أدى إلى خلاف بين بولس وبرنابا، إلا أن يوحنا مرقس استعاد فيما بعد ثقة بولس وصار نافعاً له في الخدمة.[3]
عرف آباء الكنيسة الأولى سمعان بطرس على أنه المصدر الرسولي لمرقس. كان يوحنا مرقس قريباً جداً من بطرس حتى إنه قال عنه "مرقس ابني".[4]وتسجل بشارة مرقس روايات بطرس المباشرة عن خدمة يسوع.
ولأن الأحداث المذكورة في مرقس لا يطابق ترتيبها تلك المذكورة في متى ولوقا في كل الحالات، من الهام أن نعرف أن بابياس أسقف هيرابوليس، وهو أحد آباء الكنيسة الأولى، استشهد بقول الرسول يوحنا عن مرقس إنه "صار ترجمان بطرس ودوَّن بدقة كل ما تذكره، ولكن ليس بترتيب الأحداث كما قالها أو فعلها الرب يسوع."[5]إن رواية مرقس دقيقة، ولكنه لم يحرص على سرد الأحداث بحسب ترتيبها الزمني الدقيق.
أغلب الظن أن بشارة مرقس كُتبَت من روما، وكانت موجهة بشكل أساسي للقارئ الأممي، فنجد مرقس كثيراً ما يفسر المصطلحات الآرامية التي استخدمها يسوع.[6]إضافةً إلى ذلك، يشرح مرقس المصطلحات اليهودية للقارئ الروماني. فمثلاً، يشرح مرقس أن الفلسين (عملة يهودية) قيمتهما ربع (عملة رومانية).[7]
إن بشارة مرقس هي الأقصر، وما تحتويه على تفاصيل أقل كثيراً من البشائر الأخرى. إن باشرة مرقس بشارة أفعال، وهي صفة يرجعها الكثيرون إلى تأثير سمعان بطرس. إنها سجل مباشر لحياة وخدمة "يسوع المسيح، ابن الله."[8]
محتوى بشارة مرقس
◄ كيف يسلط مرقس الضوء على دور يسوع كخادم؟
يسوع الخادم
تسمى بشارة مرقس بإنجيل الخادم، إذ يلتفت مرقس إلى أعمال يسوع أكثر من أقواله. وعلى عكس العظات الواردة في بشارة متى، يذكر مرقس عظةً واحدةً فقط (مر 13). تُعنَى بشارة مرقس كثيراً بالمعجزات، فنراه سجل تسعة عشر معجزةً في ستة عشر إصحاحاً.
صوَّر مرقس يسوع كخادم متضع، فلم يذكر نسبه ولا قصة ميلاده، بل بدأ بخدمته مباشرةً.
والآية المحورية في بشارة مرقس تعكس جانبين من خدمة يسوع على الأرض: "لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ أَيْضًا لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ."[9]جاء يسوع ليخدِم وليبذل نفسه.
يسوع ابن الله
يبدأ مرقس بتصريح عن ألوهية يسوع: " بَدْءُ إِنْجِيلِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِ اللهِ."[10]وعند الصليب، اعترف قائد مائة روماني قائلاً "حَقًّا كَانَ هذَا الإِنْسَانُ ابْنَ اللهِ!"[11]
يُظهِر مرقس أن يسوع كان خادماً، ولكنه يُظهِر أيضاً سلطان يسوع كابن الله. فالقارئ الروماني كان ليتوقع أن يُظهِر الحاكم الإله قوةً وسلطاناً على هذا العالم. ويُظهِر مرقس هذا السلطان بطرق عدة. ففي البشارة يذكر مرقس شهادات عن ألوهية يسوع:
يمارس يسوع سلطان الله بغفرانه للخطايا[14]وبادعائه أنه رب السبت.[15]
تثبت معجزات يسوع سلطانه على الطبيعة[16]والمرض[17]بل والموت أيضاً.[18]
السر المسياني
في ضوء تركيز مرقس على ألوهية يسوع، اختلط الأمر على بعض القراء بسبب مطالبته بالصمت في مواضع كثيرة من البشارة. فالمرة تلو الأخرى نجد من عرفوا أن يسوع هو المسيا يؤمَرون بألا يخبروا أحداً. وعرف ذلك باسم "السر المسياني." وفي ثلاثة مواقف طالب يسوع بالصمت:
الشياطين منعوا من التحدث عن طبيعة يسوع الإلهية.[19]فقد حرص يسوع على اجتناب الاقتران بالشياطين، حتى وإن كانت شهادتهم حق.
