(1) يتعرف الطالب على جغرافية فلسطين وأهميتها للعهد الجديد.
(2) يفهم الطالب الخلفية التاريخية للعهد الجديد.
(3) يدرك الطالب التأثيرات الرومانية واليونانية واليهودية على العهد الجديد.
(4) أن يصير لدى الطالب تقدير للعادات والتقاليد السائدة في العهد الجديد.
الإعداد للدرس
◄ قراءة متى 1: 1 – 7، لوقا 1: 1 – 5، 2: 1 – 5.
◄حفظ غلاطية 4: 4 – 5.
أهمية التاريخ والجغرافيا في العهد الجديد
◄هل تعد الدقة التاريخية للكتاب المقدس ذات أهمية للإيمان المسيحي؟ لماذا؟
إن الإيمان المسيحي مبني على أعمال الله في التاريخ البشري وفي حياة يسوع الذي "صار جسداً وحل بيننا..."[1]ولهذا فإن معرفة الخلفية التاريخية للمسيحية تساعدنا على فهم العهد الجديد. تظهر المقتطفات من بشارتي متى ولوقا في بداية هذا الدرس تركيز الكاتبين على الخلفية التاريخية لحياة يسوع.
تختلف المسيحية تماماً عن الكثير من أديان العالم. لقد أثبت دارسو الديانات الشرقية أن البوذية لا ينقصها شيء بدون بوذا، والهندوسية لا ينقصها شيء بدون الكثير من آلهتها. أما المسيحية ففارغة بدون حياة وموت وقيامة يسوع الناصري. "وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ، فَبَاطِلَةٌ كِرَازَتُنَا وَبَاطِلٌ أَيْضًا إِيمَانُكُمْ."[2]
إن المسيحية إيمان ذو طبيعة تاريخية، والكتاب المقدس كتاب تاريخي. إنه لا يسجل الأساطير والخرافات، بل هو سجل لأحداث تاريخية. يزعم بعض الدارسين أن الكتاب المقدس هو تجميعة لتعاليم أخلاقية عظيمة موضحة من خلال أساطير ما قبل العلم. إلا أن الكتاب المقدس لا يعطينا هذا الخيار، بل تقر الكلمة بكل وضوح بأنها حقيقة تاريخية.
تدور أحداث العهد الجديد في زمن محدد ومكان وثقافة محددين، فالزمن هو القرن الميلادي الأول، والمكان هو فلسطين والعالم الروماني، والثقافة هي الثقافة اليهودية واليونانية والرومانية. وبسبب أهمية الخلفية التاريخية والجغرافية، سنبدأ دراستنا بوصف لعالم يسوع والكنيسة الأولى.
تعد أرض فلسطين هي محور تاريخ إسرائيل وخدمة يسوع على الأرض. حتى أن تلقيب يسوع بالناصري يوحي بالأهمية التي في حياته لمكان معين.
يبلغ عرض فلسطين حوالي 75 كم ويبلغ طولها حوالي 235 كم.[1]ورغم صغر رقعتها، إلا أن تلك المنطقة كانت ذات موقع استراتيجي في أحداث التاريخ القديم، فموقعها بين مصر في الجنوب الغربي وسوريا في الشمال وآشور في الشمال الشرقي وبابل في الشرق جعل منها ملتقى للتجارة وموقعاً استراتيجياً هاماً.
الملامح الأرضية من الغرب إلى الشرق
كان من يرتحل من الغرب إلى الشرق (أي من البحر المتوسط إلى نهر الأردن) مروراً بفلسطين يلقى 3 تضاريس مختلفة. من السهل الساحلي بطول البحر المتوسط، ترتفع الأرض عبر المرتفعات الوسطى إلى قمة يبلغ ارتفاعها حوالي 800 متر[2]فوق سطح البحر. وكانت أورشليم هي أعلى نقاط إسرائيل على المستويين الروحي والجغرافي.
وإلى الشرق نجد برية اليهودية. أرض مقفرة تتألف من الجبال والتضاريس الوعرة. وكانت هذه المنطقة تعد منطقةً خطرةً على المسافرين، كما كانت صعبة المعيشة.
ومن هذه المنطقة الجبلية ينحدر وادي الأردن إلى 415 متر[3]تحت سطح الأرض، وهي النقطة الأدنى على سطح الكرة الأرضية. يمتد نهر الأردن لمائة كيلومتر[4]من الشمال الجبلي لبحر الجليل إلى البحر الميت في الجنوب.
