التلمذةُ الحقيقية أكثر من مجرد تدريس معلومات؛ إنها تشمل تشكيل القيم، والأولويات، والاتجاهات، وأسلوب الحياة. يمكن لهذه العملية أن تحدث فقط في مجتمعٍ مسيحي مع مُساءَلةٍ روحية. إننا نرى من خلال الكتاب المقدس أن الله قصدَ أن يعيش الإنسان في مجتمعٍ، مُبتدِئًا بما أقرَّه أنه "لَيْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ." (تكوين 2: 18).

يصفُ لنا (جامعة 4: 9-10) بعض ميزات المجتمع:

"اِثْنَانِ خَيْرٌ مِنْ وَاحِدٍ، لأَنَّ لَهُمَا أُجْرَةً لِتَعَبِهِمَا صَالِحَةً. لأَنَّهُ إِنْ وَقَعَ أَحَدُهُمَا يُقِيمُهُ رَفِيقُهُ. وَوَيْلٌ لِمَنْ هُوَ وَحْدَهُ إِنْ وَقَعَ، إِذْ لَيْسَ ثَانٍ لِيُقِيمَهُ."

لقد أخبر الله موسى أن خطته لشعب إسرائيل أن يكونوا "مَمْلَكَةَ كَهَنَةٍ وَأُمَّةً مُقَدَّسَةً" (خروج 19: 6). كان ينتقل الميراث من خلال العائلات، موصوفًا فيما يُسمَّى "بالوصية العظمى" (تثنية 6: 4-9).

لقد ألهمَ الروح القدس كُتَّاب العهد الجديد أن يستخدموا تلك المصطلحات في العهد الجديد ليُشيروا بها للكنيسة (1 بطرس 2: 9).

لقد قصدَ الله للناس دائمًا أن يكونوا في علاقةٍ معه وفي علاقةٍ مع بعضهم البعض أيضًا. إن علاقتنا مع الله تشكلنا داخل مجتمع الإيمان. تمامًا كما أن علاقتنا مع الله تدعونا للالتزام. من الخطأ أن يظن شخصٌ أن بإمكانه أن يكون في علاقةٍ صحيحة مع الله ويختار ألا يكون في علاقةٍ مع شعب الله.

لقد استخدم بولس استعارة الجسد ليصف العلاقة بين أعضاء الكنيسة (1 كورنثوس 12). ولا عضو يمكنه أن يعمل بطريقةٍ سليمة إذا حاولَ أن يكون مستقلًا عن الجسد. ينبغي أن يتعاون الأعضاء جميعهم ويهتم كلُّ واحدٍ بالآخر، وإلا فلن يكون جسدًا. إذا أصاب الضرر أحد الأعضاء، فالجميع إذًا يعانون. إن أفعال العضو الواحد تؤثر على الجسد كله. تحدَّثَ بولس عن هذا عندما تعامل مع موقف الرجل الذي كان في علاقةٍ غير أخلاقية، على الرغم من استخدامه استعارة الخبز بدلًا من الجسد. لقد قال: "أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ خَمِيرَةً صَغِيرَةً تُخَمِّرُ الْعَجِينَ كُلَّهُ؟" (1 كورنثوس 5: 6). ينبغي أن نرى أنفسنا كأجزاءٍ حيوية من المجتمع المسيحي.

لا يمكن طاعة العديد من وصايا العهد الجديد بدون إدراك مفهوم المجتمع. لتتميم وصايا الله، ينبغي أن يعيش المؤمنون في تعهدٍ (التزامٍ) الواحد نحو الآخر. يعني هذا أن المجتمع المسيحي يقود للمُساءَلة الروحية.

إننا نجد مواضعَ عديدة في الكتاب المقدس حيث يكون فيها المجتمع المسيحي متصلًا بالمُساءَلة الروحية.

"أَطِيعُوا مُرْشِدِيكُمْ وَاخْضَعُوا، لأَنَّهُمْ يَسْهَرُونَ لأَجْلِ نُفُوسِكُمْ كَأَنَّهُمْ سَوْفَ يُعْطُونَ حِسَابًا، لِكَيْ يَفْعَلُوا ذلِكَ بِفَرَحٍ، لاَ آنِّينَ، لأَنَّ هذَا غَيْرُ نَافِعٍ لَكُمْ." (عبرانيين 13: 17).

تخبر هذه الآية المؤمنين أن يخضعوا لمَن هم في مناصب السلطان الروحي. تمنح الوصيةُ أيضًا مسئوليةً عظيمةً للقادة الروحيين. إن مسئوليتهم ليس فقط أن يقودوا بالسلطة، لكن أن ينتبهوا للنفوس التي تحت رعايتهم. لكي يفعلوا ذلك، ينبغي أن يكونوا على درايةٍ جيدةٍ بشعبهم ليعطوا توجيهًا روحيًا فرديًا، وينبغي أيضًا أن يكونوا في علاقةٍ بشعبهم التي تجعل مثل هذا التوجيه ممكنًا.

يصفُ هذا المقطع الكتابي أيضًا المجتمع المسيحي والمُساءَلة الروحية:

◄ اقرأ (عبرانيين 10: 24-26). ما الذي يوصينا به هذا المقطع الكتابي؟

لقد أُوصينا هنا أن نكون على درايةٍ باحتياجات المؤمنين الآخرين، وأن نشجعهم على فعل ما هو صحيحٌ.