الأشخاص الذين شفاهم كان في بعض الأحيان يأمرهم بالصمت.[20]وأغلب الظن أن ذلك كان لاجتناب الجموع التي كانت تحتشد حين كان يسوع يجري آيات الشفاء. وحين عصا الأبرص أمره وأخبر بقوة يسوع وسلطانه، احتشدت الجموع الغفيرة حتى أنه " لَمْ يَعُدْ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَدِينَةً ظَاهِرًا، بَلْ كَانَ خَارِجًا فِي مَوَاضِعَ خَالِيَةٍ."[21]لم يكن الهدف الرئيسي لخدمة يسوع على الأرض هو الشفاء الجسدي، فلم يدع الآيات المبهرة تحل محل الخدمة الدائمة التي جاء من أجلها - تدريب التلاميذ لينشروا بشارة الإنجيل ويبنوا الكنيسة.
حين أدرك التلاميذ أخيراً من هو يسوع، لم يدعهم يخبروا أحداً.[22]والسبب المرجح هو خطورة الفهم الخاطئ. وحتى بعد أن شهد بطرس بأن يسوع هو المسيا، لم يفهم التلاميذ فهماً كاملاً ما الذي جاء يسوع ليفعله.[23]ولم يصيروا مستعدين للكرازة بمجيء ملكوته إلا بعد القيامة والصعود. وحتى ذلك الحين، كان أي تصريح من التلاميذ ليُحدِث ارتباكاً.
بشارة مرقس في الكنيسة اليوم
تذكرنا أولوية الخدمة في حياة يسوع بأننا بينما نلبي الاحتياجات الجسدية والنفسية لعالمنا، نربح فرصاً لخدمة الاحتياجات الروحية. لقد كان المؤمنون في الإمبراطورية الرومانية يخاطرون بحياتهم ليعتنوا بالمحتضرين في المدن الموبوءة. وكان المؤمنون في العصور الوسطى ينشئون المستشفيات لرعاية البرص والفقراء. واليوم، نجد المنظمات المسيحية تكسو الأيتام وتزور المسجونين وتطعم الجياع وتهتم بالمرضى. يجب أن تكون خدمة الأكثر احتياجاً في مجتمعنا دائماً جزءاً من إرسالية الكنيسة. "لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ أَيْضًا لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ..."[24]
[1]"عندما كان بطرس يكرز بالكلمة في روما، طالب الكثيرون مرقس، الذي كان يرافقه منذ فترة طويلة ويتذكر أقواله، أن يكتب ويسجل ما قاله بطرس." إكليمندس الإسكندري
[5]جاء ذلك في يوسابيوس، التاريخ الكنسي، 3. 39. 14 – 17
[6]كانت الآرامية هي اللغة شائعة الاستخدام في فلسطين خلال القرن الأول، وحلت محل العبرية. ومن أمثلة تفسيرات مرقس للمصطلحات الآرامية ما جاء في مر 5: 41، 7: 11، 14: 36.
يستمد لوقا سلطانه كأحد كتاب العهد الجديد من مرافقته للرسول بولس. لقد كان لوقا أممياً متعلماً، طبيباً سافر مع بولس، وكان ملازماً له قرابة نهاية حياته. تشهد بعض أجزاء سفر أعمال الرسل حضور لوقا، ثم يتحول لوقا من قوله "هم" إلى "نحن" حين يكتب عن الأحداث التي وقعت أثناء مرافقته لبولس.[1]
يرتبط تاريخ كتابة بشارة لوقا كثيراً بعلاقته بسفر الأعمال. يبدأ لوقا روايته التي تمتد إلى سفر أعمال الرسل. ووفقاً لخاتمة سفر الأعمال، يمكننا افتراض أن سفر الأعمال قد كُتب في وقت ما قبل بداية اضطهاد نيرون للمؤمنين في عام 64 م.[2]ويعني ذلك أن بشارة لوقا كُتِبَت في أواخر الخمسينات أو أوائل الستينات.