على مدار معظم خدمته كان نهر الأردن هو الحد الشرقي لتحركات يسوع. إلا أنه عبر في بعض الأحيان بحر الجليل ليسافر عبر الأردن، أي المنطقة الواقعة شرقي نهر الأردن. وتشمل هذه المنطقة الديكابوليس، أي "المدن العشر" وبيرية.ولدهشة تلاميذه، كان يسوع مستعداً لخدمة الأمم في هذه المنطقة. لقد رأى تلاميذ يسوع وأتباعه في منطقة المدن العشر وبيرية مقدمات لإرساليته اللاحقة بالكرازة في "أورشليم واليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض."[5]
الملامح الأرضية من الشمال للجنوب
بالانتقال من الشمال إلى الجنوب، كان المسافر ينتقل من الجليل عبر السامرة إلى اليهودية، المركز الديني والسياسي لفلسطين. كانت منطقة الجليل منطقة تجارية تحيط ببحر الجليل، وهو بحيرة عذبة. وكانت الناصرة إحدى البلدات الصغيرة في تلك المنطقة الجميلة. كانت منطقة الجليل تتميز بوفرة السمك من بحر الجليل، إلى جانب الخضروات والفاكهة التي كانت تنتج على مدار العام في سهل جنيسارت، وهو منطقة منبسطة تقع على الطرف الشمالي الغربي لبحر الجليل.
كانت منطقة السامرة تفصل يهود الشمال عن الهيكل في أورشليم. كان السامريون هم نسل اليهود الذين تزوجوا من شعوب أممية بعد الغزو الآشوري في عام 71 ق.م. كان السامريون يتبعون شريعة العهد القديم، ويمارسون الختان، ويحتفلون بالأعياد اليهودية، وينتظرون مجيء المسيح. إلا أنه كان للسامريين موضع خاص بهم للعبادة على جبل جرزيم، وكان اليهود يعدونهم نجسين. كان الكثير من اليهود يعبرون نهر الأردن ليسافروا بطول الساحل الشرقي لنهر الأردن بدلاً من السفر عبر السامرة. أما يسوع، فاجتاز عبر السامرة لكي يخدم المرأة عند البئر. وكانت تلك المرأة هي من سمعت أول تصريح للمسيح بأنه المسيا.[6]
كانت اليهودية وعاصمتها أورشليم تقعان في الجنوب. وكان جبل صهيون الذي يُرَى من على بعد أميال هو المركز الديني للإيمان اليهودي. فكانت الأسر اليهودية تزور الهيكل كل عام في عيد الفصح. وقامت أسرة يسوع بهذه الرحلة في طفولته، ووُجِد يسوع في "بيت أبيه" جالساً مع المعلمين.[7]
بدايةً بسقوط أورشليم أمام بابل في عام 586 ق.م، تحول تاريخ فلسطين إلى سلسلة من الاضطرابات. ولم يستعد يهوذا مجده السابق قط.
سادت الإمبراطورية البابلية على فلسطين حتى سقطت بابل في يد الإمبراطور الفارسي كورش في عام 539. سمح كورش لليهود بالعودة إلى أورشليم. وعلى مدار القرن التالي تمت إعادة بناء المدينة بقيادة عزرا وزربابل ونحميا. إلا أن أورشليم كانت لم تزل تحت سيطرة فارس. وبفعل التأثير الفارسي، كان عامة الشعب في عهد المسيح يتحدثون الآرامية، لغة المملكة الفارسية.
في عام 334 ق.م، هزم الاسكندر الأكبر فارس. وصارت فلسطين جزءاً من الإمبراطورية اليونانية. وبعد وفاة الاسكندر في عام 323 ق.م، تم تقسيم مملكته على 4 رؤساء. وصارت فلسطين أرض معركة بين اثنين من هؤلاء الرؤساء وأتباعهما، البطالمة والسلوقيين. وكانت تلك من أحلك الفترات في التاريخ اليهودي. خلال تلك الفترة، دنس أنطيوخوس الرابع (أحد الحكام اليونانيين السلوقيين) الهيكل ببناء مذبح للإله اليوناني زيوس في الهيكل.
أشعل طغيان أنطوخيوس الرابع ثورةً قادها المكابيون، عائلة يهودية. استعاد المكابيون السيطرة على اليهودية وأقاموا السلالة الحشمونية. وفي الفترة بين عامي 166 و63 ق.م. كان المكابيون يحكمون فلسطين. ولكن مع الأسف كانت تلك فترة من عدم الاستقرار القومي بسبب الخصومات الأسرية والارتداد الديني. وبحلول عام 67 ق.م. كانت الأسرة قد وقعت في الحرب الأهلية.
وسرعان ما استغلت روما الانقسام الكائن بين رؤساء اليهود وفرضت سيطرتها على فلسطين. وفي عام 63 ق.م غزا القائد الروماني بومببيوس أورشليم. وعيَّن بومبيوس ممثله، هيركانوس الثاني، كرئيس كهنة، وجعله الحاكم الفعلي لليهودية.[1]وفي عصر المسيح، كانت روما تحكم فلسطين.