◄ صِف العلاقة الضرورية بين المؤمنين وبعضهم البعض والتي تُمكِّنهم من تتميم هذه المسئولية؟

إن تشجعينا لن يكون مؤثرًا إذا افتقدنا العلاقة الصحيحة مع الآخرين. علينا أن نعرفهم جيدًا، وأن نُظهِر لهم المحبة والاهتمام. بخلاف ذلك، فإنهم سيستاؤون من النصيحة الشخصية.

"اُنْظُرُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ لاَ يَكُونَ فِي أَحَدِكُمْ قَلْبٌ شِرِّيرٌ بِعَدَمِ إِيمَانٍ فِي الارْتِدَادِ عَنِ اللهِ الْحَيِّ. بَلْ عِظُوا أَنْفُسَكُمْ كُلَّ يَوْمٍ، مَا دَامَ الْوَقْتُ يُدْعَى الْيَوْمَ، لِكَيْ لاَ يُقَسَّى أَحَدٌ مِنْكُمْ بِغُرُورِ الْخَطِيَّةِ." (عبرانيين 3: 12-13).

إننا مدعوون لمُساءَلة بعضنا بعضًا. ينبغي أن يتخطى الوعظ أو التحذير الوقت المُحدَّد لاجتماعات الكنيسة كلها؛ حيث إننا مُوصون بأن نعظ ونحذر "يوميًا". يستلزم هذا شركةً بشكلٍ فردي أو في شكل مجموعاتٍ صغيرة. لا يعني هذا النوع من الشركة الأكل معًا أو الزيارات، لكن لهدفٍ روحي. ولكي نحقق هذا الهدف، يلزمنا أن نخطط لمحادثاتٍ هادفة، ولاجتماع مجموعاتٍ صغيرة.

الطريقةُ التي يمكن بها أن نُفيد بعضنا بعضًا مُصوَّرةٌ في سفر (الأمثال 27: 17):

"الْحَدِيدُ بِالْحَدِيدِ يُحَدَّدُ، وَالإِنْسَانُ يُحَدِّدُ وَجْهَ صَاحِبِهِ."

لا يحتاج أن يستعلي أحدٌ على آخرٍ قبل إفادته باتجاهٍ روحي أو تشجيعه. في الحقيقة، من المُحتمل أن يلقَى التوجيه الروحي الذي يُعطى بتواضعٍ قبولًا أكثر.

"اِعْتَرِفُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ بِالزَّلاَتِ، وَصَلُّوا بَعْضُكُمْ لأَجْلِ بَعْضٍ، لِكَيْ تُشْفَوْا. طَلِبَةُ الْبَارِّ تَقْتَدِرُ كَثِيرًا فِي فِعْلِهَا." (يعقوب 5: 16).

لا يحدث الاعتراف بالأخطاء والزلات الشخصية بصورةٍ طبيعية في مجموعاتٍ كبيرة؛ لذلك، فليس من السهل تنفيذ هذا الأمر أثناء الخدمات العامة للكنيسة. توضح القرينة السبب وراء هذا الأمر: إمكانية شفاء أولئك مَن أخطأوا.

"اِحْمِلُوا بَعْضُكُمْ أَثْقَالَ بَعْضٍ، وَهكَذَا تَمِّمُوا نَامُوسَ الْمَسِيحِ." (غلاطية 6: 2).

غالبًا يشعر المؤمن أن ولا واحد يهتم بما يجتاز فيه. سيهتم الشركاء المؤمنون إذا فهموا حقيقةً ما يعاني الشخص منه، لكنهم عادةً لا يعرفون الشخص جيدًا حتى يفهموا. كيف يمكننا أن نحمل أثقال الآخرين إذا لم نعرف حقيقةً مَن هم؟

في الأيام الأولى من ميلاد الكنيسة، علاقةٌ وثيقةٌ بين المؤمنين كانت نموذجًا.

"وَكَانُوا كُلَّ يَوْمٍ يُواظِبُونَ فِي الْهَيْكَلِ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ. وَإِذْ هُمْ يَكْسِرُونَ الْخُبْزَ فِي الْبُيُوتِ، كَانُوا يَتَنَاوَلُونَ الطَّعَامَ بِابْتِهَاجٍ وَبَسَاطَةِ قَلْبٍ."[1]

لقد قال ﭽون وسلي أنه لا يوجد مثل هذا الشيء كمسيحيةٍ فردية.

◄ في اعتقادك، ما الذي قصدَه وسلي بهذه العبارة؟

إن المُساءَلة الروحية تحدث في مجتمعٍ مسيحي صحي.

أن نحصل على مُساءَلةٍ روحيةٍ هو أن نؤسس علاقةً مع شخصٍ أو مجموعةٍ، حيث نعطي لهم تقريرًا عن حالتنا الروحية، وكذا نجاحنا أو فشلنا في تلمذتنا الروحية، والتزامنا بغرض النمو.

بدون المُساءَلة الروحية لن نحقق كل الوصايا الكتابية، وسنتجاهل الوسيلة التي قد صمَّمها الله ليسكب علينا نعمته.

[1]أعمال الرسل 2: 46.