يتحدد جمهور وهدف الكتابة في استهلال بشارة لوقا.[3]يكتب لوقا إلى ثاوفيلس، الذي كان أغلب الظن أحد المسئولين الرومان. يوحي أعمال 1: 1 بأن ثاوفيلس كان مؤمناً مستجداًتلقى كلاماً يتعلق بحياة يسوع. كان المؤمنون المستجدون، خاصةً لو كانوا من الأمم، يتلقون تعليماً على مدار عدة أشهر عن حياة وتعاليم يسوع، وعن حياة المؤمن الجديدة، وعن عقيدة الكنيسة. وكتب لوقا بشارته ليقدم الأساس التاريخي للأشياء التي تعلمها ثاوفيلس.
محتوى بشارة لوقا
◄ أية تفاصيل يركز عليها لوقا لإظهار ناسوت يسوع؟
يسوع ابن الإنسان
وضع قانون الإيمان الخلقيدوني عام 451 م لتوضيح تعاليم الكنيسة فيما يتعلق بطبيعة المسيح. ينص القانون على أنه للمسيح طبيعتين (إلهية وبشرية) متحدتين في شخص واحد: "إله كامل وإنسان كامل."[4]ويعطينا لوقا صورةً واضحةً لناسوت يسوع وكونه "إنسان كامل".
يظهر لوقا أن يسوع كان إنساناً بالكامل. ويروي قصة مفصلة لميلاد يسوع.[5]فبالرغم من أنه حُبِلَ به على نحو معجزي، إلا أن يسوع وُلِدَ كطفل عادٍ. كان إنساناً بالكامل.
إن سلسلة نسب يسوع التي سردها متى، والتي كانت تخاطب اليهود بشكل أساسي، تعود بنسب المسيح إلى إبراهيم. أما عن سلسلة نسب المسيح التي ذكرها لوقا، فتخاطب اليونانيين، وتظهر يسوع كابن الإنسان، فتعود بنسبه إلى آدم.[6]
ويعكس ترتيب الأحداث في الإصحاحات الأولى من بشارة لوقا نيته في إظهار يسوع كـ"آدم الثاني". فبدلاً من البدء بسلسلة نسبه (مثلما فعل متى)، يذكر لوقا سلسلة النسب بعد قصة المعمودية. ويختتم جزئية النسب بقوله "ابن آدم ابن الله." وبعد ذلك مباشرةً يسرد قصة التجربة. لقد سقط آدم الأول (الذي كان يعيش في جنة جميلة) أمام التجربة، أما آدم الثاني (رغم ضعفه الجسدي نتيجة لصومه 40 يوماً ووحدته في البرية)، فقاوم التجربة. لقد أعطانا يسوع كإنسان نموذجاً لمواجهة التجارب يصلح كمثال لكل مؤمن. لقد أرانا يسوع أنه علينا أن نواجه هجمات إبليس بقوة الروح القدس (التي نكتسبها من خلال الصلاة) والكلمة.[7]
وعلى مدار الإنجيل يبرز لوقا الأوجه الجسدية لحياة يسوع على الأرض: الجوع والنوم وألمه في بستان جثسيماني.[8]لقد كان يسوع إنساناً بالكامل.
يسوع مخلص العالم
تظهر بشارة لوقا أن يسوع جاء كمخلص لكل البشرية. قال سمعان الشيخ عن يسوع إنه "نور إعلان للأمم."[9]
إن رغبة لوقا في إظهار يسوع كمخلص لكل العالم تظهر في تركيزه على من لم يكونوا ذوات مكانة اجتماعية بارزة. روى متى عن المجوس، وهم علماء مرموقون من الشرق، جاءوا إكراماً لميلاد يسوع، أما لوقا، فيسرد قصة الرعاة.[10]لم يكن المجتمع اليهودي يعتد بشهادة الرعاة، أي أن شهادتهم لم تكن تقبل في المحكمة. ويشير لوقا إلى إعلان الملائكة للرعاة كشهادة عن مجيء يسوع لكل البشر.