في عام 37 ق.م، تم تعيين هيرودس الكبير ملكاً على اليهودية من قِبَل مجلس الشيوخ الروماني. كان هيرودس أدومياً، من نسل الأدوميين. وعلى مدار قرون، كان أدوم عدواً لإسرائيل: منذ رفضوا السماح لإسرائيل بالعبور عبر أرضهم في طريقهم إلى كنعان أثناء الخروج إلى تعاونهم مع بابل على تدمير أورشليم.[2]وكأدومي، كان هيرودس الكبير غير أهل ثقة بالنسبة للشعب اليهودي. وبحلول عام 30 ق.م. كان هيرودس قد انتصر على أعدائه وصار الحاكم الوحيد لليهودية تحت سلطان روما. كان هيرودس مزيجاً معقداً من الصفات الإيجابية والسلبية. فمن ناحية، كان يحترم اليهود – إذ أعاد بناء الهيكل والتزم بشريعتهم الغذائية. ومن ناحية أخرى، كان غيوراً إلى درجة الجنون – حتى أنه قتل العديد من أبنائه حين بلغوا السن التي تمكنهم من منافسته على العرش.
وبعد وفاة هيرودس الكبير في عام 4 ق.م، قامت روما بتقسيم مملكته على أبنائه الثلاثة. وهؤلاء الحكام أثروا بشكل مباشر على تاريخ العهد الجديد وخدمة يسوع.
تولى هيرودس أرخيلاوس حكم اليهودية. وبسبب سمعة أرخيلاوس ووحشيته المعروفة، عاد يوسف ومريم إلى الناصرة وليس إلى أورشليم.[3]وقد أدى شر ووحشية أرخيلاوس بوفد يهودي تقدم إلى روما بطلب إغاثة. تم نفي أرخيلاوس، وصارت اليهودية تحت حكم نائب، (أو حاكم) مُرسَل من قِبَل روما.
وفي وقت محاكمة يسوع، كان بيلاطس البنطي هو الحاكم الروماني، الساكن في قيصرية، وكان يسافر إلى أورشليم خلال الأعياد والاحتفالات الهامة.[4]وكانت تقع على عاتق القائم على السلطة مسئولية لا يُحسَد عليها، ألا وهي التوسط بين روما والقيادة اليهودية. فكان على بيلاطس أن يضمن تنفيذ مطالب روما دون أن يتسبب في إغضاب وإثارة اليهود. وليتمم تلك المهمة، كان يتيح حريةً كبيرةً للسنهدريم. وكان السنهدريم يضم معلمي اليهود البارزين، وكانوا يلتقون في ذلك المجمع ليتخذوا القرارات الدينية والثقافية والقضائية عن الأمة. وخاف قيافا، رئيس الكهنة، من أن تزول هذه الحرية إذا ما تسببت أعمال يسوع في غضب روما.[5]
كان هيرودس فيلبس هو الأكثر تسامحاً بين أبناء هيرودس، وحكم منطقة شمال شرق الجليل. وقد قضى يسوع بعض الوقت في تلك المنطقة لاجتناب خطر القبض عليه من قِبَل قادة اليهود في أورشليم. أعاد هيرودس فيلبس بناء مدينة بانياس وأطلق عليها اسم قيصرية فيلبي. وهناك أدلى بطرس بتصريحه العظيم: "أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ!"[6]
هيرودس أنتيباس كان حاكم الجليل وبيرية من 4 ق.م إلى عام 39 م. قام أنتيباس بسجن وقتل يوحنا المعمدان.[7] ولأن هيرودس أنتيباس كان ذا سلطان على الجليل، حاول بيلاطس اجتناب تحمل مسئولية مصير يسوع، فأرسله إلى أنتيباس للمحاكمة.[8]إلا أن هيرودس رفض إصدار حكم وأعاد يسوع مرة أخرى إلى بيلاطس ليحكم في أمره.
[1]الحاكم الفعلي هو الحاكم الذي بيده السلطة في بلد ما، رغم أن شخص آخر قد يكون هو صاحب لقب الحاكم. كان بومبيوس الكبير هو الحاكم، بينما كان هيركانوس الثاني هو صاحب النفوذ السياسي.
إن الخلفية الثقافية للعهد الجديد ذات أهمة تضاهي أهمية الخلفية التاريخية. لقد أرسل الله يسوع إلى عالم تؤثر به 3 ثقافات مختلفة. وكل من هذه الثقافات كانت ذات تأثير هام على عالم العهد الجديد.
الخلفية اليونانية للعهد الجديد
دام تأثير الاسكندر الأكبر لفترة طويلة بعد وفاته في عام 323 ق.م. لقد أراد أن يتحدث الجميع في كل أنحاء الإمبراطورية ذات اللغة. ولهذا، صارت اليونانية هي لغة العهد الجديد. وكان معظم اليهود يتحدثون الأرامية واليونانية.