كانت النساء مجموعة أخرى ذات مكانة متدنية في عهد يسوع، ولكن المرأة لعبت دوراً هاماً في بشارة لوقا. فنرى حنة النبية تقف إلى جوار سمعان الشيخ في الهيكل.[11]كما سمح يسوع لمريم أن تجلس عند قدميه مع التلاميذ من الرجال.[12]والغريب أن النساء كن تمولن خدمة يسوع مادياً.[13]
ونجد في بشارة لوقا العديد من الفئات الاجتماعية الأخرى غير ذات المكانة الاجتماعية المرموقة. فقد زار يسوع بيت زكا العشار، في حين كان العشارون من الفئات الأقل احتراماً في فلسطين في القرن الأول.[14]ويروي يسوع مثلاً بطله سامري.[15]وعلى الصليب، أظهر رحمةً للص لا يستحق سوى الدينونة.[16]
أهمية الصلاة
أظهر لوقا أهمية الصلاة في حياة يسوع. فمن بين 15 إشارةً إلى صلوات يسوع في البشائر، نجد 11 في بشارة لوقا. فحين كان يسوع يواجه قراراً خطيراً، كان يقضي الليل كله في الصلاة.[17]واثنان من أهم أمثال المسيح عن الصلاة يوجدان في بشارة لوقا. ويعلمنا هذان المثلان عن المثابرة والتواضع في الصلاة.[18]فالصلاة موضوع هام في بشارة لوقا.
دور الروح القدس
تسلط بشارة لوقا الضوء على دور الروح القدس في حياة يسوع. وتتواصل هذه الفكرة في سفر الأعمال، إذ يبرز لوقا دور الروح القدس في الكنيسة الأولى.
دور الروح القدس كما يظهر في بشارة لوقا:
يوحنا المعمدان وأليصابات وزكريا امتلئوا من الروح القدس.[19]
لذا، فإذ نقدم المسيح لعالم متشكك، نستطيع أن نكرز بثقة. فإيماننا ليس إيماناً أعمى بشخصية تاريخية خرافية، بل إيمان مؤسس على شخصية تاريخية، ابن الله المتجسد الذي عاش بيننا ومات عن خطايانا وقام في اليوم الثالث وصعد إلى السماء حيث يجلس عن يمين الآب.
كما أن دور الصلاة في حياة يسوع يعد نموذجاً لكل مؤمن. فإن كان يسوع، الذي لم يعرف خطيةً، والذي كان في شركة حميمة مع الآب، قد رأى أهمية الصلاة، فكم بالحري علينا أن نجعل الصلاة أولوية في حياتنا. كتب (ليونارد رافينهيل) قائلاً: "لن تكون حياة أي إنسان أعظم من حياة الصلاة الخاصة به، فالراعي الذي لا يصلي، يعبث..."[27]
وأخيراً، تماماً كما كان الروح القدس محورياً في خدمة يسوع، يجب أن يكون الروح القدس هو المركز في حياة الكنيسة اليوم. إن تاريخ الكنيسة يظهر خطرين متعلقين بالروح القدس. أولهما هو تضخيم دور الروح القدس إلى حد استبعاد الأقنومين الآخرين من الثالوث.
والخطر الآخر هو التقليل من دور الروح القدس في الكنيسة. حذر أيه دبليو توزر من أن الكنيسة قادرة على السماح لـ "قوة رخيصة ومفتعلة بأن تكون قوةً بديلةً لقوة الروح القدس."[28]وفي وقت لاحق حذر فرانسيس تشان قائلاً: "لا تكون الكنيسة حقيقيةً إن صارت من صنع الإنسان بالكامل. فإننا لسنا ما خلقنا لكي نكونه حين يمكننا تفسير كل ما في حياتنا وكنائسنا بعيداً عن عمل وحضور الروح القدس."[29]
يبرز سفر الأعمال أهمية الروح القدس في الكنيسة، بينما يبرز لوقا أهمية الروح القدس في حياة الفرد. لقد اعتمد يسوع على إرشاد وقوة الروح القدس في خدمته على الأرض، علينا ألا نسمح لأية "قوة رخيصة وصناعية بأن تحل محل قوة الروح القدس" في الكنيسة اليوم.
[1]الأجزاء من سفر الأعمال التي تنم عن وجود لوقا في المجموعة هي 16: 10 – 17، 20: 5 – 21: 18و 27: 1 – 28: 16.
[2]في أع 28: 30 كان بولس خاضعاً للإقامة الجبرية، ولكن حياته لم تكن بعد في خطر.