كُتب العهد الجديد باللغة اليونانية العامية المختلطة، والتي كانت تستخدم في عالم البحر المتوسط خلال القرن الأول. وبينما كانت الأرامية (اللغة المستخدمة في فلسطين) والعبرية (لغة العهد القديم) تقتصران على الشعب اليهودي، كانت اليونانية تستخدم في كل أرجاء الإمبراطورية الرومانية. لذا كانت رسالة الرسل مفهومةً حيثما كرزوا بها.
وكانت دقة اللغة اليونانية ملائمةً للأفكار اللاهوتية العميقة التي جاءت في رسائل بولس. إن العبرية لغة شعرية جميلة تلائم التصوير الغني الوارد في أسفار العهد القديم النبوية والشعرية. أما اليونانية، فأكثر دقةً، لذا مَكَّنت اللغة بولس من تعليم مخدوميه العقائد الأساسية للتبرير والتقديس.
والترجمة السبعينية هي الترجمة اليونانية للعهد القديم. وهذه الترجمة، والتي تعود للقرن الثالث ق.م، مكَّنَت اليهود الذين يتحدثون اليونانية من قراءة الكلمة. كما أنها جعلت العهد القديم (الكتاب المقدس الخاص بالكنيسة الأولى) متاحاً بسهولة للمؤمنين من الأمم.
الخلفية الرومانية للعهد الجديد
البشائر
إننا نرى التأثير الروماني في حياة يسوع في قصة ميلاده. لقد استخدم الله الاكتتاب الذي أجراه إمبراطور أممي لتحقيق نبوة ميخا بأن المسيح سيولد في بيت لحم.[1]وكما صار الحاكم الفارسي كورش أداة في يد الله لإعادة شعبه من السبي، صار يوليوس قيصر أداةً في يد الله للمجيء بيوسف ومريم من الناصرة إلى بيت لحم.
كانت هناك طريقتان متوفرتان لإجراء الاكتتاب. وكان الرومان يفضلون تسجيل كل شخص في المدينة التي كان يعيش بها. أما اليهود، فكانوا يفضلون الاحتفاظ بالسجلات السبطية في قرية أسلاف كل أسرة، لذا سمحت روما لليهودية بإجراء اكتتاب على النحو التقليدي، الأمر الذي تطلب أن يقطع يوسف ومريم مسافة مائة ميل[2]من الناصرة.
تصور البشائر الصراع بين يسوع والحكام الرومان الذين شعروا بأن رسالته عن مملكة جديدة تمثل خطراً عليهم. ورغم أن يسوع لم يتحدث سوى قليلاً عن روما وسياساتها، إلا أن رسالةملكوت الله كانت تمثل تحدياً لممالك هذا العالم.
سفر الأعمال
يروي سفر الأعمال كيف استخدم الله الإمبراطورية الرومانية لنشر بشارة الإنجيل. ويشير مصطلح "السلم الروماني"أو (باكس رومانا) pax Romana إلى "السلام" المفروض بوحشية من قبل الإمبراطورية الرومانية.[3]وفي حين أن سلطة روما كانت عادةً ما تُستَخدَم على نحو غير عادل (كما في صلب يسوع)، إلا إن السلطة الرومانية كانت أيضاً تحمي المسافرين من البربر، كما أنها وحدت الإمبراطورية، وجعلت الرحلات التبشيرية للرسل ممكنةً. لقد أنشأت روما 85 ألف كم[4]من الطرق، من نهر الفرات في الشرق إلى اسكتلندا في الغرب، وأنشأت المسارات البحرية عبر البحر المتوسط. ويعود فضل كبير في إمكانية قيام بولس برحلاته التبشيرية إلى الطرق والمسارات البحرية التي أنشأتها روما.
وعلى عكس الثقافة اليهودية التقليدية، والتي نمت حول البلدات الصغيرة والمناطق الريفية، كانت روما إمبراطورية تحتوي على مدن عظيمة. وكانت تلك المدن ذات أهمية كبيرة في انتشار بشارة الإنجيل. ويمكن اقتفاء أثر رحلات بولس عن طريق المدن الكبيرة في الإمبراطورية الرومانية. كان بولس يقوم في كل منطقة بالتبشير في المدن الرائدة لكي يتمكن من توصيل الرسالة لأكبر عدد من الناس. لقد كرز بولس ببشارة الإنجيل في المدن الرئيسية للإمبراطورية الرومانية، وكان يخطط للكرازة في روما نفسها، والتي كانت مركز العالم في القرن الميلادي الأول.[5]
لقد استغل بولس حقوقه كمواطن روماني أفضل استغلال لهدف نشر الإنجيل. من مطالبته بالحماية القانونية في فيلبي[6]إلى دعواه للمثول أمام قيصر،[7]استخدم بولس حقوق جنسيته من أجل رسالة المسيح.
رسائل بولس
تستخدم رسالة فيلبي مصطلحات المواطنة لتذكرة القارئ بأن "سِيرَتَنَا نَحْنُ هِيَ فِي السَّمَاوَاتِ."[8]كتب بولس رسالة التماس لفليمون عالماً أن القانون الروماني كان يقضي بإعدام أنسيمس، وهو عبد هارب آمن على يد بولس. وفي رومية وغلاطية وأفسس يستخدم بولس اللغة الرومانية القانونية لشرح المبادئ اللاهوتية كالتبرير والعفو.
حتى تصوير بولس للتبني كان مألوفاً لدى الرومان أكثر منه لدى اليهود.[9]فقد كان التبني أمراً شائعاً جداً في المجتمع الروماني. وكان الرومان يفهمون أن التبني يقضي بإلغاء أية ديون قديمة، وبحقوق الوراثة للابن الجديد، وبداية حياة جديدة. وقد استخدم بولس هذه المبادئ الرومانية القانونية ليشرح التغيير الذي يحدث حينما يتم تبني مؤمن جديد في جسد المسيح.
سفر الرؤيا
كانت روما تفتخر بسعة صدرها وقبولها للمعتقدات الدينية المتنوعة. إلا أنه كان على الجميع الاعتراف بألوهة الإمبراطور. كانت روما تسمح بالتعاليم اليهودية أو المسيحية طالماً أقر العابِد بأن "قيصر هو رب." أما عن الإعلان المسيحي بأن "يسوع المسيح هو رب"، فكان غير مقبول لدى الحكومة الرومانية.[10]وهكذا، فسرعان ما نشب صراع بين الكنيسة وروما.
ولكن حتى وإن قصد الإنسان شراً فقد استخدم الرب الشر للخير. لقد أصبح الاضطهاد وسيلةً أساسيةً استخدمها الله لتحقيق الإرسالية العظمى. فبسبب الاضطهاد، "تَشَتَّتَ الْجَمِيعُ فِي كُوَرِ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ." وفي خطة الله، من تشتتوا "جَالُوا مُبَشِّرِينَ بِالْكَلِمَةِ."[11]
كُتِبَ سفر الرؤيا في إطار هذا الاضطهاد الروماني. وقد أكدت رؤى يوحنا للمؤمنين المتألمين أن روما (أو أية قوة معادية لله)، ستُهزَم. فالله، وليس قيصر، هو صاحب السلطان على تاريخ البشر.
الخلفية اليهودية للعهد الجديد
التوقعات المسيانية
إن كلمة "مسيح" هي المرادف اليوناني للفظة العبرية "مسيا". كانت الجموع التي تبعت يسوع تطلب المسيا. وأعلن بولس قائلاً " هذَا هُوَ الْمَسِيحُ يَسُوعُ الَّذِي أَنَا أُنَادِي لَكُمْ بِهِ."[12]لقد فتح توقع الناس لمجيء المسيا آذانهم لتعليم يسوع.
المجامع
بعد تدمير الهيكل في عام 586 ق.م، باتت المجامع هي مواضع العبادة للشعب اليهودي. كان هناك مجمع في أي مجتمع يحتوي على عشرة رجال. كان المجمع مكان عبادة ومدرسة ومحكمة دينة ومدنية ومركزاً للأنشطة الاجتماعية. وقدم يسوع أولى عظاته المسجلة في المجمع، وشفا البعض في المجمع، وعلّم في المجمع.[13]
وحتى بعد سماح كورش لليهود بالعودة إلى وطنهم، بقي الكثير من اليهود في بابل وفي الاسكندرية بمصر وفي مدن أخرى هربوا إليها بعد سقوط أورشليم. وقد صار لذلك أهمية في انتشار بشارة الإنجيل. ففي كل مدينة كرز فيها الرسل كانوا يجدون مجمعاً لليهود المحليين بتلك المدينة.
وحين كان بولس يزور مدينة جديدة، كان يبدأ بالكرازة في المجمع للعابدين اليهود وللخاشعين من الأمميين الذين كانوا يطلبون الحق.[14]وكان أولئك الأمميون مفتوحين لرسالة الإنجيل.
المجموعات الدينية اليهودية
كان الفريسيون هم أشهر الجماعات الدينية في عهد يسوع. ورغم قلة عددهم (حوالي 6 آلاف)، إلا أنهم كانوا معروفين لدى العامة. وتعني لفظة "فريسي" المفرز أو المكرس. وكان الفريسيون مُحتَرَمون لحرصهم على طاعة شريعة موسى. وكانت هناك الكثير من المعتقدات المشتركة بين الفريسيين والمسيحيين كالقيامة والملائكة والصلاة واحترام العهد القديم. إلا أنهم أضافوا الكثير من التقاليد الشفهية لشريعة موسى. ورفض معظم الفريسيين زعم يسوع بأنه المسيا.