[27]من https://www.goodreads.com/quotes/314673-no-man-is-greater-than-his-prayer-life-the-pastor
May 22, 2020.
[28]A.W. Tozer, Of God and Men (Chicago, IL: Moody Publishers, reissue edition, 2015)
[29]Francis Chan, Forgotten God: Reversing Our Neglect of the Holy Spirit (Colorado Springs, CO: David C Cook,
2009)
خاتمة
كان توماس ليناكر أستاذاً في جامعة أوكسفورد والطبيب الشخصي للملك هنري الثامن. بعد قرائته للبشائر للمرة الأولى، كتب في مذكراته: "إما أن هذا ليس الإنجيل، أو أننا لسنا مسيحيين." لقد أدرك ليناكر أن حياة المؤمن الحقيقي هي حياة غيرها يسوع المسيح. وحين قارن حياته وحياة المؤمنين المزعومين من حوله بالصورة التي ليسوع في البشائر، أدرك ليناكر أننا "نزعم كوننا مؤمنين، ولكننا لا نعكس صورة يسوع المسيح."
من عظات متى عن الملكوت، إلى الصورة التي يقدمها مرقس عن خدمة يسوع للمحتاجين، إلى تركيز لوقا على الروح القدس، نرى أن البشائر ترسم صورةً لخدمة يسوع المسيح. ومن خلال ذلك ترينا البشائر معنى أن نكون مؤمنين. وفيما نقرأ البشائر، علينا أن نسأل أنفسنا: "هل أحيا حياةً تعكس نعمة يسوع المسيح المغيرة للحياة؟"
واجبات الدرس الثاني
(1) في بداية الدرس التالي، قم بحل الامتحان على هذا الدرس. ادرس أسئلة الامتحان جيداً استعداداً للامتحان.
(2) اختر 2 من الواجبات التالية:
قم بتحضير عظة أو درس كتاب عن أحد أمثال يسوع. ليكن درساً من 5 – 6 صفحات أو عظةً مسجلةً.
قم بتحضير عظةً أو درس كتاب عن أهمية إما الصلب أو القيامة في حياة المؤمن. ليكن درساً من 5 – 6 صفحات أو عظةً مسجلةً.
قم بتحضير جدولاً زمنياً لأسبوع الآلام يمكن استخدامه في التعليم. من الممكن أن يكون ذلك في صورة درس مكتوب أو عرض بالكمبيوتر. ينبغي أن يحتوي الجدول الزمني على أحداث رئيسية من أسبوع الآلام.
ارسم خريطةً لفلسطين تظهر فيها موقع كل من المناطق والمدن التالية: اليهودية، الجليل، السامرة، العشرة مدن، أورشليم، الناصرة، أريحا، قيصرية فيلبي.
امتحان الدرس الثاني
(1) لماذا تسمى الأناجيل الأولى الثلاثة بالأناجيل الإزائية؟
(2) اكتب ثلاثة أدلة على أن متى كان يخاطب القارئ اليهودي.
(3) اكتب ثلاث أفكار رئيسية من بشارة متى.
(4) اذكر ثلاث أفكار رئيسية من بشارة مرقس.
(5) اكتب واشرح ثلاثة أنواع من القراء فيما يعرف بالسر المسياني في بشارة مرقس.
(6) ماذا نعرف عن ثاوفيلس؟ وعن لوقا؟
(7) ما الذي يعلمنا إياه قانون الإيمان الخلقيدوني عن طبيعة يسوع؟
(8) اكتب أربع أفكار رئيسية في بشارة لوقا.
(9) اكتب ثلاثة أمثلة من بشارة لوقا لخدمة يسوع لمن هم من فئات اجتماعية غير مرموقة.
(10) اكتب ثلاثة أمثلة لعمل الروح القدس خلال حياة يسوع على الأرض.
SGC exists to equip rising Christian leaders around the world by providing free, high-quality theological resources. We gladly grant permission for you to print and distribute our courses under these simple guidelines:
No Changes – Course content must not be altered in any way.
No Profit Sales – Printed copies may not be sold for profit.
Free Use for Ministry – Churches, schools, and other training ministries may freely print and distribute copies—even if they charge tuition.
No Unauthorized Translations – Please contact us before translating any course into another language.
All materials remain the copyrighted property of Shepherds Global Classroom. We simply ask that you honor the integrity of the content and mission.