الصدوقيون، وكانوا ذوو سلطة سياسية في عهد يسوع. وبالتعاون مع روما، اكتسب الصدوقيون السلطة على رئاسة الكهنة والسنهدريم. ولم يعترف الصدوقيون بالتوراه.[15]فقد رفضوا الأسفار النبوية والتلقيد الشفهي. وكانت النتيجة هي رفضهم الإيمان بالملائكة والأرواح والقيامة. ولأن سلطتهم كانت مستمدة من منصبهم في الهيكل، اختفى الصدوقيون بعد تدمير الهيكل في عام 70 م.
[15]توراه تعني "الشريعة". وهو مصطلح عبري يشير إلى أسفار موسى الخمسة.
عادات عالم العهد الجديد
إن فهم عادات عالم العهد الجديد من الممكن أن يساعدنا على الوصول لفهم أفضل لرسالة العهد الجديد. وفيما يلي مثلان سيوضحان قيمة دراسة عادات العهد الجديد.
كانت معظم الأسر اليهودية تسكن بيوتاً تتكون من غرفة واحدة. وكانت البهائم عادةً ما تعيش في غرفة خارجية ملحقة بالمنزل، تحتوي على مزاود لإطعام البهائم. وحين جاء يوسف ومريم إلى بيت لحم، أغلب الظن أنهما مكثا في إحدى تلك الغرف الخارجية، ذلك لأن غرف الفنادق كانت قد امتلأت بسبب الاكتتاب. فكان صاحب الفندق يحاول أن يوفر لهما أفضل ضيافة ممكنة خلال تلك الأيام التي ازدحمت فيها المدينة بالزائرين.
كان رعاة اليهودية عادةً ما يسمحون لعدة قطعان من الخرفان بالاختلاط. وحين كان يحين الوقت لفصل القطعان، كان كل راعٍ ينادي على خرافه. وكانت الخراف تعرف صوت راعيها. لذا قال يسوع "وَالْخِرَافُ تَتْبَعُهُ، لأَنَّهَا تَعْرِفُ صَوْتَهُ. وَأَمَّا الْغَرِيبُ فَلاَ تَتْبَعُهُ بَلْ تَهْرُبُ مِنْهُ، لأَنَّهَا لاَ تَعْرِفُ صَوْتَ الْغُرَبَاءِ."[1]
لمزيد من المعلومات عن عادات عالم العهد الجديد، يمكنك قراءة عادات وتقاليد الكتاب المقدس، متوفر على صفحات الانترنت.[2]
[2]Fred H. Wight, Manners and Customs of the Bible, 1953. Available online at http://www.baptistbiblebelievers.
com/OTStudies/MannersandCustomsInBibleLands1953/tabid/232/Default.aspx
سلطة العهد الجديد
أيمكننا أن نثق في سلطة العهد الجديد؟ إن الكثير من التعاليم الخاطئة تأتي من أولئك الذين ينكرون صحة الكتاب المقدس أو ممن يزعمون أنهم وجدوا مصادر جديدة للإعلان خارج الكتاب المقدس. وهناك إشكاليتان مهمتان لفهم سلطة العهد الجديد.
(1) الإشكالية القانونية: أية أسفار هي كلمة الله الموحى بها؟
(2) إشكالية الصحة النصية: هل النص الذي بين أيدينا مطابق للنص الأصلي؟
القانونية: أية أسفار هي كلمة الله الموحى بها؟
إن قانونية الكلمة مسألة هامة للمؤمن. فهي تجيب على سؤال "أية أسفار هي حقاً كلمة الله لشعبه؟" فكيف نتأكد من أن أسفار العهد الجديد هي حقاً كلمة الله؟
إن كلمة "قانونية" تأتي من مصطلح يوناني بمعنى "قاعدة" أو "مقياس". وتتكون الأسفار القانونية للعهد الجديد من الأسفار التي تتوافق والمعايير المستخدمة من قِبَل الكنيسة الأولى لتحديد أية كتابات هي حقاً كلمة الله. واستُلهِمَ تكوين القانونية من المشكلتين التاليتين:
(1) مشكلة العقيدة الخاطئة. في الكنيسة الأولى – كما اليوم – أنكر بعض المعلمين الكذبة أجزاءً من الإعلان الكتابي. فمثلاً، في القرن الثاني نادى ماركيون بتعليم يفيد بأن إله العهد القديم كان إلهاً شريراً. ولتأييد تعاليمه، رفض ماركيون كل أسفار الكتاب المقدس فيما عدا كتابات بولس وأجزاء من بشارة لوقا. وكان قبول الأسفار القانونية الموحدة هاماً لتوفير أساس صلب للعقيدة، لكي يتأكد المعلمون من أن العقيدة التي يكرزون بها مبنية بالفعل على كلمة الله.
(2) مشكلة الاضطهاد. في أزمنة الاضطهاد كان المسيحيون يُقتَلون لحيازتهم الكتب المقدسة المسيحية. فكان لا بد أن يعرفوا أية كتب مستعدون أن يموتوا من أجلها.
بحلول القرن الرابع، كانت الكنيسة قد اتفقت على قائمة بالنصوص الموحى بها من الله. وقاموا بتطبيق ثلاثة اختبارات على الأسفار التي كان يُزعَم أنها كلمة الله. ولكي يعتبر السفر أحد أسفار العهد الجديد القانونية، كان لا بد أن تتوفر فيه ثلاثة معايير:
(1) الكاتب. لا بد أن يكون كاتب السفر رسولاً أو شخصاً ذا صلة قريبة بأحد الرسل. وفي حالة الأناجيل، كان متى ويوحنا رسولين. وكان مرقس رفيقاً لبطرس، ولوقا رفيقاً لبولس.
(2) الرسالة. لا بد أن تكون رسالة السفر غير متعارضة مع إعلان العهد القديم. يجب أن تتفق الرسالة وإنجيل يسوع المسيح. يجب أن يهدف السفر إلى البنيان الروحي.
(3) القبول. ليعتبر السفر قانونياً، يجب أن يُقبَل من الكنيسة كلها. كان آباء الكنيسة الأولى كثيري الاستشهاد بأسفار العهد الجديد.
يزعم المتشككون الحديثون أن الأسفار القانونية اختُلِقَت من قِبَل السلطات الكنسية كسبيل لكسب النفوذ. وما لا يدركه أمثال هؤلاء المتشككين هو أن القانونية كانت معياراً متفق عليه على نحو شامل، ولم تكن نتاجاً لعمل بعض الأساقفة الطموحين فحسب. لقد اعتُمِدَت قانونية العهد الجديد رسمياً في عام 397 م في مجمع قرطاج. إلا أن أسفار العهد الجديد أقرَّها اللاهوتيون قبل انعقاد هذا المجمع بمائتي عام.
يقول اللاهوتي جاي آي باكر: "قدمت لنا الكنيسة قانونية العهد الجديد كما قدم لنا السير آيزاك نيوتن قوة الجاذبية."[1]فإن نيوتن لم يخترع الجاذبية، بل اكتشف ما كان الله قد خلقه بالفعل. وبنفس الطريقة، لم تخترع الكنيسة قانونية الأسفار، بل اكتشفت أية أسفار هي بالفعل بوحي من الله.
أقرَّ مجمع قرطاج قانونيةً كانت مقبولةً بالفعل من أهل الإيمان. وتشمل الأسفار القانونية الأسفار التي اتفق المؤمنون المسيحيون من كل العصور على أنها كلمة الله الموحى بها.
أسفار الأبوكريفا من فترة العهد الجديد هي الأسفار التي زُعِم أنها كتابات مسيحية مقدسة، ولكنها رُفِضَت من قِبَل الكنيسة الأولى. في القرن الثاني، هاجم تلك الأسفار كُتّاب مثل ترتليان و إيرينيئوس. كانت بعض تلك الكتابات قد صُنِفَت بالفعل كأسفار زائفة في القانون المارتوري، وهي قائمة بأسفار العهد الجديد تعود للقرن الثاني الميلادي. ونرى من خلال رسالة يهوذا أنه حتى القرن الأول كان من الضروري أن " تَجْتَهِدُوا لأَجْلِ الإِيمَانِ الْمُسَلَّمِ مَرَّةً لِلْقِدِّيسِينَ." فقد كان المعلمون الكذبة قد "دخلوا خلسةً".[2]
تتراوح أسفار الأبوكريفا بين نصوص تقليدية قد تكون ذات قيمة لتصويرها لممارسات الكنيسة الأولى إلى نصوص هرطقة تروِّج لعقيدة خاطئة. ومن أسفار الأبوكريفا ذات الصيت الحسن رسالة كليمانت الأولى، ورسالة برنابا، والديداخي وراعي هرمس. إن هذه الأسفار تقليدية في تعليمها، ولكنها لم تطابق معايير الكنيسة الأولى بما يضمن شمولها ضمن الأسفار القانونية.
أما عن أسفار الأبوكريفا المهرطقة فتشمل إنجيل توما، وهو نص غنوصي يعود للقرن الثاني الميلادي نسب زيفاً إلى الرسول توما، والرسالة إلى اللاودكيين، ورؤيا بطرس. وتلك النصوص لم تقبلها الكنيسة لأنها تناقض الحق المسيحي المؤكَد. والأدق من قول إنها رُفِضَت من قِبَل مجمع قرطاج هو أن نقول إن تلك الأسفار لم تُعتَبَر يوماً وحياً من قِبَل الكنيسة في أية مرحلة.
إن نصوص الأبوكريفا لا تمثل مصدراً للحق للمؤمنين، فمعتقدنا مؤسس على "الإِيمَانِ الْمُسَلَّمِ مَرَّةً لِلْقِدِّيسِينَ."[3]وهذا الإيمان لم ولن يتغير. إن إيماننا يرتكز على أساس صلب هو كلمة الله.
إشكالية الصحة النصية: هل النص الذي بين أيدينا مطابق للنص الأصلي؟
كثيراً ما يزعم المتشككون أن نص أسفار العهد الجديد غير جدير بالثقة. يدعون أن هناك أخطاء وقعت أثناء نسخ الكلمة المقدسة. ويصر أولئك النقاد على أنه حتى إن كان النص الأصلي موحى به من الله، فلا سبيل بنا للتأكد من أن الكتاب المقدس الذي بين أيدينا اليوم يتصف بالدقة والصحة.
أيمكننا أن نثق في الصحة النصية لكتابنا المقدس؟ نعم! صحيح أن أسفار العهد الجديد قد سُلِمَت من جيل لجيل على هيئة كتابات يدوية، وصحيح أنه من الممكن أن تُقتَرَف الأخطاء عند النسخ، إلا أنه لكونها كلمة الله الموحى بها، كان الناسخون يحرصون على الدقة الشديدة أثناء قيامهم بالنسخ، حتى أن بعض العلماء كرَّسوا حياتهم لنسخ العهد الجديد بأكبر قدر ممكن من الدقة.
توجد أكثر من 5 آلاف مخطوطة تحتوي على كل أو جزء من العهد الجديد، فيصير لدينا بذلك دليلاً كافياً على اتساق النص الذي بين أيدينا والمخطوطات الأولى. ولا يوجد نص قديم يدعمه هذا الكم الهائل من المخطوطات كالعهد الجديد.
مقارنة بين نصين تاريخيين
العهد الجديد
إلياذة هوميروس
أكثر من 5 آلاف مخطوطة
643 مخطوطة
أقدم المخطوطات تعود إلى أقل من مائة عام منذ كتابتها.
أقدم المخطوطات تعود إلى 500 عام بعد النسخة الأصلية التي تم تأليفها.
[4]كل الكلمات لا تؤثر على الصحة العقائدية أو الحقائق التاريخية. الاختلاف بين المخطوطات يمكننا رؤيتها في آيات مثل لوقا 10: 1، إذ تشير بعض المخطوطات إلى 70 عاملاً بينما تشير غيرها إلى 72. لا توجد شكوك حول الدقة تمس برسالة الإنجيل أو العقيدة المسيحية.
ولكن لما جاء ملء الزمان...
[1]يصور تعبير بولس أماً حبلى في انتظار لحظة الولادة. وفي الوقت المناسب تماماً، أرسل الله ابنه إلى العالم الذي كان قد أعده إعداداً إلهياً. وكان العالم جاهزا:
(1) جغرافياً. كانت فلسطين أرضاً صغيرةً في ملتقى الحضارات القديمة، الأمر الذي جعلها منصة انطلاق لانتشار الإنجيل حول العالم.
(2) تاريخياً. وفَّرَت الإمبراطورية الرومانية بيئةً مُعَدَّة لانتشار بشارة الإنجيل.
(3) ثقافياً. هيأ المزيج من اللغة اليونانية والنظام السياسي الروماني والتقاليد الدينية اليهودية المسرح لولادة الكنيسة.
إن الله لم يبخل بجهد لإعداد العالم لاستقبال بشارة الإنجيل في القرن الأول. واليوم، يعمل بنفس الطريقة لإعداد الناس لاستقبال البشارة. في نهاية هذا الدرس، صلِ قائلاً "يا رب، ما الذي تفعله كي تعد عالمي للخدمة التي أعطيتني إياها؟"
SGC exists to equip rising Christian leaders around the world by providing free, high-quality theological resources. We gladly grant permission for you to print and distribute our courses under these simple guidelines:
No Changes – Course content must not be altered in any way.
No Profit Sales – Printed copies may not be sold for profit.
Free Use for Ministry – Churches, schools, and other training ministries may freely print and distribute copies—even if they charge tuition.
No Unauthorized Translations – Please contact us before translating any course into another language.
All materials remain the copyrighted property of Shepherds Global Classroom. We simply ask that you honor the integrity of the content and mission.